الأمر الرابع فی الإشکال علی الصفات الجاریة علی ذاته تعالی
قد یقال : إنّ المادّة موضوعة للحدث اللابشرط غیر المتحصّل وهیئة المشتقّات للمعنون ؛ أعنی الذات المتلبّس بالعنوان عند التحلیل .
فیشکل الأمر فی أوصافه تعالی من وجهین :
الأوّل : من ناحیة هیئة المشتقّ ؛ فإنّها تقتضی مغایرة المبدأ لما یجری علیه ، والمذهب الحقّ عینیة الذات مع الصفات .
الثانی : من جهة المادّة ؛ لاقتضائها کون المبدأ فی المشتقّات حدثاً ، وهو سبحانه فوق الجواهر والأعراض ؛ فضلاً عن الأحداث .
وأجاب المحقّق الخراسانی : بأنّه یکفی التغایر مفهوماً ؛ وإن اتّحدا عیناً .
وفیه ـ مضافاً إلی عدم کفایته لدفع الإشکال الثانی ـ أنّ الإشکال هاهنا فی أنّ مفاد المشتقّ هو زیادة العنوان علی ذات المعنون ، وإجراؤه علی الواجب یستلزم خلاف ما علیه أهل الحقّ . وما ذکر مـن اختلافهما مفهوماً کأنّـه أجنبی عـن الإشکال .
وأعجب منه : ما فی ذیل کلامه من أنّ فی صفاته الجاریة علیه تعالی یکون
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 179 المبدأ مغایراً له تعالی مفهوماً قائماً به عیناً ، لکنّه بنحو من القیام ، لا بأن یکون هناک اثنینیة وکان ما بحذائه غیر الذات ، بل بنحو من الاتّحاد والعینیة . وعدم فهم العرف مثل هذا التلبّس لایضرّ ؛ لکونه مرجعاً فی المفاهیم لافی تطبیقها ، انتهی .
وفیه : مضافاً إلی أنّ القول بعینیة الصفات مع الذات غیر القول بکونها قائمة بذاتها ـ إذ لو قلنا بالقیام لتوجّه الإشکال ، ولایندفع بما قال ، إلاّ أن یراد بالقیام عدم القیام حقیقة ـ أضف إلی ذلک : أنّ المدّعی أنّ العرف یجری هذه الصفات علیه تعالی کما یجریها علی غیره ، فالقول بأنّ العرف متّبع فی المفاهیم لا التطبیق غیر مربوط به ، مع أنّ عدم مرجعیته فی التطبیق محلّ نظر .
وما عن صاحب «الفصول» من الالتزام بالتجوّز أو النقل خلاف الوجدان ؛ إذ لا نری الفرق بین حملها علیه سبحانه وغیره .
وأمّا الإشکال علیه من استلزام قوله کون جریها علیه لقلقة اللسان ، أو إرادة المعانی المقابلة تعالی عنه فمدفوع : بأنّ الالتزام بنقل العالم والقادر إلی نفس العلم والقدرة التی لاتستلزم الزیادة علی ذاته لایوجب ما أوردوه ، بل یوجب تنزیه الذات عن الکثرة ، کما هو واضح .
والتحقیق فی دفع الإشکال الأوّل أن یقال : إنّ المشتقّ لایدلّ إلاّ علی المعنون بعنوان المبدأ بما أنّه معنون ، فلا یفهم من لفظ العالم إلاّ المعنون به ؛ من حیث هو کذلک ، وأمّا زیادة العنوان علی المعنون وقیامه به فهو خارج عن مفهومه ، لکن لمّا کان الغالب فیها هو الزیادة تنسبق المغایرة والزیادة إلی الذهن لأجل التعارف
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 180 الخارجی ، لا لدلالة المفهوم علیها . فالمشتقّ یدلّ علی المعنون ، والعینیة والزیادة من خصوصیات المصادیق .
فإن قلت : إنّ المشتقّ ینحلّ بحسب اللفظ والدلالة والمدلول إلی شیئین ؛ فینحلّ بحسب المدلول إلی ذات ثبت له المبدأ ، وهذا التفصیل والانحلال وإن لم یکن مدلولاً أوّلیاً للّفظ ، بناءً علی بساطة المشتقّ ، بل مدلولاً ثانویاً بحسب تحلیل العقل ، إلاّ أنّ التحلیل منه لابدّ أن یکون لأجل خصوصیة فی المدلول الأوّلی التی یقتضی زیادة العنوان علی ذاته ، وإلاّ کان التحلیل بلا ملاک .
