الأمر الأوّل فی حال العلوم وموضوعها ووحدتها ومسائلها وتمیّز بعضها عن بعض وغیرها
فنقول : إنّک إذا تفحّصت العلوم المدوّنة الدائرة بین أبناء عصرنا ـ من علمیة وعملیة ، وحقیقیة واعتباریة ـ یتّضح لک تکامل العلوم فی عصرٍ بعد عصر ، من مرتبةٍ ناقصة إلی مرتبةٍ کاملة ؛ بحیث کانت فی أوّل یومها الذی دوّنت وانتشرت عدّة مسائل متشتّة ، تجمعها خصوصیة کامنة فی نفس المسائل ، بها امتازت عن سائر العلوم ، وبها عدّت علماً واحداً ، فجاء الخَلف بعد السلف فی القرون الغابرة ، وقد أضافوا إلیها ما تمکّنوا عنه وما طار إلیه فکرتهم ؛ حتّی بلغ ما بلغ ؛ بحیث تعدّ بآلاف من المباحث ، بعد ما کانت أوّل نشوئها بالغاً عدد الأصابع .
وینبّئک عن هذا ما نقله الشیخ الرئیس فی تدوین المنطق عن المعلّم الأوّل : من أنّا ما ورثنا عمّن تقدّمنا فی الأقیسة إلاّ ضوابط غیر مفصّلة ، وأمّا تفصیلها وإفراد کلّ قیاس بشروطه فهو أمر قد کددنا فیه أنفسنا .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 11 وأمامک علم الطبّ ؛ فقد تشعّب وانقسم عدّة شعبات من کثرة المباحث وغزارة المسائل ، حتّی أنّ الرجل لایتمکّن الیوم من الإحاطة بکلّ مسائله أو جلّها ، بل یتخصّص فی بعض نواحیه ، بعد ما کان جمیع مسائله مجتمعاً فی کتابٍ ، وکان من المرسوم الدائر قیام الرجل الواحد بمداواة جمیع الأمراض والعلل . وهذا هو الفقه ؛ فانظر تطوّره وتکامله من زمن الصدوقین إلی عصورنا الحاضرة .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 12