الاُولی : فی معانی لفظ الأمر
اعلم أنّ المعروف بین الاُصولیین أنّ لفظ الأمـر مشترک لفظـی ـ بما أنّـه لفـظ واحـد ـ بین الطلب الـذی هـو أمـر حـدثی وقابل للتصریف وبین غیره الذی لیس کذلک .
وعن بعضهم : أنّه مشترک معنوی بینهما . ولکنّه غفلة وذهول ؛ لامتناع وجود جامع حقیقی بین الحدث وغیره . وعلی فرض وجوده لایکون حدثیاً حتّی یقبل الاشتقاق إلاّ بنحو من التجوّز .
کما أنّ القول باشتراکه لفظاً غیر صحیح ؛ إذ الموضوع للحدث هی المادّة الساریة فی فروعها التی لم تتحصّل بهیئة خاصّة ، بل خالیة عن جمیع الفعلیات
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 185 والتحصّلات . والموضوع لمعان اُخر هو لفظ الأمر جامداً المتحصّل بهیئة خاصّة ، کلفظ الإنسان والحیوان .
وعلیه : فالوضعان لم ینحدرا علی شیء واحد حتّی یجعل من الاشتراک اللفظی ، بل علی مادّة غیر متحصّلة تارة ، وعلی اللفظ الجامد اُخری . ولعلّ القائل بالاشتراک یری مادّة المشتقّات هو المصدر ، وتبعـه غیره فی ذلک ، من غیر توجّه إلی تالیه .
ثمّ الظاهر ـ کما هو مقتضی التبادر ـ من قولنا «أمر فلان زیداً» أنّ مادّته موضوعة لجامع اسمی بین هیئات الصیغ الخاصّة بما لها من المعنی ، لا الطلب ولا الإرادة المظهرة ، ولا البعث وأمثالها .
ولایبعد أن یکون المعنی الاصطلاحی مساوقاً للّغوی ؛ أی لایکون له اصطلاح خاصّ ، مثلاً إذا قال «اضرب زیداً» یصدق علی قوله أنّه أمره ، وهو غیر قولنا : إنّه «طلب منه» أو «أراد منه» أو «بعثه» ؛ فإنّ هذه المفاهیم الثلاثة غیر مفهوم الأمر عرفاً .
وبعبارة أوضح : أنّ مادّة الأمر موضوعة لمفهوم اسمی منتزع من الهیئات بمالها من المعانی ، لا بمعنی دخول المعانی فی الموضوع له ، بل بمعنی أنّ الموضوع له جامع الهیئات المستعملة فی معانیها ، لانفس الهیئات ؛ ولو استعملت لغواً أو فی غیر معناها ، فالمعنی مفهوم اسمی مشترک بین الهیئات التی هی الحروف الإیجادیة .
فإن قلت : البحث فی لفظ الأمر الذی له معنی اشتقاقی ، وما ذکرت من الجامع یستلزم کونه غیر قابل للتصریف .
قلت : ما ذکرنا من الجامع الاسمی بما أنّه قابل للانتساب والتصرّف یصحّ منه الاشتقاق ، کما أن الکلام واللفظ والقول مشتقّات باعتبار ذلک ، فلا إشکال من هذه
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 186 الجهة بوجه . ولو سلّم أنّ الأمر لغةً بمعنی الطلب فالاشتقاق کما یمکن باعتباره کذلک یمکن باعتبار المعنی الاصطلاحی ؛ أی القول الخاصّ ، لکن باعتبار کونه حدثاً صادراً عن المتکلّم .
وما یقال : من أنّ المعنی الاصطلاحی غیر قابل للتصریف ناشٍ عن جعل لفظ الأمر بإزاء معنی محصّل الذی لا یصدق إلاّ علی الصیغ المحصّلة ، وقد عرفت أنّ الاشتقاق منه باعتبار انتسابه وکونه حدثاً صادراً عن الآمر .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 187