منها : تقسیمها إلی الداخلیة والخارجیة
یظهر من المحقّق صاحب «الحاشیة» خروج الاُولی من حریم النزاع ؛ بتقریب أنّ الأجزاء بالأسر عین المرکّب فی الخارج ، فلا معنی للتوقّف حتّی یترشّح الوجوب . مع أنّه یستلزم اجتماع المثلین ، وهو محال .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 289 وربّما یقال : إنّ المقدّمة هی الأجزاء بالأسر لا بشرط ، والواجب هی الأجزاء بشرط الاجتماع ؛ فتحصل المغایرة الاعتباریة .
ولایخفی ما فیه من التکلّف ، والذی یقتضیه الذوق العرفی ویساعده البرهان : أنّ المقدّمة إنّما هو کلّ واحد واحد مستقلاًّ ، لا الأجزاء بالأسر حتّی یصیر المقدّمة عین ذیها . وبعبارة اُخری : لیس هنا مقدّمة واحدة ؛ وهو الأمر الوحدانی من الأجزاء بل هنا مقدّمات ، وکلّ جزء مقدّمة برأسها ، وفی کلّ واحد ملاک الغیریة ، والجزء یغایر الکلّ الاعتباری فی وعاء الاعتبار .
وتوضیح المقام یتوقّف علی بیان کیفیة الإرادة الفاعلیة ؛ کی یعلم منه حال الإرادة الآمریة ، فنقول : تعلّق الإرادة بشیء إمّا لأجل إدراک مصلحة فیه نفسه ، فیطلبه بذاته ، وإمّا لأجل کونه ممّا یتوصّل به إلی ما فیه المصلحة .
ثمّ إنّه ربّما تتعلّق الإرادة بالواحد البسیط واُخری بالمرکّب ، والأوّل خارج من المقام ، والثانی علی أقسام :
قسم یکون ترکیبه ترکیباً حقیقیاً ؛ لتألّفه ممّا هو شیء بالقوّة ؛ أعنی المادة ، وممّا هو شیء بالفعل ؛ أعنی صورته وفصله .
وقسم یکون ترکیبه ترکیباً صناعیاً ، وهو المؤلّف من أجزاء ملتئمة ومجتمعة ، علی ما یقتضیه الاُصول الفنّیة ، لا کالتئام اللامتحصّل بالمتحصّل حتّی یحصل الفناء والاندکاک ، بل لها بعد الترکیب أیضاً فعلیة ، إلاّ أنّ الفاعل الفنّی قد ألصق بعضها بعضاً ؛ بحیث قد حصل له نحو وحدة وترکیب مع قطع النظر عن اعتبار المعتبر ، کالمعاجین والسیّارة والبیت والمسجد .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 290 وقسم ثالث یکون التألیف اعتباریاً ، مثل اجتماع الاُمور المتغایرة التی اعتبرت أمراً جملیاً وواحداً اعتباریاً ، ومنه الفوج والعسکر والماهیات الاختراعیة کالصلاة والحجّ ؛ فإنّ الوحدة فی هؤلاء لیست إلاّ بحسب الجعل والاعتبار ، ومع قطع النظر عن الاعتبار فهی وحدات عدیدة مستقلّة ، وهناک وحدات اُخری ، قد قرّرت فی محلّه .
ثمّ إنّ ما هو المنظور من التقسیم إنّما هو القسمان الأخیران ، فنقول :
إنّ الغرض قد یکون قائماً بوجود کلّ واحد من الأفراد ـ وإن کان بینها وحدة وارتباط ـ کدفع الملالة الحاصل من لقاء الأصدقاء ؛ إذ هو یحصل بلقاء کلّ واحد منهم مستقلاًّ ، فعند تصوّر کلّ واحد یرید لقائه بإرادة مستقلّة .
وقد یکون قائماً بالمجتمع لا بالأفراد ، کمن یرید فتح عاصمة أو هزم جند الخصم ؛ فإنّه لایحصل إلاّ بالمئات المؤلّفة والوفود المجتمعة من أنصاره وعساکره . فحینئذٍ کلّ واحد منها غیر مراد ولایحصل به الغرض ، وإنّما المراد والمحصّل له هو الفوج ، فیتصوّره ویشتاقه ویرید إحضاره . ففی هذا التصوّر تکون الآحاد مندکّة فی الفوج ، ولایکون کلّ واحد مشتاقاً إلیه ولا متعلّقاً بالإرادة النفسیة ؛ لعدم قیامه بفرد فرد مستقلاًّ حتّی یتوجّه إلیه الاشتیاق والإرادة النفسیة .