فحینئذٍ : تلک الخصوصیة المفهمة من المدلول الأوّلی تقتضی أن یکون وضع المشتقّ لمعنی یزید فیه العنوان علی ذاته ؛ حفظاً لملاک التحلیل .
وبالجملة : التحلیل ـ ولو بحسب العقل ـ لا یجامع مآلاً مع القول بأنّ الزیادة والعینیة من خصوصیات المصادیق .
قلت : لاینحلّ المشتقّ ـ حتّی فی لحاظ التفصیل ـ إلی ذات ثبت له المبدأ ؛ بحیث یکون دالاًّ علی ذات ومبدءٍ وثبوت مبدءٍ لذات ، بل لایدلّ إلاّ علی المعنون بما هو کذلک ، ولازمه وجدان المعنون للعنوان ، لاحصول العنوان له حصولاً زائداً علی ذاته . فهو تعالی عالم وقادر ؛ أی معنون بعنوان العلم والقدرة ، من غیر لزوم کونهما وصفاً زائداً علیه تعالی ، کما أنّه أزلی وأبدی ، من غیر تصوّر کونهما وصفین زائدین علی ذاته . وبالجملة : دعوی انحلال المشتقّ إلی ذات وصفة ، وثبوت الصفة لها ـ حتّی یکون لازمه الزیادة ـ فی غایة السقوط .
فتحصّل : أنّه تعالی موصوف بجمیع الصفات الکمالیة ومعنون بهذه العناوین ، وهی جاریة علیه تعالی بما لها من المعانی ، من غیر نقل ولا تسامح . وإنکار ذلک إلحاد فی أسمائه وصفاته علی فرضٍ ، وخلاف المتبادر والارتکاز علی فرضٍ
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 181 آخر ، فهو ـ عزّ شأنه وتقدّست أسماؤه ـ موصوف بکلّ کمال .
وأمّا تفصیل القول فی أنّه تعالی صرف الوجود وهو کلّ کمال ، وتحقیق القول فی جمع صرف الوجود للأسماء مع کونها بحقائقها ثابتة له ، من دون شوب کثرة عقلیة أو خارجیة ، وغیر ذلک من المباحث الهامّة فکلّها موکول إلی علمه ومحلّه وأهله .
وأمّا الإشکال الثانی فیندفع : بأنّه لا دلیل علی لزوم کون المبدأ حدثاً أو عرضاً بالمعنی المنافی لذاته سبحانه ، بل القدر المسلّم هو قبول المعنی المبدئی التصرّف والتصریف بتوارد الصور المتنوّعة والمعانی المختلفة علیه . والحقائق التی لها مراتب الکمال والنقص ، والعلّیة والمعلولیة ـ کحقیقة الوجود وکمالاتها ـ قد تکون قابلة للتصریف والتصرّف ؛ فإذا صدر منه تعالی وجود یصدق علیه أنّه موجِد ، وعلی المعلول أنّه موجَد ، ویجیء فیه سائر التصرّفات .
فتلخّص : أنّ المشتقّ یدلّ علی المعنون بعنوان ، من غیر دلالة علی الحدثیة والعرضیة ، فإذا قلنا : إنّه سبحانه عالم لیس معناه إلاّ کون ذاتـه تعالی کاشفاً أو کشف تامّ عن الأشیاء ، والعلم حقیقة الانکشاف ، من غیر دخالة العرضیة والجوهریة فیه ، فلیس حقیقته إلاّ ذلک ، وهو ذو مراتب وذو تعلّق بغیره ، لا نحو تعلّق الحالّ بالمحلّ .
وهو تعالی باعتبار کونه فی مرتبة ذاته کشف تفصیلی فی عین البساطة والوحدة عن کلّ شیء ـ أزلاً وأبداً ـ یطلق علیه عالم ، وباعتبار کون ذاته منکشفاً لدی ذاته یکون معلوماً ، فصدق المشتقّات الجاریة علی ذاته تعالی حقیقة من غیر شوب إشکال ، والحمد لله تعالی .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 182