الفصل التاسع فی الواجب التخییری
لا إشکال فی وقوع ما بظاهره الواجب التخییری فی الشرع والعرف ، إنّما الکلام فی إمکانه ثبوتاً حتّی یؤخذ بظاهر الأدلّة ، أو عدم إمکانه حتّی یترک ظاهرها ، ویوجّه بنحو توجیه ، کالالتزام بتعلّقه بالجامع علی سبیل التعیین ، والتخییر عقلی ، أو تعلّقه بالجامع الانتزاعی ، أو غیرهما .
ثمّ إنّ ما یمکن أن یقال فی وجه الامتناع : هو أنّ الإرادة التکوینیة لا یمکن أن یتعلّق بشیء مردّد واقعی ، وکذلک التشریعیة .
والسرّ فیه : أنّ الوجود ـ أیّ وجود کان ـ مساوق للتشخص والتعیّن الواقعی ، والتردّد النفس الأمری مضادّ للموجودیة ، فلا یمکن أن یکون الوجود متردّداً واقعاً بین الشیئین ؛ تردیداً واقعیاً ؛ سواء کان الوجود خارجیاً أو ذهنیاً .
ولا إشکال فی أنّ الإرادة ـ سواء کانت تکوینیة أو تشریعیة ـ من الأوصاف الحقیقیة ذات الإضافة ، ولا یمکن تحقّقها بلا إضافة إلی شیء ، فلابدّ فی تحقّقها من مضاف إلیه موجود . فلا یعقل أن یکون الإرادة بحسب نفس الأمر مردّدة المتعلّق ولا متعلّقها کذلک ؛ للزوم أن یکون الموجود متردّداً واقعاً ، وهو یرجع إلی التردّد فیما هو فی ذاته متعیّن ومتشخّص .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 513 وکذا الکلام فی البعث ؛ فإنّه یقع بلفظٍ کهیئة الأمر أو غیرها ، مضافاً إلی شیء هو المبعوث إلیه ، فیکون لکلّ من آلة البعث ومتعلّقه وجود ذهنی وخارجی ، لا یمکن أن یتطرّق إلیه التردّد الواقعی . فالواجب التخییری لازمه التردّد الواقعی فی الإرادة التشریعیة ومتعلّقها ، کما أنّ البعث کذلک یستلزم التردّد فی آلة البعث ومتعلّقه بما لهما من الوجود .
وبالجملة : یلزم من الواجب التخییری التردّد والإبهام بحسب الواقع فی الإرادة والمراد والبعث وآلته والمبعوث إلیه ، وکلّ ذلک محال .
والجواب : أنّه إنّما یلزم لو کانت إرادة واحدة أو بعث کذلک متعلّقة بأمر مردّد بین شیئین أو أشیاء ، وهو منتفٍ فی المقام ، بل هنا إرادة مستقلّة وبعث مثلها متعلّق بهذا ، وإرادة اُخری وبعث کذلک متعلّقة بذاک ، فالإرادة والبعث متکثّران تکثّر المراد والمبعوث إلیه .
والسرّ فیه : هو أنّ الآمر إذا رأی أنّ فی کلّ من الشیئین أو الأشیاء مصلحة ملزمة وافیة بغرضه ؛ بحیث یکون کلّ من الأطراف محصّلاً لغرضه ، ولم یکن بینها جامع قابل لتعلّق الأمر إلیه فیتوصّل لتحصیل غرضه بهذا النحو من البعث بتخلّل لفظة «أو» وما فی معناها لإفهام أنّ کلّ واحد محصّل لغرضه ، ولا یلزم الجمع .
وأنت إذا راجعت إلی وجدانک فی أوامرک التخییریة تری أنّ الأمر کذلک ، فلا تکون الإرادة فی التخییری والتعیینی سنخین ، ولا المبعوث والواجب متفاوتین ، غیر أنّ الفرق بینهما هو کون الواجب التعیینی بنفسه محصّلاً للغرض لیس إلاّ ، وفی الواجب التخییری یکون المحصّل للغرض هو کلّ من الشیئین أو الأشیاء ، ولإفادة ذلک یتخلّل لفظ «أو» وما فی معناه ، من غیر لزوم کون المشخّص غیر مشخّص ، لا فی الإرادة ولا فی غیرها .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 514 ولیعلم : أنّ تقسیم الواجب إلی التعیینی والتخییری ـ کتقسیمه إلی النفسی والغیری ـ إنّما هو بلحاظ البعث المنتزع منه الوجوب ، فحدیث الأغراض والمصالح الواقعیة ومحصّل الأغراض ولزوم صدور الواحد عن الکثیر أجنبی عن المقام .
کما أنّ تقسیمه إلی النفسی والغیری لا ینافی کون الواجب لمصالح واقعیة ـ کما تقدّم ـ فکذلک کون الجامع فرضاً مؤثّراً فی تحصیل الغرض الواحد لا ینافی تقسیمه إلی التعیینی والتخییری ، فتدبّر .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 515