کلام فخر المحقّقین فی الرضاع
کما یظهر من فخر المحقّقین قدس سره والشهید رحمه الله فیمن کان له زوجتان کبیرتان ، أرضعتا زوجته الصغیرة مع الدخول بإحداهما ؛ حیث قال : لا إشکال فی تحریم المرضعة الاُولی والصغیرة ، وأمّا المرضعة الثانیة ففی تحریمها إشکال ، اختار والدی المصنّف قدس سره وابن إدریس تحریمها ، فإنّه یصدق علیها أنّها اُمّ زوجته ؛ لعدم اشتراط بقاء المبدأ فی المشتقّ .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 141 قلت : إنّ الموجود فی النصوص هو «اُمّهات النساء» لا «اُمّ الزوجـة» ، فتحلیل المسألة من طریق المشتقّ ساقط من أصله ، والقول بجریانه فی مثل «اُمَّهاتُ نِسائِکُمْ» باعتبار کونه بمعنی زوجاتکم کما تری ، وإن کان یظهر من «الجواهر» جریانه فیه أیضاً .
وکیف کان : لا عتب علینا فی البحث عنها وما اُفید فی هذا المقام ، فنقول ـ ومنه جلّ شأنه التوفیق ـ :
قد ذهب بعض الأعیان من المحقّقین : إلی اتّحاد المرضعتین فی الحکم والملاک ؛ نظراً إلی أنّ اُمومة المرضعة الاُولی وبنتیة المرتضعة من المتضائفین ، وهما متکافئان قوّة وفعلاً ، وبنتیة المرتضعة وزوجیتها متضادّتان شرعاً . ففی مرتبة حصول اُمومة المرضعة تحصل بنتیة المرتضعة ، وتلک المرتبة مرتبة زوال زوجیة المرتضعة ، فلیست فی مرتبة من المراتب اُمومة المرضعة مضافة إلی زوجیة المرتضعة حتّی تحرم بسبب کونها اُمّ الزوجة ، انتهی .
وقد سبقه صاحب «الجواهر» قدس سره إلیه ، وأجاب عنه : بأنّ ظاهر النصّ والفتوی الاکتفاء بالاُمّیة المقارنة لانفساخ الزوجیة بصدق البنتیة ؛ إذ البنتیة والاُمّیة وانفساخ الزوجیة متّحدات فی الزمان ؛ ضرورة کونها معلولات لعلّة واحدة . فآخر زمان الزوجیة متّصل بأوّل أزمنة صدق الاُمّیة ، ولعلّ هذا المقدار کافٍ فی الاندراج تحت عنوان «اُمّهات نسائکم» .
وفیه : أنّ الصدق هنا مسامحی ـ حتّی بنظر العرف ـ وهو غیر کافٍ ، إلاّ علی
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 142 القول بوضع المشتقّ للأعمّ حتّی یکون الصدق حقیقیاً .
وقال بعض الأعاظم ما حاصله : أنّ الرضاع المحرّم علّة لتحقّق عنوان الاُمومة والبنتیة ، وعنوان البنتیة للزوجة المرتضعة علّة لانتفاء عنوان الزوجیة عنها ، فانتفاء عنوان الزوجیة عن المرتضعة متأخّر بحسب الرتبة عن عنوان البنتیة لها ، ولا محالة أنّها تکون زوجة فی رتبة تحقّق عنوان البنتیة ؛ لاستحالة ارتفاع النقیضین ، ففی تلک المرتبة تجتمع الزوجیة والبنتیة ، وکونها اُمّ الزوجة .
ولکن ضعفه ظاهر : لأنّ الأثر مترتّب علی ما هی اُمّ زوجة بالحمل الشائع فی أنظار أهل العرف ، ولا دلیل شرعی یدلّ علی العلّیة بین الحکمین حتّی یتکلّف بتقدیر الزوجیة فی الرتبة ؛ کی یقع مصداقاً للعمومات .
وبعبارة أوضح : أنّ بنتیة المرتضعة لیست علّة تکوینیة لرفع الزوجیة ، بل لابدّ فی استفادة العلّیة أو التمانع بینهما من مراجعة الأدلّة الشرعیة . ولا یستفاد من قوله تعالی : «واُمّهات نسائکم» سوی التمانع ، وأنّ الزوجیة لاتجتمع مع العناوین المحرّمة ، وهو ینافی اجتماعهما فی آنٍ أو رتبة .
والتحقیق : أنّ تفریق الفخر قدس سره بین المرضعتین لیس لأجـل وجـود فارق بینهما فـی الابتناء علی وضـع المشتـقّ حتّی یقـال بـأنّ تسلیم حرمـة الاُولـی والخلاف فی الثانیة مشکل ، بل تسلیمه لحرمة المرضعة الاُولی لأجل الإجماع والنصّ الصحیح فی مـوردها دون الثانیـة ؛ ولـذلک بنی الثانیـة علی مسألـة المشتـقّ دون الاُولی . وأوضـح الحکم فیها مـن طریق القواعـد لعدم وجـود طـریق شرعی فیها .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 143 ففی صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام والحلبی عن أبی عبدالله علیه السلام قالا : «لو أنّ رجلاً تزوّج بجاریة رضیعة ، فأرضعتها امرأته فسد النکاح» ، فإنّ الظاهر فساد نکاح الرضیعة ، ویحتمل فساد نکاحهما ، وأمّا حرمة الثانیة فلیست إجماعیة .
ودعوی وحدة الملاک غیر مسموعة ، والنصّ الوارد فیها من طریق علی بن مهزیار الذی صرّح بحرمة المرضعة الاُولی دون الثانیة غیر خالٍ عن الإرسال ، وضعف السند بصالح بن أبی حمّاد ، فراجع ، ولهذا ابتناها بمسألة المشتقّ .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 144