تصویر الأمر بالأهمّ والمهمّ بلا تشبث بالترتب
الثالث : ما حقّقناه فی هذا الباب وبنینا علیه واستفدنا منه فی أبواب اُخر ، سیوافیک ـ بإذن الله ـ وملخّصه : هو تصویر الأمر بالأهمّ والمهمّ فی عرض واحد ، بلا تقیید واحد منهما بالعصیان ، کما علیه القوم فی تصویر الأمر بالمهمّ ؛ حیث
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 429 یقولون : إنّ الأمر به مترتّب علی عصیان أمر الأهمّ ، علی تفصیل سیمرّ بک بیانه وبیان بطلانه . ثمّ إنّ توضیح المختار یستدعی رسم مقدّمات :
المقدّمة الاُولی :
التحقیق ـ کما سیأتی ـ أنّ الأوامر متعلّقة بالطبائع ؛ لأنّ الغرض قائم بنفس الطبیعة ؛ بأیّ خصوصیة تشخّصت وفی ضمن أیّ فرد تحقّقت ، فلا معنی لإدخال أ یّة خصوصیة تحت الأمر بعد عدم دخالتها فی الغرض . علی أنّ الهیئة تدلّ علی البعث والمادّة علی الماهیة اللابشرط ، فلا دالّ علی الخصوصیات .
المقدّمة الثانیة :
أنّ الإطلاق ـ بعد فرض تمامیة مقدّماته ـ لیس معناه إلاّ کون الطبیعة تمام الموضوع للحکم بلا دخالة شیء آخر ، أو لیس إلاّ أنّ ما وقع تحت دائرة الطلب تمام الموضوع له ؛ هذا لیشمل ما إذا کان الموضوع جزئیاً .
وأمّا جعل الطبیعة مرآة لمصادیقها أو جعل الموضوع مرآة لحالاته فخارج من معنی الإطلاق وداخل تحت العموم ؛ أفرادیاً أو أحوالیاً .
وبالجملة : فرق بین قولنا «اعتق رقبة» وبین قولنا «اعتق کلّ رقبة» ؛ إذ الأوّل مطلق ؛ بمعنی أنّ تمام الموضوع هو الرقبة لیس غیر ، والثانی عموم ویدلّ علی وضع الحکم علی الأفراد بتوسیط العنوان الإجمالی الذی لوحظ مرآة إلیها .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 430 وسیجـیء فـی بابـه : أنّ العمـوم لایستغنی بـه عـن الإطـلاق الأحـوالی للأفراد ؛ لأنّ غایة ما یدلّ علیه العموم هو کون الأفراد محکوماً بالحکم ، وأمّا أنّ کلّ فرد تمام الموضوع للحکم بلا دخالة وصف آخر فلابدّ فیه من التمسّک بالإطلاق .
وبه یظهر : أنّ الغایة من الإطلاق غیر الغایة من العموم ، وأنّ تقسیم الإطلاق إلی الشمولی والبدلی وغیرهما فاسد جدّاً ؛ إذ لیس للإطلاق تعرّض لحیثیة سوی کون ما اُخذ موضوعاً تمام الموضوع ، وأمّا کون الحکم متعلّقاً بالفرد علی البدل أو لکلّ فرد أو للمجموع فلابدّ فی استفادة کلّ من ذلک من التمسّک بدوالّ لفظیة ؛ من لفظ «کلّ» أو «اللام» أو «بعض» أو غیرها .
والسرّ فی ذلک : أنّ الطبیعة لایمکن أن تکون حاکیة عن الأفراد ؛ وإن کانت متّحدة معها خارجاً ، بخلاف العموم ؛ فإنّ أداته وضعت لاستغراق أفراد المدخول ، فیتعلّق الحکم فیه بالأفراد المحکیة بعنوانی الکلّ والجمیع .
وأمّا ما عن بعضهم فی تصویر کون الوضع عامّاً والموضوع له خاصّاً من أنّ الطبیعة إذا لوحظت ساریة فی أفرادها تتّحد معها وتحکی عنها ، مخدوش بأنّ الاتّحاد غیر الحکایة التی تدور مدار الوضع والاعتبار ، والمفروض أنّ الملحوظ عند وضع الإنسان ـ مثلاً ـ نفس الماهیة اللابشرطیة ، فکیف یحکی هذا اللفظ عن الخصوصیات مع عدم وضع لها ؟
ولو کان الاتّحاد العینی کافیاً فی الحکایة لزم أن یحکی الجسم عن أعراضه . نعم الاتّحاد وجوداً یوجب الانتقال إلی الخصوصیة وهو غیر الحکایة ، کما ینتقل
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 431 من تصوّر أحد الضدّین إلی الآخر ، بل هو من باب تداعی المعانی الذی منشؤه غالباً الموافاة الوجودیة أو المطاردة فی الموضوع . هذا قلیل من کثیر ، وغیض من غدیر ، وسیجیء تفصیل الکلام فی محلّه .
