تعریف علم الاُصول وضابطة مسائله
بقی الکلام فی تعریفه وفیه تحدید مسائل الاُصول . التعاریف المتداولة فی ألسنة القوم لایخلو واحـد منها مـن إشکال ؛ طـرداً وعکساً . وأشهرها : «أنّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة من أدلّتها التفصیلیة» .
واُورد علیه : بخروج الظنّ علی الحکومة ، والاُصول العملیة فی الشبهات الحکمیة .
وقد عدل المحقّق الخراسانی إلی تعریفه بـ «أنّه صناعة یعرف بها القواعد التی یمکن أن تقع فی طریق استنباط الأحکام ، أو التی ینتهی إلیها فی مقام العمل» . ویمکن أن یکون التعبیر بالصناعة لأجل أنّه من العلوم العملیة ، کالهندسة العملیة وکالمنطق ، أو للإشارة بکونه آلة بالنسبة إلی الفقه ، کالمنطق بالنسبة إلی الفلسفة .
وظنّی : أنّ هذا التعریف أسوأ التعاریف المتداولة ؛ لأنّه لاینطبق إلاّ علی مبادئ المسائل ؛ لأنّ ما یعرف به القواعد الکذائیة هو مبادئ المسائل ، ولم یذهب أحد إلی أنّ العلم هو المبادئ فقط ، بل هو إمّا نفس المسائل ، أو هی مع مبادئها . هذا ، مضافاً إلی دخول بعض القواعد الفقهیة فیه . اللهمّ إلاّ أن یراد بالصناعة العلم الآلی المحض .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 18 ویرد الإشکال الأخیر علی تعریف بعض الأعاظم من «أنّه عبارة عن العلم بالکبریات التی لو انضمّت إلیها صغریاتها یستنتج منها حکم فرعی کلّی» ، وقد تصدّی لدفع الإشکال فی أوائل الاستصحاب بما لایخلو من غرابة ، فراجع .
ویتلوه فی الضعف ما ذکره بعض المحقّقین : من أنّ المدار فی المسألة الاُصولیة علی وقوعها فی طریق الاستنباط بنحوٍ یکون ناظراً إمّا إلی إثبات نفس الحکم أو إلی کیفیة تعلّقه بموضوعه ، وأنّ المسائل الأدبیة لاتقع إلاّ فی استنباط موضوع الحکم ، من غیر نظر إلی کیفیة تعلّقه علیه .
ولیت شعری : أیّ فرق بین مبحث المشتقّ ودلالة الفعل علی الاختیار وما ضاهاهما من الأبحاث اللغویة ، وبین مبحث مفاد الأمر والنهی وکثیر من مباحث العامّ والخاصّ التی یبحث فیها عن معنی «الکلّ» و«الألف واللام» ، بل المفاهیم مطلقاً ؛ حیث أخرج الطائفة الاُولی وأدخل الثانیة ، مع أنّ کلّها من باب واحد تحرز بها أوضاع اللغة ، وتستنتج منها کیفیة تعلّق الحکم بموضوعه . مضافاً إلی ورود القواعد الفقهیة علیه أیضاً .
ویمکن أن یقال : بـ «أنّه هو القواعد الآلیة التی یمکن أن تقع فی کبری استنتاج الأحکام الکلّیة الفرعیة الإلهیة أو الوظیفة العملیة» ، فیخرج بالآلیة القواعد الفقهیة ؛ فإنّ المراد بها کونها آلة محضة ولاینظر فیها ، بل ینظر بها فقط ، والقواعد الفقهیة ینظر فیها ، فتکون استقلالیة لا آلیة ؛ لأنّ قاعدة ما یضمن وعکسها حکم
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 19 فرعی إلهی منظور فیها علی فرض ثبوتها ، وقواعد الضرر والحرج والغرر کذلک ؛ فإنّها مقیّدات للأحکام بنحو الحکومة ، فلا تکون آلیة وإن یعرف بها حال الأحکام . وأمّا خروج بعض الاُصول العملیة فلا غرْو فیه ، علی فرضه .
وإنّما قلنا : «یمکن أن تقع» لأنّ مناط الاُصولیة هو الإمکان لا الوقوع الفعلی ، فالبحث عن حجّیة القیاس والشهرة والإجماع المنقول بحث اُصولی ، وخرج مباحث سائر العلوم بقولنا «تقع کبری» . ولم نقیّد الأحکام بالعملیة لعدم عملیة جمیع الأحکام ، کالوضعیات وکثیر من مباحث الطهارة وغیرها . وإضافة «الوظیفة» لادخال مثل الظنّ علی الحکومة .
ولم نکتف بـ «أنّه ما یمکن أن تقع کبری استنتاج الوظیفة» لعدم کون النتیجـة وظیفة دائماً ، کالأمثلة المتقدّمة ، وانتهاؤها إلی الوظیفة غیر کونها وظیفة .
ثمّ إنّ المسائل المتداخلة بین هذا العلم وغیره ، ککثیر من مباحث الألفاظ ـ مثل ما یبحث فیه عن الأوضاع اللغویة ، کدلالة طبیعة الأمر علی الوجوب والنهی علی الحرمة ودلالة أداة الحصر علی مدلولها وکمدالیل المفردات والمرکّبات ـ یمکن ادخالها فیه وتمییزها عن مسائل سائر العلوم بکونها آلة محضة ، فالاُصولی یبحث عنها بعنوان الآلیة والوقوع فی کبری الاستنتاج وغیره بعنوان الاستقلالیة أو لجهات اُخر .
ویمکن الالتزام بخروجها ، وإنّما یبحث الاُصولی عنها لکونها کثیر الدوران فی الفقه ؛ ولذا لم یقتنع بالبحث عنها فی بعض مباحث الفقه ، والأمر سهل .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 20