نعم ، بعد ما أراد إحضار الفوج ثمّ أدرک أنّ وجود الفوج یتوقّف علی وجود کلّ واحدٍ واحدٍ ، لا جرم یقع کلّ واحد فی اُفق النفس مورد التصوّر ، ویتعلّق به الإرادة لأجل غیره ، لا لأجل نفسه ، فیرید کلّ فردٍ فردٍ مستقلاًّ لأجل المقصود الأسنی . وعلیه : ففی الفوج المؤلّف ملاک الإرادة النفسیة لا الغیریة ، وفی کلّ واحد
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 291 ملاک الإرادة الغیریة لا النفسیة . فهناک إرادة نفسیة واحدة ، وملاک إرادات غیریة بحسب الأفراد ، فیتعلّق الإرادة الفاعلیة .
فإن قلت : إنّ هنا شیئاً ثالثاً ؛ وهو غیر الفوج الذی فیه ملاک النفسیة ، وغیر کلّ فرد فرد الذی فیه ملاک الغیریة ، بل عبارة عن تألّف هذا مع الآخر ؛ أعنی اثنین اثنین أو ثلاثة ثلاثة من الأفراد ، فهل فیه ملاک الإرادة أولا ؟
قلت : قد عرفت ما هو الملاک للإرادة فی صدر البحث ، وما ذکر لیس فیه ملاک النفسیة ـ کما هو واضح ـ ولا الغیریة ؛ لعدم توقّف العسکر علیهما ، زائداً علی توقّفه علی الآحاد .
والحاصل : أنّ زیداً موقوف علیه بنفسه ، وعمراً موقوف علیه رأساً بالضرورة ، لکن زیداً وعمراً لا یکونان موقوفاً علیهما ، مقابل زید منفرداً وعمرو مستقلاًّ . وقس علیه المرکّبات الصناعیة ؛ أعنی ما له وحدة خارجیة فی نظر أهل الفنّ وغیرهم ، فإذا کان الغرض قائماً بمرکّب صناعی کالبیت فیخطر بباله إیجاده وإحداثه ، فإذا وقف علی توقّف البیت علی الأحجار والأخشاب فلا محالة یدرک فیهما ملاک الغیریة ، فیرید کلّ واحد لأجل تحصیل الغیر ، ففی المصنوع ملاک النفسیة ، وفی کلّ واحد ملاک الغیریة ، هذا کلّه حال الإرادة الفاعلیة .
ویستوضح منها حال الآمریة ، فیقال : إنّ الإرادة الآمریة المتعلّقة بما له وحدة صناعیة أو اعتباریة فهل هی ملازمة لإرادة ما رآه مقدّمة ، من غیر فرق بین الداخلیة والخارجیة .
وتوهّم : أنّ ما هی المقدّمة هی عین ما تعلّقت به النفسیة ، فکیف تتوارد الإرادتان علی أمر واحد ، مدفوع بأنّ ما هی المقدّمة بالحمل الشائع لیس نفس الأجزاء مجتمعة ؛ إذ هو مصداق لذیها ، بل کلّ جزء جزء ممّا أدرک المولی أنّه
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 292 موقوف علیه . والخلط إنّما هو لأجل تخیّل أنّ المقدّمة هی الأجزاء بالأسر ، مع أنّک قد عرفت : أنّ هنا مقدّمات لا مقدّمة واحدة .
ثمّ إنّ ما ذکرنا هنا لاینافی مع ما أشرنا إلیه سابقاً ، من أنّ الداعی إلی إتیان الأجزاء عین الإرادة المتعلّقة بالکلّ ، ولا تحتاج إلی إرادة اُخری ؛ لأنّ الغرض هنا بیان إمکان تعدّد الإرادة بتعدّد متعلّقها ، ودفع ما یتوهّم کونه سبباً للاستحالة .