المقدّمة الثالثة :
أنّک قد عرفت أنّ الأوامـر المتعلّقة بالطبائع لاتعرّض لها علی أحوال الطبیعـة وأفرادها ، ومنه یظهر : أنّ التزاحمات الواقعة فی الخارج بین أفراد الطبائع بالعرض غیر ملحوظة فی تلک الأدلّة ؛ لأنّ الحکم مجعول علی العناوین الکلّیة ، وهو مقدّم علی التزاحم الواقع بین الأفراد برتبتین : رتبة تعلّق الحکم بالعناوین ، ورتبة فرض ابتلاء المکلّف بالواقعة ، وما له هذا الشأن من التقدّم لایتعرّض لحال ما یتأخّر عنه برتبتین .
والحاصل : أنّ التزاحم بین وجوب إزالة النجاسة عن المسجد ووجوب الصلاة ـ حیث یتحقّق ـ متأخّر عن تعلّق الحکم بموضوعاتها وعن ابتلاء المکلّف بالواقعة المتزاحم فیها ، ولایکون الأدلّة متعرّضة لحاله ؛ فضلاً عن التعرّض لعلاجـه ؛ إذ قد تقدّم أنّ المطلق لایکون ناظراً إلی حالات الموضوع فی نفسه ؛ فضلاً عن حالاته مع غیره ، وعن طروّ المزاحمة بینهما ؛ فضلاً عن أن یکون ناظراً إلی علاج المزاحمة .
هب أنّا أغمضنا عن أنّ علاج المزاحمة متأخّر رتبة عن جعل القانون بمراتب ، إلاّ أنّه لایمکن الإغماض عن أنّ الأمر له مادّة وهیئة ، ولا دلالة لشیء
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 432 منهما علی الأفراد الخارجیة ـ علی ما حرّر فی محلّه ـ فإذن بأیّ دالّ استفید الفرد المزاحم بغیره ؟ أم بأیّ شیء عولج ذلک التزاحم ؟ مع أنّ کلّها خارجة من مدلول الأمر ، ولایمکنه أن یتکفّلها بعد کون معناه محدوداً فی البعث إلی الطبیعة .
فاتّضح : بطلان اشتراط المهمّ بعصیان الأهمّ الذی یبتنی علیه أساس الترتّب ؛ لأنّ المراد من الشرطیة إن کان أنّه شرط شرعاً فقد عرفت أنّه لایمکن أن یکون مفاد الأدلّة ؛ لأنّ الحاکم فی مقام إلقاء الحکم لایتوجّه إلاّ إلی إنشائه لا إلی تصحیح علاج المزاحمة ؛ لأنّه متأخّر عنه ، کما تقدّم . علی أنّک قد عرفت انحصار مفاد الأمر فیما مرّ .
وأمّا کـون العقل کاشفاً عـن اشتراطـه شرعاً أو کونـه حاکماً بذلک فسیجیء الکلام فیه .
المقدّمة الرابعة :
أنّک إذا تتبّعت کلمات الأعلام فی تقسیم الحکم إلی مراتبه الأربعة تجد فیها ما لا یمکن الموافقة معه ؛ إذ قد عدّوا منها ما هو من مبادئ الحکم وملاکاته ، کالمصالح والمفاسد التی یعبّر عنها بمرتبة الاقتضاء ، کما قد عدّوا منها ما هو من أحکام العقل بعد تمامیة الحکم ـ أعنی التنجیز ـ لأنّه حکم عقلی غیر مربوط بمراتب الأحکام المجعولة ، ومعنی تنجّزه قطع عذر المکلّف فی المخالفة وعدم کونه معذوراً ، من غیر تبدیل وتغییر فی الحکم ولا الإرادة .
وأعجب منه : کون حکم فعلیاً فی ساعة وإنشائیاً فی اُخری ، وفعلیاً فی
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 433 حـقّ شخص وإنشائیاً فی حـقّ آخـر ، إلی غیر ذلک ممّا یدمغه البرهان وحکم العقل بامتناع تغیّر الإرادة فی حـقّ الشارع ، بل ولایناسبه القوانین العقلائیة ؛ عالمیـة کانت أو غیرها .
فإذا انحصر مراتب الحکم فی الإنشائیة والفعلیة فلابدّ من توضیحهما ، فنقول : الناموس المطّرد فی قوانین العالم هو أنّ الحاکم بعد ما تصوّر صلاح شیء وفساده وجزم أنّ فی جعل حکم له صلاحاً لحال أتباعه یتعلّق الإرادة علی إنشائه بصورة قانون کلّی لعامّة البشر أو لجماعة منهم ، فینشئه حکماً عمومیاً جاعلاً له فی مظانّه التی یطلبه فیها المراجعون ، ویرجع إلیها فی استعلام الوظیفة المکلّفون .
