الاستدلال علی الفور بأدلّة النقل
وربّما یستدلّ بالآیات الدالّة علی وجوب الاستباق إلی الخیرات والمسارعة إلی المغفرة فی قوله تعالی : «فَاستَبِقُوا الخَیراتِ» ، وقوله سبحانـه : «سَارِعُوا
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 245 إلی مَغفِرةٍ مِنْ رَبِّکمْ» بتقریب أنّ المراد منها لیس نفسها ؛ لکونها فعل الربّ ، بل الأسباب المعدّة لحصولها .
وفیه أمّا أوّلاً : أنّ ظاهر الآیات بشهادة ذیل بعضها «وَجَنَّةٍ عَرضُها السَّماواتُ والأَرضُ» هو الوعظ والإرشاد إلی ما یستقلّ به العقل ؛ من حسن المسارعة والاستباق إلی ما بعث إلیه المولی ، لا المولویة .
وثانیاً : أنّ الظاهر من مادّة الاستباق وهیئة المسارعة هو أنّ الأمر متوجّه إلی تسابق المکلّفین بعضهم علی بعض إلی فعل الخیرات وإلی مغفرة من ربّهم ؛ أی فی تقدّم شخص علی شخص آخر فی أمر مع معرضیته لهما ، کما فی قوله تعالی : «وَاسْتَبَقَا البَابَ» لا فی مبادرة شخص علی عمل مع قطع النظر عن کونه مورد المسابقة بین أقرانه .
وعلیه : لابدّ مـن حمل الخیرات وأسباب المغفرة علی مالو لم یسبق المکلّف إلیـه لفات منه بإتیان غیره ، مثل الواجبات الکفائیة ، ومعه یصیر الأمر للإرشاد .
وثالثاً : أنّه لا دلالة فی آیة المسارعة علی العموم ، وما قیل من أنّ توصیف النکرة بقوله : «مِنْ رَبِّکِمْ» یفید العموم لا محصّل له أصلاً .
ویؤیّد ذلک : أنّک إذا تفحّصت التفاسیر تجد الأقوال متشتّتة فی تفسیر المغفرة ؛ حیث احتملوا أن یکون المراد کلمة الشهادة أو أداء الفرائض ، کما روی عن أمیر المؤمنین علیه السلام ، أو التکبیر الأوّل من الجماعة أو الصف الأوّل منها أو التوبة
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 246 أو الإخلاص أو الهجرة قبل فتح مکّة أو متابعة الرسول أو الاستغفار أو الجهاد أو أداء الطاعات أو الصلوات الخمس . فالتردید والاختلاف شاهدان علی عدم استفادة العموم ، وإلاّ لم یجعلوا البعض قبال بعض ، فتأمّل .
وأورد علیه بعض الأعاظم إشکالاً عقلیاً ، وهو أنّه یلزم من وجوب الاستباق إلی الخیرات عدمه .
توضیح ذلک : أنّ الاستباق إلی الخیرات یقتضی بمفهومه وجود عدد منها یتحقّق بفعل بعض دون بعض ، مع کونهما من الخیرات . وعلی فرض وجوب الاستباق إلی الخیرات یلزم أن یکون الفرد الذی لا یتحقّق به الاستباق أن لایکون منها ؛ لمزاحمته الفرد الآخر ، وعلی فرض انتفاء کونه من مصادیقها یلزم عدم وجوب الاستباق فیما یتحقّق فیه ، وما یلزم من وجوده عدمه محال .
ولا یذهب علیک : أنّ ما ذکره تکلّف وتجشّم :
أمّا أوّلاً : فلأنّ معنی «استبقوا» ـ کما مرّ ذکره ؛ مستمدّاً عن قوله تعالی : «وَاسْتَبَقا البَابَ» ـ إنّما هو بعث المکلّفین إلی سبق بعضهم بعضاً ، لاسبق بعض الخیرات علی بعض .
وثانیاً : وقوع التزاحم بین الواجبین أو الأکثر لایخرج الواجب المزاحم ـ بالفتح ـ عن الخیریة ؛ إذ الفرض کون السقوط لأجل التزاحم لا التعارض ، فحینئذٍ یبقی ظهور مفهوم الاستباق علی حاله .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 247 وثالثاً : أنّ الأمر ـ کما سیجیء تحقیقه ـ یتعلّق بالطبائع دون الأفراد ، فلا معنی حینئذٍ للمزاحمة .
ورابعاً : لو سلّمنا جمیع ذلک ، فإنّه إنّما یتمّ لو کان إتیان الفعل فی أوّل وقته مطلوباً واحداً ؛ بحیث لو تأخّر لسقط عن المطلوبیة ، فحینئذٍ یکون مزاحمته لفردٍ آخر موجباً لخروجه عن الفردیة ، وأمّا إذا تعدّد المطلوب ؛ بکون أصل وجوده مطلوبـاً والإتیـان فی أوّل الوقت مطلوبـاً آخـر فلا یستلزم المزاحمـة خروجـه ، کما لا یخفی .
تکمیل :
إذا قلنا بإفادته الفور فهل معناه فوراً ففوراً ؛ بحیث لو عصی لوجب إتیانه فی الزمان الثانی ، أولا ؟ وجهان مبنیان علی وحدة المطلوب وتعدّده .
أمّا اللفظ فهو ساکت عن وجوب إتیانه ثانیاً لدی المخالفة ، بل مقتضی الإطلاق عدم وجوبه ؛ ضرورة احتیاجه إلی البیان لو کان مراداً للقائل ، ومع عدمه یتمّ الحجّة للعبد .
وأمّا الاستصحاب فتحقیق الحال فی جریانه موکول إلی محلّه ، فارتقب إن شاء الله .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 248