الأمر الأوّل فی بساطة المشتقّ وترکّبه
کون المشتقّ مخصوصاً بهذا النزاع دون الجوامد ؛ لعدم اشتمالها علی المادّة والهیئة اللتین لکلّ واحد منهما وضع مستقلّ ، کما فی المشتقّات حتّی یتوهّم فیها أیضاً حدیث البساطة والترکیب .
والوجوه المحتملة ثلاثة :
الأوّل : أنّ مفاد المشتقّ ومعناه الموضوع له مرکّب تفصیلی ، بتقریب أنّ وزان المادّة والهیئة فی عالم الوضع والدلالة وزان لفظی «غلام زید» فی الدلالة علی معنیین متمیّزین ـ دلالة مستقلّة مفصّلة ـ وهذا المعنی المرکّب إمّا هو الذات والحدث والنسبة ، أو الحدث والنسبة ، أو الحدث والذات ، وجوه محتملة .
ولکن لا أظنّ أحداً یلتزم بذلک ، فتکون المسألة ـ ظاهراً ـ ذات قولین .
الثانی : القول بأنّ الموضوع له فی المشتقّ أمر بسیط محض غیر قابل للانحلال ـ لا دلالة ولا مدلولاً ، لابدءً ولا تعمّلاً ـ بتقریب أنّ الهیئة لم توضع لمعنی ، بل وضعت لقلب المعنی الذی هو بشرط لا إلی معنی لابشرط ، وجعله غیر آبٍ عن الحمل والجری ، بعد ما کان متعصّیاً عنه .
وهذا القول أو هذا الاحتمال فی المشتقّ نظیر ما احتملناه فی المصدر ؛ من أنّ هیئته وضعت للتمکین من التنطّق بالمادّة ، وصیرورتها متحصّلة قابلة للدلالة
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 165 المستقلّة ، وإلاّ فمفاد المصدر لیس إلاّ نفس الطبیعة ، وهی بعینها مفاد المادّة .
ولکن الظاهر : أنّ القول بالبساطة المحضة یرجع إلی الترکیب الانحلالی ؛ وإن غفل قائله عنه .
وتوضیحه : أنّ اللابشرطیة وبشرط اللائیة لیستا من الاعتبارات الجزافیة ؛ بحیث یکون زمامهما بید المعتبر ؛ فإن شاء اعتبر ماهیة لابشرط فصارت قابلة للحمل ، وإن لم تکن فی نفسها کذلک وبالعکس ، بل التحقیق فی جُلّ المعقولات الثانویة والأوّلیة : أنّها نقشة لنفس الأمـر والواقـع ، فالمفاهیم فی کونها قابلـة للحمل وعدمه تابعة لما فی نفس الأمر ، والألفاظ الموضوعة للمفاهیم تابعة لها ولنفس الأمر .
وما عن الأساطین من کون الأجناس والفصول مأخوذتین لا بشرط لیس ناظراً إلی أنّ الوصف المزبور بید الاعتبار ، بل لکون واقعهما ومطابقهما لا بشرط ؛ بحیث یتّحد کلّ مع الآخر ، والمفاهیم والألفاظ الموضوعة لها تابعة للواقع وحاکیة عن نفس الأمر .
فالأجناس والفصول مأخذهما المادّة والصورة المتّحدتان فی نفس الأمر ، ولولا ذلک الاتّحاد لکان حمل أحدهما علی الآخر ممتنعاً ـ ولو اعتبرناهما ألف مرّة لابشرط ـ فالحمل هو الهوهویة الحاکیة عن الهوهویة الواقعیة التی بین الحقائق .
فالجوهر والعنصر والمعدن والنبات والحیوان والناطق مأخذها ومحکیها هی الحقائق النفس الأمریة المتّحدة من المادّة الاُولی المتدرّجة إلی منزل الإنسان . ففی کلّ منزل تکون المادّة متّحدة مع الصورة ، وهذا الاتّحاد مناط اللابشرطیة ومناط صحّة الحمل فی المعانی المأخوذة منهما ، وفی الألفاظ الحاکیة عنها ، وبهذا المعنی یکون الترکیب بین المادّة والصورة اتّحادیاً .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 166 مثلاً قوّة النواة قد صارت عین النواة ؛ بحیث لیس هنا إلاّ فعلیة النواة . نعم بما أنّ فی هذه النواة قوّة الشجر ـ حقیقةً ـ یکون الترکیب بین قوّة الشجر وبین صورة النواة انضمامیاً ، وهما بهذا المعنی بشرط لا ، لایحمل أحدهما علی الاُخری إلاّ بوجه مسامحی لدی العقل الدقیق ، کما أنّ الصور المتدرجة فی الکمال إذا صارت واقفة لحدّ تکون بشرط لا بالنسبة إلی الحدود الاُخر واقعاً والمفهوم المأخوذ منها بشرط لا بالنسبة إلیها ؛ وإن کانت لا بشرط بالنسبة إلی المصادیق .
فالشجر هو النبات الواقف ؛ أی بشرط لا ، والنامی هو الحقیقة المتدرّجة فی الکمال ؛ أی اللابشرط ، والتفصیل موکول إلی محلّه .
فتحصّل ممّا مرّ : أنّ اللابشرطیة وبشرط اللائیة لیستا جزافیتین تابعتین لاعتبار المعتبر . فحینئذٍ نقول : لا یمکن أن تکون الهیئة لإخراج المادّة إلی اللابشرطیة إلاّ أن تکون حاکیة لحیثیة بها صار المشتقّ قابلاً للحمل ؛ فإنّ نفس الحدث غیر قابل له ، ولم یکن متّحداً فی نفس الأمر مع الذات ، فقابلیة الحمل تابعة لحیثیة زائدة علی الحدث المدلول علیه بالمادّة . فظهر أنّ لمادّة المشتقّات معنی ولهیئتها معنی آخر به صار مستحقّاً للحمل ، وهذا عین الترکیب الانحلالی .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 167