ولا یتفاوت فیما ذکرنا کون الحاکم شخصاً واحداً أو أشخاصاً متعدّدین ، غیر أنّ الحکم فی الثانی یدور مدار غالبیة الآراء وأکثریتها .
ثمّ إنّ للمحیط وحال المکلّفین دخلاً تامّاً فی إجراء الحکم وإعلانه ؛ فإن ساعدت الأحوال ووجدت شرائط الإجراء یأمر الحاکم بإعلانه وإیصاله إلی المکلّفین ، وإلاّ فیترقّب تناسب المحیط واستعداد الناس بقبوله ، ویترک هـو فی سنبله الإنشائی .
والذی نسمّیه حکماً إنشائیاً أو شأنیاً هو ما حاز مرتبة الإنشاء والجعل ؛ سواء لم یعلن بینهم أصلاً حتّی یأخذه الناس ویتمّ علیهم الحجّة ؛ لمصالح فی إخفائها ، کالأحکام التی بقیت مخزونة لدی ولی العصر ـ عجّل الله تعالی فرجه ـ ویکون وقت إجرائها زمان ظهوره ؛ لمصالح تقتضی العنایة الإلهیة ، کنجاسة بعض الطوائف المنتحلة بالإسلام وکفرهم ، فهو حکم إنشائی فی زماننا ، وإذا بلغ وقت إجرائه یصیر فعلیاً .
أو أعلن بینهم ، ولکن بصورة العموم والإطلاق ؛ لیلحقه التقیید والتخصیص
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 434 بعد بدلیل آخر ، کالأحکام الکلّیة التی تنشأ علی الموضوعات ، ولا تبقی علی ما هی علیها فی مقام الإجراء .
فالمطلقات والعمومات قبل ورود المقیّدات والمخصّصات أحکام إنشائیة بالنسبة إلی موارد التقیید والتخصیص ؛ وإن کانت فعلیات فی غیر هذه الموارد . والذی نسمّیه حکماً فعلیاً هو ما حاز مرتبة الإعلان ، وتمّ بیانه من قبل المولی بإیراد مخصّصاته ومقیّداته ، وآن وقت إجرائه وحان موقع عمله .
فحینئذٍ ؛ فقوله تعالی : « أوفُوا بِالعقُودِ » بهذا العموم حکم إنشائی ، وما بقی بعد التقیید أو التخصیص حکم فعلی . هذا هـو المختار فی معنی إنشائیـة الحکم وفعلیته .
فتلخّص : أنّ الأحکام منقسمة إلی حکم إنشائی ؛ وهو مالم یر الحاکم صلاحاً فی إجرائه ؛ وإن کان نفس الحکم ذا صلاح ، کالأحکام المودوعة عند صاحب الأمر الواصلة إلیه من آبائه علیهم السلام ، أو یری صلاحاً فی إجرائه ، ولکن أنشأ بصورة العموم والإطلاق ؛ لیلحق به خصوصه وقیده ، هو نفسه أو وصی بعده ، وإلی حکم فعلی قد بیّن وأوضح بخصوصه وقیوده ، وآن وقت إجرائه وانفاذه .
وعلیه : إذا فرضنا حصول عائق عن وصول الحکم إلی المکلّف ـ وإن کان قاصراً عن إزاحة علّته ـ أو عروض مانع ، کالعجز والاضطرار عن القیام بمقتضی التکلیف لا یوجب ذلک سقوط الحکم عن فعلیته ولایمسّ بکرامتها ولا یسترجعه إلی ورائه ، فیعود إنشائیاً ؛ لأنّ ذلک أشبه شیء بالقول بانقباض إرادة المولی عند طروّ العذر وانبساطها عند ارتفاعه .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 435 والسرّ فی ذلک : أنّ غایة ما یحکم به العقل هو أنّ المکلّف إذا طرء علیه العذر أو دام عذره وجهله لا یکون مستحقّاً للعقاب ، بل یخرج من زمرة الطاغین وعداد المخالفین ؛ لعدم المخالفة عن عمدٍ ، وأمّا کونه خارجاً من موضوع التکلیف ؛ بحیث تختصّ فعلیة الحکم بغیر الجهّال وذوی الأعذار فلا وجه له ، وسیأتی أنّ الخطابات القانونیة لیست مثل الخطابات الشخصیة ؛ فإنّ الثانیة لایجوز توجیهها لغیر القادر ، بل یقبح خطاب العاجز بشخصه دون الاُولی . فحینئذٍ فلا وقع للسؤال عن أنّ إسراء الحکم إلی العاجز والجاهل إسراء بلا ملاک ، فارتقب .
