استدلال الصحیحی بصحّة السلب
ومن ذلک یعرف : حال صحّة السلب عن الفاسدة ؛ إذ لایخلو إمّا أن یصحّ سلب لفظ الصلاة ـ مثلاً ـ عن تلک الماهیة ، بلا معرّفیة هذه العناوین المتأخّرة ، وإمّا بمعونتها :
والأوّل باطل ؛ إذ هی مع قطع النظر عنها مجهولة الکنه ، غیر معلومة المعنی علی الفرض ، فکیف یسلب المجهول بما هو مجهول عن شیء ؟ والثانی أیضاً مثله ؛ إذ تعریفها بهذه الآثار یساوق تقییدها بالصحّة الفعلیة ، فیرجع إلی صحّة سلب الصلاة الصحیحة عن الفاسدة ، وهی ممّا لایقبل الإنکار .
والحاصل : أنّ صحّة سلب المعنی بما هو هو ممّا لایمکن الوصول إلیه ؛ للجهل به ، وسلب المعنی بمعرّفیة هذه الاُمور ـ بعد فرض کونها معرّفات للصحیح ـ غیر مفید أصلاً .
وتوهّم : أنّ تلک العناوین اُخذت ظرفاً ـ لا قیداً ـ قد مرّ ما فیه ؛ إذ غایة الأمر عدم أخذها قیداً ، إلاّ أنّها فی هذه الحالة لا تنطبق إلاّ علی الصحیح ، ولا فائدة فی صحّة سلبها عن الفاسدة .
هذا ، ویمکن تصحیح دعوی التبادر وصحّة السلب ـ إمکاناً لا وقوعاً ـ بتقریب : أنّ من سبر حال الواضعین من السلف والخلف یجد أنّ المطّرد بینهم هو وضع الألفاظ بمقدار یرفع الحاجة ، ومهما وقفوا علی أشیاء أو اخترعوا شیئاً من
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 118 الصنائع وغیرها عیّنوا بإزائها ألفاظاً تفید معانیها عند الإطلاق .
ولم یکن ذلک الوضع منهم حین وقوفهم علی حقائق الأشیاء بأجناسها وفصولها ؛ إذ قلّما یتّفق ذلک لبشر ، إلاّ الأوحدی من الفلاسفة وعلماء الطبیعة ، بل کان العرف الساذج ینتقل من بعض المصادیق إلی جامع ارتکازی یصلح أن یکون جامعاً بین الأفراد ؛ من الصورة النوعیة وغیرها ممّا یصلح وقوعه جامعاً .
وقد أیّدت التجربة : أنّ من اخترع سیّارة أو استکشف حیواناً یشیر إلی المصنوع والمستکشف الموجودین بین یدیه ، ویسمّیه باسم ، لا بما أنّه اسم لشخص خاصّ فی زمانه ومکانه ، بل یشیر بالتوجّه إلیه إلی نفس الجامع ویضع اللفظ بإزائه بمعرّفیة هذا العنوان من غیر نظر إلی خصوصیته الشخصیة ، بل لجامعه وطبیعته النوعیة .
وبذلک یتّضـح : أنّ الوضـع فی غالب تلک الموارد مـن قبیل الوضع الخاصّ والموضوع له العامّ ؛ لکون الملحوظ عند الوضع شیئاً خاصّاً والموضوع لـه أمـراً عامّاً .
نعم ، لایلزم تصوّر الجامع تفصیلاً والعلم بحقیقته ، بل یکفی تصوّره إجمالاً وارتکازاً . فعند ذلک یسوغ للصحیحی أن یدّعی : أنّ الصلاة بحسب ارتکاز أهل الشرع یتبادر منها معنی إجمالی ؛ وهو الجامع الذی لاینطبق إلاّ علی الأفراد الصحیحة ، فلا یکون معنی الصلاة مبهماً ومجهولاً فی ظرف التبادر . وبذلک یندفع الاستحالة التی ذکرناها .
وهـذا وإن کان یصحّح دعـوی تبادر الصحیح بحسب الإمکان العقلی إلاّ أنّـه بعـد ممنوع وقوعـاً ؛ لأنّ الإنصاف أنّ مـن اخترع السیّارة وعیّن لفظاً خاصّاً لها لم ینتقل مـن الفرد الموجـود إلاّ إلی نفس الجامـع الارتکازی ، مـن غیر لحـاظ
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 119 الخصوصیات مـن الصحّة والفساد .
کما أنّ المتبادر من ألفاظ العبادات هو نفس طبایعها بما هی ، لابما أنّها ملزومة للّوازم ومعروضة للعوارض ، والمتتبّع فی الآثار یجد ذلک فی عصر النبی صلی الله علیه و آله وسلموزمان الصادقین علیهماالسلام ؛ عصر نشر الأحکام وفتح بابها بمصراعیها .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 120