الأمر الثانی : فی کون المسألة عقلیة محضة
لا شکّ أنّ المسألة عقلیة محضة إذا فرضنا أنّ النزاع فی وجود الملازمة وعدمها ؛ إذ الحاکم علیها هو العقل ولا دخل للفظ فیها .
ودعوی کون النزاع فی الدلالة الالتزامیة وهی مع کونها عقلیة تعدّ من الدلالات اللفظیة مردودة :
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 284 أمّا أوّلاً : فلأنّ عدّ الدلالة الالتزامیة من الدلالات اللفظیة غیر صحیح ؛ لأنّها عبارة عن انتقال النفس من تصوّر الملزوم الموضوع له إلی تصوّر لازمه بملازمة عقلیة أو عرفیة ، ولیس للفظه دخالة فی هذا الانتقال ؛ سوی أنّ الانتقال إلی الملزوم بسبب اللفظ ، وهو لایوجب أن یعدّ ما هو من لوازم معناه من مدالیل نفس اللفظ ؛ إذ حکایة اللفظ تابعة لمقدار الوضع وسعته ، وهو لم یوضع إلاّ لنفس الملزوم ، فکیف یدلّ علی ما هو خارج عن معناه ؟ ! نعم ، للعقل أن ینتقل عن مدلوله إلی لوازمه ، بلا مؤونة شیء . فظهر : أنّ الالتزام عبارة عن دلالة المعنی علی المعنی ؛ ولهذا لو حصل المعنی فی الذهن ـ بأیّ نحوٍ ـ حصل لازمه فیه .
وثانیاً : أنّ الفارق موجود بین المقام وبین الدلالة الالتزامیة ؛ لأنّ اللازم فی الدلالة الالتزامیة لازم لنفس المعنی المطابقی ؛ بحیث لو دلّ اللفظ علیه دلّ علیـه ولو بوسائط . لکن الانتقال إلی إرادة المقدّمة غیر حاصل من المعنی المطابقی للفظ الأمر ـ أعنی البعث نحو المطلوب ـ حتّی یصیر من لوازم المعنی الموضوع له ، بل الدالّ علیه هنا هو صدور الفعل الاختیاری من المولی ـ أعنی البعث باللفظ ـ فإنّه کاشف بالأصل العقلائی عن تعلّق الإرادة بهذا البعث ، ثمّ ینتقل ببرکة مرادیة البعث إلی أنّ مقدّماته مرادة أیضاً ، فأین الانتقال من المعنی الموضوع له ؟ ! إذ مبدأ الانتقال إلی إرادة الواجب ثمّ إلی إرادة مقدّماته إنّما هو نفس صدور الفعل الاختیاری ، لا مفاد الأمر ومعناه .
فظهر : أنّ صدور البعث اللفظی المتعلّق بشیء کاشف عـن کون فاعله مریـداً إیّاه لأجل کونـه متکلّماً مختاراً ، ثمّ ینتقل إلی إرادة مقدّماتـه ، وأین هـذا مـن الدلالة الالتزامیة ؟ !
والحاصل : أنّ إرادة المقدّمة لیست من لوازم المعنی المطابقی لنفس اللفظ
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 285 ـ أعنی البعث الاعتباری ـ بل من لوازم إرادة مدلول الأمر جدّاً ، والکاشف عنها هو نفس صدور أمر اختیاری من العاقل الذی تطابق العقلاء فیه علی أنّ کلّ فعل اختیاری صادر عنه لابدّ أن یکون لأجل کونه مراداً لفاعله ، وإلاّ یلزم کونه لغواً ، فهو بحکم العقلاء مراد ، فینتقل إلی إرادة ما یتوقّف علیه ومرادیته .
وثالثاً : أنّ هذا اللزوم لیس عرفیاً ولا ذهنیاً ، بل ثبوته یتوقّف علی براهین صناعیة دقیقة .
ورابعاً : أنّ هذا اللزوم لیس علی حذو اللزومات المصطلحة ، کما مرّ الإیعاز إلیه ، فتدبّر .
وأمّا کونها مسألة اُصولیة : فلا شکّ أنّها کذلک ؛ لما وقفت فی مقدّمة الکتاب علی میزانها من «أنّها عبارة عن القواعد الآلیة التی یمکن أن تقع کبری لاستنتاج الحکم الفرعی الإلهی أو الوظیفة العملیة» . فحینئذٍ لو ثبت وجود الملازمـة یستکشف منها وجوب مقدّمات الصلاة وغیرها ؛ لأنّ البحث عن وجود الملازمة لیس لأجل الاطّلاع علی حقیقة من الحقائق حتّی یصیر البحث فلسفیاً ، بل لأنّها ممّا ینظر بها إلی مسائل وفروع هـی المنظور فیها ، ولا نعنی مـن الاُصولیـة غیر هذا .
وما عن بعض الأکابر ـ أدام الله أظلاله ـ من أنّ المسألة من مبادئ الأحکام ـ وإن کان البحث عن وجود الملازمة ـ لأنّ موضوع الاُصول هو الحجّة فی الفقه ، والشیء إنّما یکون مسألة اُصولیة إذا کان البحث فیها بحثاً عن عوارض موضوع علمه ، ولکن البحث عن وجود الملازمات لیس بحثاً عن عوارض الحجّة فی الفقه ،
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 286 بخلاف البحث عن حجّیة الخبر الواحد وغیره .
غیر تامّ ؛ لما تقدّم من بطلان وجوب وجود موضوع فی العلوم ـ حتّی الفقه واُصوله والفلسفة ـ کما أنّه لایحتاج أن یکون البحث عن العوارض الذاتیة ؛ بأیّ معنی فسّرت .
علی أنّه لو سلّمنا لزوم وجود الموضوع فی العلوم ، وأنّ موضوع علم الاُصول هو الحجّة فی الفقه یمکن أن یقال : إنّ البحث عن وجوب المقدّمة بحث عن عوارض ذاک الموضوع ، لا بما أنّه عرض خارجی بل بما أنّه عرض تحلیلی ، وبذلک ینسلک أکثر ما یبحث عنه فی هذا العلم فی عداد مسائله . وأوضحناه بما لا مزید علیه فی مبحث حجّیة أخبار الآحاد .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 287