وبذلک یتّضح : أنّ الفعلیة والشأنیة بالمعنی المعروف ـ من إنشائیة الحکم بالنسبة إلی شخص کالجاهل والغافل والساهی والعاجز ، وفعلیته بالنسبة إلی مقابلاتها ـ ممّا لا أساس له ؛ لأنّ الاشتراط الشرعی فی بعضها غیر معقول ، مع عدم الدلیل علیه فی جمیعها . والتصرّف العقلی أیضاً غیر معقول ؛ لعدم إمکان تصرّف العقل فی إرادة الشارع ولا فی حکمه ، وسیأتی توضیحه .
وبالجملة : أنّ الأحکام المضبوطة فی الکتاب والسنّة لایعقل فیها هاتان المرتبتان بالمعنی الدائر بینهم ، فقوله تعالی : «وَلله ِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ البَیْتِ . . . » إلی آخره لا یختلف بالنسبة إلی الجاهل والعالم ، ولا معنی للفعلیة والشأنیـة فی هـذا الحکم المجعول المنضبط ، بل جعل الحکم علی العنوان وإجـراؤه بین المکلّفین عند ذکـر مخصّصاته ومقیّداتـه یوجب فعلیة الحکم علی عامّـة الناس ؛ سواء العالم والجاهل والقادر والعاجز ، وقد عرفت أنّ العقل یرفع حکم العقاب لانفس التکلیف .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 436
المقدّمة الخامسة :
کلّ حکم کلّی قانونی فهو خطاب واحد متعلّق لعامّة المکلّفین ، بلا تعدّد ولا تکثّر فی ناحیة الخطاب ، بل التعدّد والکثرة فی ناحیة المتعلّق .
ویشهد علیه وجدان الشخص فی خطاباته ؛ فإنّ الشخص إذا دعا قومه لإنجاز عمل أو رفع بلیة فهو بخطاب واحد یدعو الجمیع إلی ما رامه ، لا أنّه یدعو کلّ واحد بخطاب مستقلّ ؛ ولو انحلالاً ؛ للغویة ذلک بعد کفایة الخطاب الواحد بلا تشبّث بالانحلال .
وما اشتهر من انحلال الخطاب الواحد إلی الخطابات حسب عدد المکلّفین غیر تامّ ؛ لأنّ ملاک الانحلال فی الإخبار والإنشاء واحد ، فلو قلنا بالانحلال فی الثانی لزم القول به فی الأوّل أیضاً ، مع أنّهم لایلتزمون به ، وإلاّ یلزم أن یکون الخبر الواحد الکاذب أکاذیب فی متن الواقع .
وعلیه : لو قال قائل بأنّ النار باردة فقد کذب بعدّة أفراد النار ، وهو رأی عازب أو قول کاذب ، لایلتزم به ذو مسکة .
فتحصّل ممّا ذکر : أنّه لا ینحلّ الخطاب إلی خطابات ؛ بحیث یکون کلّ واحد مورداً لخطاب خاصّ .
وأمّا المیزان فی صحّة الخطاب الکلّی فهو إمکان انبعاث عدّة من المخاطبین بهذا الخطاب ، لا انبعاث کلّ واحد منهم ؛ لبطلان القول بالانحلال .
والسرّ فی ذلک : أنّ أمر الآمر إذا کان لداعی الانبعاث ـ وإن کان الانبعاث مستنداً لمبادئ آخر ؛ من الخوف والطمع أیضاً ـ یصحّ الخطاب به مولویاً عندالعقلاء لو قام بامتثاله طائفة من المأمورین ، کما یستهجن لو علم الآمر عدم انبعاث واحد منهم .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 437 ثمّ إنّ الخلط بین الأحکام الجزئیة والکلّیة صار منشأً لاشتباهات :
منها : حکمهم بعدم منجّزیة العلم الإجمالی إذا کان بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الابتلاء ؛ لأنّ الخطاب بالنسبة إلیه مستهجن .
قلت : إنّ ما ذکـروه صحیح لو کان الخطاب شخصیاً قائماً بمخاطب واحـد ، فیستهجن خطابه بزجـره مثلاً عن ارتکاب ما فی الإناء الموجـود فی بلدة قاصیـة ، وأمّـا إذا کان بطریق العموم فیصحّ الخطاب لعامّـة المکلّفین لو وجـد ملاک الخطاب ـ أعنی الابتلاء ـ فی عدّة منهم ـ کما فی المقام ـ ولذا التزمنا بوجـوب الاجتناب فی محلّه فیما إذا خرج أحد الإنائین من محلّ الابتلاء ؛ سواء کان قبل العلم أم بعده .
