مقتضی الأصل اللفظی فیما لو شکّ فی واجب أنّه نفسی أو غیری
ثمّ إنّه إذا شکّ فی واجب بأنّه نفسی أو غیری فربّما یقال : إنّ الإطلاق یقتضی کونه نفسیاً ؛ فإنّ المحتاج إلی البیان کون الخطاب لأجل غیره .
وفیه : أنّ التقسیم یحتاج إلی تصویر جامع بین الأقسام حتّی یتمیّز الأفراد عنه بخصوصیة زائدة علی مقسمه ، ولیس هو هنا نفس الحکم ؛ لأنّه أمر إیجادی جزئی ، وقد تقدّم أنّه یمتنع تصویر جامع حقیقی بین الإیجادیات ؛ لأنّ الجامعیة تساوق الکلّیة فلابدّ أن یکون مع اعتبار کونه جامعاً من سنخ المصادیق بالذات ؛ بأن یکون فی حال کونه جامعاً ، إیجادیاً أیضاً ، ولکن الإیجاد ـ ولو اعتباراً ـ عین الفردیة والخصوصیة ، فکیف تجتمع مع الجامعیة ؟
فلا مناص من أن یکون تقسیم الحکم إلیهما باعتبار مبادٍ متقدّمة علی الحکم ؛ بأن یقال : إنّ الوجوب إمّا لأجل التوصّل إلی مبعوث إلیه فوقه ، وإمّا لا لأجـل ذلک ، بل تعلّق بشیء مـن غیر أن یکون خطاب فوقـه ، وقـد تقدّم نظیره فی تحقیق معنی الوجـوب والندب . فحینئذٍ کلّ مـن النفسیة والغیریـة متقوّم بقید زائد .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 345 وکذلک إذا قلنا بأنّ البعث الکلّی موضوع له وجامع بینهما ؛ وإن کان خلاف التحقیق ؛ إذ علیه یحتاج کلّ واحد إلی البیان ـ ولو من باب زیادة الحدّ علی المحدود ـ سواء کان القیود وجودیة أو عدمیة . وقد مرّ أنّ القید العدمی فی الندب ونظیره لم یؤخذ علی نحو السالبة المحصّلة ، بل علی نحو الموجبة السالبة المحمول أو السالبة المعدولة ، وإلاّ یلزم أن یکون المقسم عین القسم .
نعم ، لایبعد أن یقال : إنّ الحمل علی النفسی مقتضی الانصراف ، لا بمعنی انصراف جامع کلّی إلی أحد أقسامه ؛ فإنّ التحقیق ـ کما عرفت ـ أنّ الموضوع له فی الهیئة وما أشبهها خاصّ ، وهی لا تستعمل فی النفسی والغیری إلاّ استعمالاً إیجادیاً لنفس البعث والإغراء ، بل بما أنّ البعث لأجل الغیر لمّا کان نادراً بالمعنی الذی أسمعناک ، فلا یعتنی باحتماله لدی العقلاء .
وإن شئت قلت ـ طبق ما قرّرناه فی البحث عن هیئة «افعل» ـ إنّ البعث المتعلّق بشیء حجّة علی العبد ، ولایجوز التقاعد عن امتثاله باحتمال کونه مقدّمة لغیره إذا فرض سقوط أمره .
هذا ، وربّما یقال : إنّ الوجوب الغیری لمّا کان مترشّحاً عـن وجوب الغیر کان وجوبه مشروطاً بوجوب الغیر ، کما أنّ الغیر یکون مشروطاً بالواجب الغیری ، فیکون وجوب الغیر من المقدّمات الوجوبیة للواجب الغیری ، ووجود الواجب الغیری من المقدّمات الوجودیة لذلک الغیر ، کالصلاة والوضوء فهی مشروطة به ، ووجوبه مشروط بوجوبها .
فحینئذٍ یرجع الشکّ فی کون الواجب غیریاً إلی شکّین : أحدهما الشکّ فی
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 346 تقیید وجوبه بوجوب الغیر ، وثانیهما الشکّ فی تقیید مادّة الغیر به ، فیرفع الشکّان بإطلاق المادّة والهیئة ، بل إطلاق أحدهما کافٍ لرفعهما ؛ لحجّیة مثبتات الاُصول اللفظیة ، انتهی ملخّصاً .
وأنت خبیر : بأنّ القول بکون وجوبها مشروطاً بوجوب ذیها لا یجتمع مع القول بکون وجوبها مترشّحاً عن وجوبه ؛ لاستلزامه أن یکون المعلول متقیّداً ومشروطاً بعلّته ، وهو باطل بالضرورة .
أمّا الملازمة : فلأنّ الإرادة الغیریة إذا کانت مفاضة عن الإرادة النفسیة علی نحو الإیجاد تکون الاُولی فی حدّ المعلول بالنسبة إلی الثانیة .
وتقیید وجود المعلول بعلّته : إمّا فی حال وجوده ، وهو یستلزم أن یوجد المعلول بتمام شؤونه ، ثمّ یرتبط بعلّته بعد استقلاله . وإمّا فی حال عدمه ، وهو باطل بالبداهة ؛ لأنّ المعدوم الباطل العاطل کیف یقع طرفاً للإضافة ؟
والحاصل : أنّ اشتراط الشیء فرع وجوده ؛ ضرورة أنّ المعدوم لایشترط بشیء ، ولابدّ أن یکون الواجب الغیری متحقّقاً ثمّ یشترط بشیء ، وهو لایجتمع مع فرض کونه معلولاً . فاشتراط المعلول بوجود علّته مستلزم لوجوده قبل وجودها ، أو اشتراط المعدوم فی حال عدمه .
فإن قلت : یمکن أن یکون مراده من الشرطیة ما حقّق فی محلّه من أنّ للمعلول ضیقاً ذاتیاً من ناحیة علّته ؛ بمعنی أنّ المؤثّر فی هذه الحرارة الخارجیة لیست النار المطلقة ولا المقیّدة بهذه الحـرارة ، بل النار التی لاتنطبق إلاّ علی الحصّة المؤثّرة فیها .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 347 قلت : إنّ الضیق الذاتی أمر تکوینی دائر أمره بین الوجود والعدم ، لایقبل الوضع والرفع ، والبحث فیما یمکن أن یرفع بمعونة الإطلاق .
ثمّ لیس البحث هنا بحثاً اعتباریاً حتّی یقال : إنّ هذه البراهین ـ علی فرض صحّتها ـ راجعة إلی التکوین ؛ إذ قد عرفت أنّ الحکم عند القائل هی الإرادة المظهرة ، وهی من مراتب الخارج .
والحاصل : أنّ توقّف وجود شیء علی وجود شیء آخر غیر اشتراطه به ، واستناد المعلول إلی العلّة وضیقه الذاتی غیر التقیید والاشتراط .
فتحصّل ممّا ذکر : أنّه لا مجال للتمسّک بالإطلاق لرفع الشکّ المزبور . أضف إلی ذلک : أنّ عدّ الواجب الغیری من قیود المادّة فی الواجب النفسی مطلقاً لایصحّ إلاّ فی الشرائط ، دون غیرها من الغیریات کنصب السُلّم بالنسبة إلی الصعود .
وأمّا القول بحجّیة مثبتات اللفظیة من الاُصول فإنّما یصحّ لو کانت من الطرق العقلائیة الکاشفة عن الواقع ، وهو محلّ تأمّل وتردّد .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 348