استدلال الأعمّی بصحّة نذر ترک الصلاة فی الأمکنة المکروهة
قد یستدلّ للقول بالأعمّ : بأنّه لا إشکال فی صحّة النذر بترک الصلاة فی الأماکن المکروهة وحنث النذر بفعلها فیها ، ولو کانت موضوعة للصحیحة لزم عدم قدرة المکلّف علی مخالفة هذا النذر ، ومعه لایتحقّق الحنث أبداً ، فیلزم من صحّة النذر عدم صحّته .
وأنت خبیر بأنّ ما وقع تحت النذر هو الصحیح من الصلاة ؛ وإن قلنا بمقالة الأعمّی فی أصل الوضع ؛ إذ المکروه فی تلک الأمکنة ما هو مکتوب علی المکلّفین ، لا الأجزاء الرئیسة ولا الصورة المعهودة ، فیصیر الإشکال مشترک الورود .
نعم ، قد یقال بعدم صحّة النذر هنا من جهة اُخری ؛ وهی أنّ نسبة الصلاة الواقعة فی الحمّام بالنسبة إلی سائر أفرادها کنسبة الصلاة الواقعة فی المسجد الجامع مثلاً إلی الحرمین ، من دون أن یکون فی الفرد الأدنی حزازة فی ذاته ، بل غایة ما یتصوّر هنا من معنی الکراهة هو کونها أقلّ ثواباً من غیرها ، ومثل ذلک غیر کافٍ فی صحّة النذر بالترک .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 120 هذا ، ولکن ما ذکر أیضاً غیر وجیه ؛ لأنّ الکراهة لم تتعلّق بذات الصلاة ؛ کی یلزم منه هذا المحذور ، بل بإیقاعها فی الحمّام مثلاً . مضافاً إلی أنّ لازمه اتّصاف الصلوات ـ کلّها ـ مع اختلافها فی مراتب المطلوبیة بالکراهة ، ما سوی الفرد الأعلی الـذی لیس فوقه فرد آخـر ، وهـو کما تری . فصحّـة النذر فی أمثال المقام ممّا لاغبار علیها .
وهناک أجوبة عن الإشکال :
منها : ما أفاده شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ وتوضیحه : أنّ الأمر المتعلّق بعنوانٍ لایمکن أن یتجاوز عنه ، ویسری إلی الأفراد والخصوصیات ؛ إذ الأمر بعث إلی الطبیعة ، وهی لا تحکی إلاّ عن نفس مفادها المعرّاة عن کلّ قید .
فالمأمور به فی قوله تعالی : «أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ . . .» إلی آخر الآیة ، لیس إلاّ نفس طبیعة الصلاة من غیر لحاظ الخصوصیات فیها ؛ زمانیة کانت أو مکانیة من المسجد والحمّام .
وحینئذٍ : ما تعلّق به النهی التنزیهی لیس عین ما تعلّق به الأمر ، بل هو إنّما تعلّق بالکون الرابط ؛ وهو وقوعها فی الحمّام . وعلی هذا لا مانع من صحّة الصلاة فی مفروض البحث ؛ لأنّ الکراهة والنهی یتعلّقان بإیقاعها فی الحمّام أو سائر الأماکن المکروهة ، والمفروض أنّه قد أوقعها ، فیحنث بذلک .
هذا ، ولایخفی : أنّ أکثر الکلمات الواقعة فی المقام ناشٍ من الخلط بین متعلّق أمر الصلاة وبین متعلّق أمر النذر ؛ فإنّ متعلّق الأوّل وإن کان ذات الصلاة بما هی هی إلاّ أنّ متعلّق الآخر هو عنوان الوفاء فی قول الشارع مثلاً : «أوفوا بالنذر» ،
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 121 من غیر أن یتجاوز عنه ، نعم المصداق الخارجی لهما واحد .
توضیح ذلک : أنّ الصلاة المنذور ترکها فی الحمّام لها عناوین ثلاث : عنوان الصلاة ؛ وهو عنوان ذاتی لها ، کما أنّ الموجود مصداق حقیقی له ، وعنوان کونها فی الحمّام ؛ وهو تحیّثها بأین کذا ووقوعها فیه ، وهذا العنوان عنوان عرضی لنفس الفرد الخارجی ، کما أنّه مصداق عرضی له ، وعنوان کونها مخالفة للنذر ؛ وهذا العنوان أیضاً عرضی کمصداقه .
والحاصل : أنّ ما یدخل فی جوهره وحقیقته هو الأوّل دون الأخیرین ، بل هما ینتزعان من وقوعه فی الخارج فی أین مخصوص ، ومن کونه بفعله مخالفة للأمر بالوفاء .
وعلی هذا : لو فرض تعلّق النذر بترک ذات الصلاة وفرض صحّته ـ لا الکون الرابط ـ لایوجب صیرورتها محرّمة ؛ إذ المحرّم هو عنوان تخلّف النذر المنطبق علی الفرد بالعرض ، فتأمّل . کما أنّ الواجب بالذات هو طبیعة الصلاة المنطبقة علی الفرد الخارجی بالذات .
ومن هنا ذکرنا فی محلّه : أنّ نذر المستحبّات ـ مثل صلاة اللیل وغیرها ـ لایوجب اتّصافها بالوجوب بعناوینها ، بل الواجب هو الوفاء وصلاة اللیل ـ مثلاً ـ باقیة علی استحبابها ، وسیأتی زیادة توضیح لذلک فی بعض المقامات الآتیة إن شاء الله ، فانتظر . وأمّا غائلة اجتماع البعث والزجر فی شیء واحد فیرفعها اختلاف متعلّقیهما فی مقام تعلّق الحکم .
هذا کلّه فی العبادات .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 122