وممّا یؤیّد ذلک : أنّ الاستهجان المدّعی لو صحّ فی التکلیفیة لصحّ فی الوضعیة من الأحکام ؛ خصوصاً علی القول بمجعولیتها ؛ فیلزم أن لایکون الخمر الواقع فی أقاصی البلاد نجساً ، وأن یکون الأحکام الوضعیة نسبیة ، وهو باطل بضرورة الفقه .
ومنها : توهّم أنّ الخطاب لایعقل أن یتوجّه إلی العاجز والغافل ؛ ضرورة أنّ الخطاب للانبعاث ، ولایعقل انبعاث العاجز ومثله .
وأنت خبیر : أنّ الخطاب الشخصی إلی العاجز ومثله لغو ممتنع صدوره من
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 438 الملتفت ، وهذا بخلاف الخطابات الکلّیة المتوجّهة إلی العناوین کـ «الناس» و«المؤمنین» ؛ فإنّ مثل تلک الخطابات یصحّ من غیر استهجان إذا کان فیهم من ینبعث عنها ، ولایلزم أن تکون باعثة أو ممکنة البعث بالنسبة إلی جمیعها فی رفع الاستهجان ، کما تقدّم .
أضف إلیه : أنّ الضرورة قائمة بأنّ الأوامر الإلهیة شاملة للعصاة لابعنوانهم ، والمحقّقون علی أنّها شاملة أیضاً للکفّار ، مع أنّ الخطاب الخصوصی إلی الکفّار وکذا إلی العصاة المعلوم طغیانهم من أقبح المستهجنات ، بل غیر ممکن لغرض الانبعاث ، فلو کان حکم الخطاب العامّ کالجزئی لوجب الالتزام بتقیید الخطابات بغیرهم .
وکذا الحال فی الجاهل والغافل والساهی ؛ إذ لایعقل تخصیص الخطاب فی مرتبة الإنشاء بالعالم الملتفت ؛ وإن کان یصحّ فی مرتبة الفعلیة ، کما سیأتی فی المباحث العقلیة .
وبالجملة : لایصحّ إخراجهم ولایمکن توجّه الخطاب الخصوصی إلیهم ، وقد تقدّم أنّ الجاهل وأمثاله معذورون فی مخالفة الحکم الفعلی .
والسرّ فیما ذکرنا ـ مضافاً إلی أنّ الخطاب الواحد لاینحلّ إلی خطابات ـ هو أنّ الإرادة التشریعیة لیست إرادة متعلّقة بإتیان المکلّف وانبعاثه نحو العمل ، وإلاّ یلزم فی الإرادة الإلهیة عدم تفکیکها عنه وعدم إمکان العصیان ، بل هی عبارة عن إرادة التقنین والجعل علی نحو العموم ، وفی مثله یراعی الصحّة العقلائیة ، ومعلوم أنّه لا تتوقّف عندهم علی صحّة الانبعاث من کلّ أحد ، کما یظهر بالتأمّل فی القوانین العرفیة .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 439
المقدّمة السادسة :
أنّ الأحکام الشرعیة غیر مقیّدة بالقدرة ـ لا شرعاً ولا عقلاً ـ وإن کان حکم العقل بالإطاعة والعصیان فی صورة القدرة .
توضیحه : أنّ الأحکام الشرعیة الکلّیة عاریة بحکم الإطلاق عن التقیید بالقدرة ، فتشمل الجاهل والعاجز بإطلاقها .
وتوهّم : أنّ الإرادة الاستعمالیة وإن تعلّقت بالمطلق إلاّ أنّ الجدّیة متعلّقة بالمقیّدة بالقدرة ، مدفوع بأنّ التقیید إمّا من جانب الشرع أو من ناحیة العقل ، وکلاهما فاسدان :
أمّا الأوّل : فلأنّه لو کانت مقیّدة بها من الشرع لزم القول بجریان البراءة عند الشکّ فی القدرة ، وهم لایلتزمون به بل قائلون بالاحتیاط مع الشکّ فیها ، ولزم أیضاً جواز إحداث ما یعذّر به اختیاراً ، ولا أظنّ التزامهم به .
ومنه یعلم : عدم کشف التقیید الشرعی عقلاً ، علی أنّ ذلک لا یجامع ما أجمعوا علیه من بطلان اختصاص الأحکام بالعالمین ؛ لأنّ التفکیک بین العلم والقدرة غیر واضح ؛ إذ لو کشف العقل عن التقیید بالقدرة شرعاً فلابدّ وأن یکشف عن التقیید بالعلم أیضاً ؛ لأنّ مناط التقیید واحد ؛ وهو قبح خطاب العاجز والجاهل .
وأمّـا الثانی ـ أعنی تقیید العقل مستقلاًّ ـ فلأنّ تصرّف العقل بالتقیید فی حکم الغیر وإرادتـه مع کـون المشرّع غیره باطل ؛ إذ لا معنی أن یتصرّف شخص فی حکم غیره .
