المختار فی تصویر الجامع
وأمّا المختار : فیتوقّف بیانه علی تقدیم مقدّمة : وهی أنّ محطّ البحث للأعلام إنّما هو تصویر جامع کلّی قابل الانطباق علی الأفراد المختلفة ـ کیفاً وکمّاً ـ فحینئذٍ مرتبة فرض الجامع متقدّمة علی مرتبة عروض الصحّة والفساد علیه ؛ لما عرفت سابقاً من أنّهما من عوارض وجود العبادات خارجاً .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 106 وتوهّم کونهما من الاُمور الإضافیة ؛ بحیث یجوز أن تکون ماهیة صحیحة من حیثیة وفاسدة من اُخری ، کما تری ! بل هما من الاُمور المتضادّة وبینهما تقابل التضادّ ، کما مرّ .
نعم ، ربّما تکون ماهیة موجودة من الطبائع الحقیقیة بعضها فاسد بقول مطلق وبعضها صحیح کذلک ، وذلک مثل البطّیخ الذی فسد نصفه وبقی الآخر صحیحاً ، ولکن الصلاة إذا فقد بعض أجزائها أو شرائطها لا تتّصف بالصحّة والفساد ؛ لابهذا المعنی ولا بالمعنی الإضافی ، بل هذه الصلاة الموجودة مع فقدان بعض شروطها أو وجود بعض موانعها فرد من الصلاة عرضها الفساد فقط فی الخارج ولیست بصحیحة ، کما أنّها لاتکون صحیحة من جهة وفاسدة من اُخری ، ولا صحیحة فی النصف وفاسدة فی النصف الآخر .
ومن ذلک یظهر لک : أنّ بعض ما هو من الشرائط ویکون دخیلاً فی اتّصافها بالصحّة خارجاً غیر داخل فی محطّ البحث ؛ لما عرفت من أنّ البحث فی المرتبة المتقدّمة علی الوجود الخارجی وما یعرضه من الصحّة ومقابلها .
وعلی هذا : لا مناص عن الاعتراف بکون الموضوع له أمراً ینطبق علی مقالـة الأعمّی ؛ لما علمت من أنّ الماهیة التی وضعت لها لفظة الصلاة إذا وجدت فی الخارج ـ مجرّدة عن تلک الشرائط التی عرفت خروجها عن الموضوع له ـ تتّصف لا محالة بالفساد ، ولایمکن اتّصافها بالصحّة فی هذا الحال ، فلا تکون الماهیة الموضوع لها الصلاة متّصفة فی الخارج بالصحّة دائماً ، وهذا بعینه مقالة
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 107 الأعمّی ؛ وإن کان لفظه قاصراً عن إفادته .
وقد تقدّم : أنّ النزاع لیس فی وضع هذه الألفاظ لمفهومی الصحیح والأعمّ ، ولا للماهیة المتقیّدة بمفهوم الصحّة ، بل لایمکن الوضع لماهیة ملازمة لها ؛ لأنّ مفهوم الصحّة وحقیقتها غیر لازمین للماهیة ؛ لأنّها من عوارض الوجود ، کما أنّه لایمکن وضعها لماهیة إذا وجدت فی الخارج کانت صحیحة ؛ لما عرفت آنفاً من خروج بعض شروط الصحّة من حریم النزاع .
فظهر من ذلک کلّه : أنّ الماهیة الموضوع لها الصلاة لاتکون ملازمة للصحّة ، وکذلک سائر ما أشبهها ، فلا مجال حینئذٍ للنزاع إلاّ مع إلغاء عنوانی الصحیح والأعمّ ، ویقال : هل الألفاظ موضوعة لماهیة تامّة الأجزاء والشرائط الکذائیة أو ما هو ملازم لها ، أو لا . ولعلّ نظر القوم ذلک ، لکن تخلّل الصحیح والأعمّ لسهولة التعبیر ، فتدبّر .
وإذ قد عرفت ذلک فاعلم : أنّ المرکّبات الاعتباریة إذا اشتملت علی هیئة ومادّة یمکن أن یؤخذ کلّ منهما فی مقام الوضع لا بشرط ، لا بمعنی لحاظه کذلک ؛ فإنّه ینافی اللابشرطیة ، بل بمعنی عدم اللحاظ فی مقام التسمیة إلاّ للمادّة والهیئة بعرضهما العریض ، وذلک کالمخترعات من الصنائع المستحدثة ؛ فإنّ مخترعها بعد أن أحکمها من موادّ مختلفة وألّفها علی هیئة خاصّة وضع لها اسم الطیّارة أو السیّارة أو ما أشبههما ، ولکن أخذ کلاًّ من موادّها وهیئاتها لا بشرط .