وهم ودفع
أمّا الأوّل : فربّما یظهر عن بعض الأعاظم فی بیان عدم وجوب الداخلیة من الأجزاء ما ملخّصه : أنّ الوحدة الاعتباریة یمکن أن تکون فی الرتبة السابقة علی الأمر ؛ بأن یعتبر عدّة اُمور متباینة شیئاً واحداً بلحاظ تحصیلها غرضاً واحداً فیوجّه أمره إلیه .
ویمکن أن تکون فی المرتبة اللاحقة ؛ بحیث تنتزع الوحدة من الأمر بلحاظ تعلّقه بعدّة اُمور ، فیکون تعلّقه علیها منشأ لانتزاع الوحدة عنها الملازمة لاتّصافها بعنوانی الکلّ والجزء .
فحینئذٍ فالوحدة بالمعنی الثانی لایعقل أن یکون سبباً لترشّح الوجوب من الکلّ إلی الجزء بملاک المقدّمیة ؛ لأنّ الکلّیة والجزئیة ناشئتان من الأمر ـ علی الفرض ـ فتکون المقدّمیة فی رتبة متأخّرة عن تعلّقه بالکلّ ، ومعه لایعقل ترشّحه إلی مالایکون مقدّمة فی رتبة سابقة علی الأمر ، انتهی .
وأمّا الثانی : فلأنّ تقسیم الوحدة علی قسمین : قسم یتقدّم علی الأمر وقسم
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 293 یتأخّر عنه ، لا وجه له فیما نحن بصدده ، بل هی متقدّمة علی الأمر مطلقاً .
توضیحـه : أنّ المراد مـن لزوم اعتبار الوحـدة فی المتعلّق ما هـو وحـدة بالحمل الشائـع ؛ أعنی الوحـدة غیر الملحوظـة بالاستقلال ، المندکّـة فی الأجزاء ؛ بحیث تجعل الآحاد مغفولاً عنها أو کالمغفول عنها ، لا ما هی وحـدة بالحمل الأوّلی .
فحینئذٍ : وحدة الأمر کاشفة عن وحدة المتعلّق ـ ولو اعتباراً ـ إذ مع تکثّره فی حدّ کونه متعلّقاً لایعقل تعلّق الإرادة الواحدة علی المتشتّتات المتفرّقة التی لا ترتبط بعضها ببعض ، بل لابدّ قبل إنشاء الأمر من تصوّر هذه المتکثّرات بنعت الجمع والوحدة ـ ولو علی نحو الإجمال والارتکاز ـ حتّی یوجّه أمره نحوه ، فالوحدة ـ مطلقاً ـ متقدّمة علی الأمر .
وبعبارة أوضح : تعلّق الأمر بشیء إنّما هو لأجل کونه محصّلاً للغرض ، وهو فی البسائط نفس ذاته الواحد البحت ، وفی المرکّبات هو المجموع بوصف الاجتماع ، ولو لم یعتبره المعتبر ، کفوج من العسکر لفتح الأمصار ؛ فإنّ الغرض لایتعلّق بواحد واحد ، بل الفاتح هو المجتمع من الأفراد .
فلو کان الغرض قائماً بفرد من الأفراد فلا یعقل تعلّقه بالمجموع ، ولو کان من قبیل الثانی فلا یتصوّر تعلّقه بکلّ واحد ؛ لعدم قیامه بالغرض .
فحینئذٍ : علی المفروض ـ من قیام الغرض بالمجموع ـ لیس هنا إلاّ أمر واحد نفسی متعلّق بالمجموع ، فإذا لاحظ محصّل غرضه قبل الأمر فلا محالة یتصوّر المجموع بما هو مجموع ، فعند ذلک تصیر الأفراد معتبرة بوحدة اعتباریة بالضرورة ، کما أنّ الأجزاء والأفراد تصیر مندکّة فیه مغفولاً عنها .
وبذلک یظهر تقدّم الوحدة علی الأمر بوجوب تصوّر ما هو الموضوع للأمر ،
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 294 وتصوّر ما هو المحصّل للغرض قبل إنشاء الأمر . وهذا التصوّر یلازم الوحدة الاعتباریة قبل تعلّقه .