والحاصل : أنّ تصرّفـه فی الأدلّـة لا یرجـع إلی محصّل ، بل تصرّف العقل
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 440 فی إرادة المولی أو جعله لا معنی معقول له ؛ إذ التقیید والتصـرّف لایمکن إلاّ للجاعل لا لغیره .
نعم ، یخصّ للعقل حکم مقام الإطاعة والعصیان ، وتشخیص أنّ مخالفة الحکم فی أیّ مورد توجب استحقاق العقوبة وفی أیّ مورد لاتوجبه ، ولیس للعقل إلاّ الحکم بأنّ الجاهل والعاجز ونظیرهما معذورون فی ترک الواجب أو إتیان الحرام ، من غیر تصرّف فی الدلیل .
فظهر : أنّ ما یطلب من العقل لإنقاذ الجهّال والعجزة عن لهیب النار یحصل بحکمه بأنّ هؤلاء معذورون فی ترک الامتثال ، ولا حاجة معه إلی التقیید ، لو لم نقل إنّه محال . والذی أوقعهم فیه هو توهّم قبح الخطاب إلیهم ؛ غافلاً عن أنّ الملاک فی الأحکام الکلّیة غیر الجزئیة والشخصیة ، کما نبّهنا علیه .
فإن قلت : لا بأس فی خطاب العاصی بشخصه ، لکن لا بداعی الانبعاث عن البعث ، بل بداعی إتمام الحجّة علیه ؛ لیهلک من هلک عن بیّنة .
قلت : ما هو موضوع الاحتجاج من الموالی علی العبید هو صدور البعث عنهم بداعی انبعاثهم ، وأمّا البعث لابهذا الداعی فلیس العقل حاکماً بلزوم امتثاله ، کما لو فرضنا أنّ العبد اطّلع علی أنّ داعیه هو الامتحان وکشف الحال .
المقدّمة السابعة :
أنّ الأمر بکلّ من الضدّین أمر بالمقدور الممکن ، والذی یکون غیر مقدور هو جمع المکلّف بین متعلّقیهما فی الإتیان ، وهو غیر متعلّق للتکلیف .
وتوضیحه : أنّه إذا قامت الحجّة فی أوّل الزوال علی وجوب الصلاة ، وقامت
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 441 حجّة اُخری علی وجوب الإزالة عن المسجد فکلّ واحد حجّة فی مفاده مستقلاًّ لا فی الجمع بینهما ، ولیس قیام الحجّتین علی الضدّین إلاّ کقیامهما علی الأمرین المتوافقین غیر المتزاحمین فی أنّ کلّ واحد حجّة فی مفاده لا فی الجمع بینهما ، وکلّ واحد یدعو إلی إتیان متعلّقه لا إلی الجمع .
والذی صدر من الآمر علی نحو القانون هو الأمر بهذا والبعث إلی آخر ، ومجموع الأمرین لیس موجوداً علی حدة ، والأمر بالجمیع أو المجموع غیر صادر من المولی ، وقد تقدّم أنّ الأمر لایتعلّق إلاّ بنفس الطبائع المطلقة ، من غیر نظر إلی الخصوصیات والحالات الطارئة وجهات التزاحم وعلاجه ، ومعنی إطلاقها أنّ المتعلّق تمام الموضوع بلا دخالة قید ؛ لا أنّ معناه أنّه المطلوب ؛ سواء اجتمع مع هذا أم لا ؛ إذ کلّ ذلک خارج من محطّ الإطلاق .
وقد نبّهنا فلا تنس : أنّ توارد الأمرین علی موضوعین متضادّین ، مع أنّ الوقت الواحد غیر وافٍ إلاّ بواحد منهما إنّما یقبح لو کان الخطابان شخصیین ، وأمّا الخطاب القانونی الذی یختلف فیه حالات الأشخاص ؛ فربّ مکلّف لایصادف أوّل الزوال إلاّ موضوعاً واحداً ؛ وهو الصلاة ، وربّما یصادف موضوعین ، فیصحّ توارد الأمرین علی عامّة المکلّفین ومنهم الشخص الواقف أمام المتزاحمین ، ولایستهجن .
والذی یحکم به العقل هو أنّ العبد لابدّ أن یتمحّل لإجابة الأمرین علی نحو لو خالف واحداً منهما لعدم سعة الوقت لعدّ معذوراً .
إذا عرفت هذه المقدّمات فنقول : إنّ متعلّقی التکلیفین قد یکونان متساویین فی الجهة والمصلحة ، وقد یکون أحدهما أهمّ :
فعلی الأوّل : لا إشکال فی حکم العقل بالتخییر ؛ بمعنی أنّ العقل یری أنّ المکلّف مخیّر فی إتیان أیّهما شاء ، فإذا اشتغل بأحدهما یکون فی مخالفة الأمر
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 442 الآخر معذوراً عقلاً ، من غیر أن یکون تقییداً واشتراطاً فی التکلیف والمکلّف به .