ولـذا تری : أنّ تکامل الصنعة کثیراً ما یوجب تغییراً فی مـوادّها أو تبدیلاً فی شأن من شؤون هیئتها ، ومع ذلک یطلق علیها اسمها کما فـی السابق ، ولیس
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 108 ذلک إلاّ لأخذ الهیئة والمادّة لا بشرط ؛ أی عدم لحاظ مادّة وهیئة خاصّة فیها .
توضیح الکلام : أنّ المرکّبات الاعتباریة علی قسمین :
قسم یکون الملحوظ فیه کثرة معیّنة کالعشرة ؛ فإنّها واحدة فی قبال العشرین والثلاثین ، لکن لوحظ فیها کثرة معیّنة ؛ بحیث تنعدم بفقدان واحد منها ، فلا یقال للتسعة عشرة .
وقسم آخر یکون فیه قوام الوجود الاعتباری بهیئته وصورته العرضیة ، ولم یلحظ فیه کثرة معیّنة فی ناحیة المادّة ؛ بحیث مادام هیئتها وصورتها العرضیة موجودة یطلق علیها اللفظ الموضوع ؛ وإن تقلّل موادّها أو تکثّرت أو تبدّلت .
وإن شئت قلت : إنّ الهیئة قد ابتلعت هذه الموادّ والأجزاء وصارت مقصودة فی اللحاظ ، کما فی مثال السیّارة بالنسبة إلی هیئتها القائمة بأجزائها ، هذا حال المادّة . وأمّا الهیئة فقد تلاحظ بنحو التعیّن واُخری بنحو اللابشرط ، مثل مادّتها بعرضها العریض ، کما مرّ .
والحاصل : أنّ المرکّبات غیر الحقیقیة قد تؤخذ موادّها فانیة فی هیئاتها ویقصر النظر إلی الهیئات ، ومع ذلک تؤخذ الهیئة أیضاً لابشرط ، وذلک مثل الدار والسیّارة والبیت ونحوها التی یشار إلیها بلفظ واحد جامع عرضی بین أفرادها ، بعد فقدان الجامع الحقیقی المؤلّف من الجنس والفصل فیها .
وبالجملة : لایمکن الإشارة إلی الجامع بینها إلاّ بعناوین عرضیة ، کالعبادة الخاصّة فی الصلاة والمرکوب الخاصّ أو المسکن الخاصّ فی مثل السیّارة والدار والبیت ؛ فإذن البیت بیت ؛ سواء اُخذ موادّه من الحجر والطین أو من الجصّ والخزف ، بنی علی هیئة المربّع أو المثلّث أو غیرهما ؛ إذ الواضع وضع هذا اللفظ
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 109 لهیئة مخصوصة تکون الموادّ فانیة فیها ، ومع ذلک لم یلحظ الهیئة أیضاً معیّنة من جمیع الجهات .
إذا عرفت هذا فنقول : إنّه لامنع عن القول بکون الصلاة وأضرابها موضوعة لنفس الهیئة اللابشرطیة الموجودة فی الفرائض والنوافل ؛ قصرها وتمامها ، وما وجب علی الصحیح والمریض بأقسامها ، إلاّ بعض المراتب التی لاتکون صلاة ، کصلاة الغرقی .
والحاصل : أنّها وضعت لهیئة خاصّة مأخوذة علی النحو اللابشرط فانیة فیها موادّها الخاصّة ـ من ذکر وقرآن ورکوع وسجود ـ تصدق علی المیسور من کلّ واحد منها وهیئتها صورة اتّصالیة خاصّة حافظة لمادّتها ، اُخذت لا بشرط فی بعض الجهات .
نعم ، فرق بینها وبین ما تقدّم من الأمثلة کالدار والسیّارة ؛ حیث إنّه فی المقام نحو تضییق فی الموادّ من التکبیر إلی التسلیم ، إلاّ أنّه مع ذلک التحدید لها عرض عریض ؛ إذ کلّ واحد من أجزاء موادّها مثل الرکوع والسجود جزء بعرضه العریض ، ولکن الغرض متوجّه إلی الهیئة الخضوعیة التی تصدق علی فاقد الحمد والتشهّد وغیرها من الأجزاء ، مع بقاء ما یحفظ به صورتها .
ثمّ بعد ما أسمعناک حقیقة الوضع فی المرکّبات الاعتباریة تعرف : أنّ الشرائط کلّها خارجة عن الماهیة ، وأنّها عبارة عن الهیئة الخاصّة الحالّة فی أجزاء خاصّة تتّحد معها ؛ اتّحاد الصورة مع المادّة ، کما أنّ عنوانی الصحیح والأعمّ خارجان عن الموضوع له رأساً .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 110