وأمّا اعتبار الکلّیة والجزئیة للمأمور به ـ بما هو کذلک ـ فهو غیر مربوط بما نحن فیه . أضف إلیه : ما فی استنتاجه عن مبناه من أنّ عنوان الجزئیة والکلّیة تنتزعان بعد تعلّق الأمر ، وفی مثله لایعقل ترشّح الوجوب من الکلّ إلی الأجزاء بملاک المقدّمیة ؛ إذ فیه :
أوّلاً : أنّ التعبیر بالترشّح ومثله ـ کما جرت علیه الألسن ـ فی غایة السقوط ؛ إذ الإرادة ـ سواء کانت نفسیة أو غیریة ـ تابعة لمبادئها المقرّرة ، ولیست الاُولی مبدأ للثانیة حتّی تصیر منشأ للترشّح والتولّد کما تقدّم ، وأمّا الوجوب فهو أسوأ حالاً منها ؛ إذ هو ینتزع من تعلّق البعث ، ولایعقل ترشّح بعث من بعث .
وأظنّ أنّ الذی أوقعه فی الاشتباه هو توهّم ترشّح الوجوب من ذی المقدّمة إلی المقدّمة ، وأنّ إرادة المقدّمة مترشحة من إرادة ذی المقدّمة ؛ ولذلک نفاه فیما یتأخّر انتزاع الوحدة عن الأمر ؛ لأنّ الکلّیة والجزئیة ـ حینئذٍ ـ تنتزع بعد تعلّق الأمر ، ولایعقل ترشّحه بما لایکون مقدّمة فی رتبة سابقة علی الأمر .
وثانیاً : أنّ الملاک للوجوب المقدّمی لیس عنوانی الکلّیة والجزئیـة للمأمور به بما هو کذلک حتّی تکون المقدّمیة فی رتبة متأخّرة عن تعلّق الأمـر بالکلّ ویمتنع الترشّح ، بل الملاک لتعلّق الإرادة بالمقدّمـة هو الالتفات إلی توقّف ذی المقدّمة علیها فی نفس الأمر ، وتوقّف المرکّب علی کلّ جزء من الأجزاء بحسب الواقع ضروری .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 295 والحاصل : أنّ الجزئیة بالحمل الأوّلی لیس فیها ملاک المقدّمیة ، بل لاتتأخّر عن عنوان الکلّیة ؛ لأنّهما متضائفان ، وهما متکافئان قوّة وفعلاً ، بل ما فیه الملاک هو واقع کلّ جزء جزء ، الذی هو الموقوف علیه ، ونفس الکلّ هو الموقوف ؛ وإن غفلنا عن عنوانی الجزئیة والکلّیة .
هذا کلّه فی المقدّمات الداخلیة ، وقد عرفت وجود ملاک النزاع فیها .
وأمّا الخارجیة : فالحقّ وجود الملاک فی جمیعها ؛ علّة تامّة کانت أم غیرها ، تولیدیة کانت أم غیرها .
وربّما یقال بخروج العلل التولیدیة عن محطّ البحث ـ کالإلقاء والإحراق ـ لأنّ العنوان وإن کان متعدّداً إلاّ أنّ المعنون فی الخـارج واحد ، یعبّر عنه بتعبیرین .
وفیه : ـ بعد التسلیم ـ أنّ تسمیة ذلک علّة مع فقدان التأثیر والتأثّر وعدم الاثنینیة غیر وجیهة .
وأمّا ما ربّما یتوهّم من أنّ الأمر فی المسبّبات التولیدیة یرجع إلی أسبابها ؛ معلّلاً بخروج المسبّبات عن القدرة ؛ لانعدامها بانعدام أسبابها وحصولها بحصولها فلم یتعلّق به الاختیار والإرادة ، ففی غایة السقوط ؛ إذ الإرادة المولویة لا تفترق عـن الإرادة الفاعلیة ، مع أنّ الثانیة تتعلّق ـ بالضرورة ـ علی ما هـو غیر مقدور إلاّ بأسبابه ، کقتل عدوّه الذی لایحصل إلاّ بالتوصّل لأسبابه . علی أنّ ملاک تعلّق الأمر لیس إلاّ کون المتعلّق مقدوراً فی نظر العقلاء ، وهی عندهم کذلک .
والإنصاف : أنّ ذلک یستلزم التصرّف فی کثیر من الأوامر التی تحتاج إلی مبادٍ ومقدّمات ، وهو أمر غیر هیّن .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 296