ومع عدم اشتغاله بذلک لا یکون معذوراً فی ترک واحد منهما ؛ فإنّه قادر بإتیان کلّ واحد منهما . فترک کلّ واحد یکون بلا عذر ؛ فإنّ العذر عدم القدرة ، والفرض أنّه قادر بکلّ منهما ، وإنّما یصیر عاجزاً إذا اشتغل بإتیان أحدهما ، ومعه یعدّ معذوراً فی ترک الآخر . وأمّا مع عدم اشتغاله به فلایکون معذوراً فی ترک شیء منهما ، ولیس الجمع بمکلّف به حتّی یقال : إنّه غیر قادر علیه .
وبعبارة أوضح : أنّ العبد لو سمع دعوة العقل بصرف القدرة فی واحد من الغریقین وأنقذ واحداً منهما فقد عجز عن إنقاذ الآخر بلا اختیار فیقبح العقاب علی ترک هذا الأمر الفعلی الجدّی ، فیثاب لأجل إنقاذ الآخر . وإن تخلّف عن حکم العقل ولم ینقذ واحداً منهما استحقّ عقوبتین ؛ لأنّه ترک کلّ واحد من الأمرین بلا عذر ، ویقال : لِمَ ترکت هذا بلا عذر ؟ ثمّ لِمَ ترکت الآخر کذلک ؟
فإن قلت : لیس هنا إلاّ قدرة واحدة وهو یستدعی تکلیفاً واحداً ، وجزاء مخالفة التکلیف الواحد عقاب فارد .
قلت : کأنّک نسیت ما حرّرناه فی المقدّمات ؛ لأنّ البحث فی الأحکام القانونیة والتکلیف فیها لم یتعلّق بالفرد المردّد ولا بالجمع حتّی یستلزم التکلیف بالمحال ، والمفروض أنّ کلّ واحد من الأمرین تامّ فی الباعثیة ، ولیس ناظراً إلی حال اجتماعه مع الآخر ؛ لما عرفت أنّ التزاحم وعلاجه متأخّران عن رتبة الجعل والفعلیة .
فحینئذٍ : کلّ واحد یقتضی تحقّق متعلّقه وإیجاده فی الخارج ، إلاّ أن یظهر من العبد عذر فی ترک امتثاله ، فإذا صرف قدرته فی واحد منهما فقد حقّق دعوته بالامتثال وترک دعوة الآخر عن عذر ، وأمّا إذا لم یصرف قدرته فی شیء منهما فقد
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 443 ترک دعوة کلّ واحد بلا عذر ، فیستحقّ عقابین .
ویترتّب علی ذلک : أنّه لو ترک واشتغل بفعل محرّم لاستحقّ ثلاث عقوبات ؛ لملاک العصیان فی کلّ واحد .
وأمّا إذا کان أحدهما أهمّ : فإن اشتغل بإتیان الأهمّ فهو معذور فی ترک المهمّ ؛ لعدم القدرة علیه مع اشتغاله بضدّه بحکم العقل ، وإن اشتغل بالمهمّ فقد أتی بالمأمور به الفعلی ، لکن لایکون معذوراً فی ترک الأهمّ ، فیثاب بإتیان المهمّ ویعاقب بترک الأهمّ .
وبالجملة : أنّ العقل یحکم بصرف القدرة فی امتثال الأهمّ ؛ کی یکون معذوراً فی ترک المهمّ ، ولو عکس لاستحقّ عقوبة علی الأهمّ ؛ لأنّه ترکه بلا عذر ، ولکنّه یثاب علی المهمّ لإتیانه ، ولو ترکهما لاستحقّ عقوبتین ، ولو اشتغل بمحرّم لاستحقّ ثلاثة عقوبات .
فظهر ممّا قدّمنا أمران :
الأوّل : أنّ الأهمّ والمهمّ نظیر المتساویین فی أنّ کلّ واحد مأمور به فی عرض الآخر ، وهذان الأمران العرضیان فعلیان متعلّقان علی عنوانین کلّیین ، من غیر تعرّض لهما لحال التزاحم وعجز المکلّف ؛ إذ المطاردة التی تحصل فی مقام الإتیان لاتوجب تقیید الأمرین أو أحدهما أو اشتراطهما أو اشتراط أحدهما بحال عصیان الآخر ؛ لاشرعاً ولا عقلاً ، بل تلک المطاردة لاتوجب عقلاً إلاّ المعذوریة العقلیة فی ترک أحد التکلیفین حال الاشتغال بالآخر فی المتساویین ، وفی ترک المهمّ حال اشتغاله بالأهمّ .
