حول أنّ معانی الحروف لیست مغفولاً عنها
بقی هناک شیء : وهو أنّه یقف الباحث عند تتبّع کلمات القوم علی کلمة دارجة بینهم ؛ وهی أنّ المعانی الحرفیة آلات لملاحظة الغیر ، وأنّها مغفول عنها فی الذهن ، ویترتّب علیه امتناع وقوعها مخبراً عنها وبها . وعلی ذلک بنوا إنکار الواجب المشروط ومفهوم الشرط ؛ لامتناع تقیید معنی الهیئة ، وأرجعوا القیود ـ کلّها ـ إلی المادّة .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 59 هذا ، وفی المبنی وما رتّب علیه نظر ، بل الدلیل قائم علی بطلانهما :
أمّا الأوّل : فلأنّک تجـد أنّ الغرض الأقصـی فی الجمـل والقضایـا لیس إلاّ إفهام المعانی الحرفیـة ، فکیف تکون مغفولاً عنها ؟ إذ مقصود المتکلّم فی اُفـق نفسه فی ترکیب القضایا إمّا إفادة الهوهویة بین الموضوع والمحمول ، أو الانتساب والکـون الرابط بین المعانی الاسمیـة ، علی تفصیل قـد عرفت مـن أنّ المقصد الأسنی فی مثل «زید موجود» هو بیان الهوهویة ، لا إفهام زید ولا تفهیم موجود . وقس علیه مثل «زید فی الدار» .
وعلیه : فهی متوجّه إلیها البتّة کالأسماء ، لکن لمّا کانت معانیها غیر مستقلاّت فی التعقّل والوجود یکون إفهاماً تبعیاً لا استقلالیاً . وکم فرق بین کون شیء مغفولاً عنه ومرآة للحاظ غیره ، وبین تبعیة شیء لشیء فی التعقّل والتحقّق ؟
أمّا الثانی : فیرد علیه ـ بعد إبطال أصله ـ أنّ المراد من عدم وقوعها مخبراً عنها وبها إن کان عدم وقوعها کذلک علی وزان الأسماء فمسلّم ، ولکن الإخبار عنها وبها لاینحصر فی ذلک ، وإن کان المراد عدم الإخبار عنها وبها بقول مطلق ـ کالعدم المحض والمجهول المطلق ؛ حیث لایتوجّه إلیهما القصد ، ولا یتعلّق بهما الغرض ـ فهو قول کاذب بشهادة الوجدان وضرورة العقل بإمکان الخبر بها وعنها فی التراکیب الکلامیة ؛ تبعاً لأسمائها .
ولیس الغرض من قولنا : «ضربت زیداً یوم الجمعة فی السوق» إلاّ إفهام حدوث الضرب منّا فی مکان کذا ووقت کذا ، فهذه القیود قیود للمعنی الحرفی ـ وهو النسبة الکلامیة ـ کما هو ظاهر .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 60