والثانی : أنّ الأمر بالشیء لایقتضی عدم الأمر بضدّه فی التکالیف القانونیة ، کما فی ما نحن فیه .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 444 وأظـنّ : أنّ الـذی أوقـع الأساتذة فیما أوقـع ـ حیث زعموا أنّ لازم ذلک هـو الأمر بالضدّین ـ هو أنّ کلّ مکلّف لـه خطاب خاصّ وإرادة مستقلّة مـن المولی لامتثاله ، فجعلوا الخطاب شخصیاً ورتّبوا علیه مـا رتّبوا ؛ ذهولاً عـن أنّ وضـع التکالیف القانونیـة غیر هـذا ، بل لیس هنا إلاّ خطاب واحـد متوجّـه إلـی العنوان .
والخطاب الواحد بوحدانیته إذا وضع الحکم فیه علی العنوان یکون حجّة علی المکلّفین ما دامت الشریعة قائمة ، ویحتجّ به الموالی علی العبید إذا دخلوا تحت العنوان واجتمع سائر الشرائط ؛ من العقل والبلوغ وغیرهما ، من دون أن یکون لکلّ واحد خطاباً وإرادة .
فإن قلت : إنّ الإهمال فی عالم الثبوت غیر معقول ، فحینئذٍ عجز المکلّف والمطاردة والتزاحم وإن کانت بوجودها متأخّرة عن رتبة الجعل والتشریع إلاّ أنّ الحاکم یمکن أن یتصوّر حین إرادة التشریع تزاحم هذا الحکم الکلّی مع الکلّی الآخر إذا أراد المکلّف إیجادهما فی الخارج .
وبالجملة : یمکن أن یتصوّر تزاحم الحکمین الکلّیین فی مقام الامتثال ، فحینئذٍ نسأل : أنّ الإرادة المتعلّقة علی هذا العنوان هل هی باقیة علی سعتها وعمومها بالنسبة إلی حال التزاحم التی فرضنا أنّ المولی توجّه إلیها حین تعلّق الإرادة أولا ؟
فعلی الأوّل یلزم تعلّق الإرادة التشریعیة بشیء محال ، وعلی الثانی یلزم التقیید فی جانب الإرادة ، ولازمه التقیید فی جانب الخطاب . ولیس الکلام فی مفاد اللفظ حتّی یقال : إنّ الإطلاق لیس معناه التسویة فی جمیع الحالات ، بل فی الإرادة المولویة التی لا تقبل الإجمال والإهمال .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 445 قلت : لیس معنی عدم الإهمال الثبوتی أنّ الحاکم حین الحکم یلاحظ جمیع الحالات الطارئة علی التکلیف والمکلّف ، ویقایس التکلیف مع سائر تکالیفه جمعاً ومزاحمة ؛ ضرورة بطلان ذلک ، بل المراد من عدم الإهمال هو أنّ الآمر بحسب اللبّ : إمّا أن تتعلّق إرادته وحکمه بنفس الطبیعة بلا قید ، فتکون الطبیعة بنفسها تمام الموضوع ، وإمّا أن تتعلّق بها مع قید أو قیود ، فتکون موضوعها هو المقیّد والإهمال إنّما هو فی مقام البیان لا فی مقام الواقع .
وأمّا الحالات الطارئة للمکلّف أو للتکلیف بعد جعله فهی لیست دخیلة فی الموضوع حتّی یتقیّد بها أو یکون الحاکم ناظراً إلیها . فالحاکم فی مقام الحکم لاینظر إلاّ إلی موضوع حکمه وکلّ ما هو دخیل فیه لا غیر .
ثمّ إنّ ما ذکرناه : من النقض والإبرام حول الأحکام القانونیة أو الإرادة المولویة إنّما هو بالنظر إلی القوانین العرفیة المرسومة بین الموالی والعبید والرعایا والسلاطین ، وأمّا الأحکام الشرعیة فهی بما أنّها مشتملة علی زجر وبعث ، وأنّ الاحتجاج مطلقاً أمر عقلائی فلابدّ أن یسلک فیها فی قضیة الاحتجاج ما سلکناه فی العرفیات .
وأمّا الإرادة المولویة فیه سبحانه وکیفیة تعلّقها بالأشیاء ـ تکویناً کان أو تشریعاً ـ فلا یصل إلیه أفهامنا ، فلابدّ من الاستمداد منه ـ عزّ وجلّ ـ وقد حقّق عند أهله أنّ التشریع داخل فی النظام الإلهی الکلّی ، وتعلّق الإرادة الأزلیة به نحو تعلّقها بالنظام التکوینی ، والتفصیل یطلب من مظانّه .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 446