الفصل الحادی عشر فی الواجب المطلق والموقّت
ینقسم الواجب إلی المطلق والموقّت .
اعلم : أنّ الإنسان بما أنّ وجـوده زمانی تکون أفعالـه أیضاً زمانیـة ، ولا محالـة یکون عمود الزمان ظرفاً لها ، فلزوم الزمان فی تحقّق الواجبات ممّا لا محیص عنه عقلاً .
وأمّا دخالته فی الغرض فربّما یکون المحصِّل للغرض نفس الطبیعة بلا دخالة لوقوعها فی الزمان ، و اُخری یکون المحصّل وقوع الطبیعة فی الزمان ، وهو علی قسمین : فإنّ الغرض یحصل إمّا من وقوعها فی مطلق الزمان ، وإمّا من وقوعها فی زمان معیّن .
فهذه أقسام ثلاثة ، ولا إشکال فی کون الأوّل داخلاً تحت الواجب المطلق وأمّا الثانی ـ أعنی ما یکون مطلق الزمان دخیلاً فیه ـ فجعله من قبیل الموقّت لا یخلو من إشکال ؛ لأنّ الموقّت یتعلّق فیه الأمر بالطبیعة وظرفها ، ولو کان الدخیل هو الظرف المعیّن لکان للأمر به معنی مقبول .
وأمّا إذا کان الدخیل هو الزمان المطلق فلا مجال للأمر به ؛ للزوم اللغویة ؛ لأنّ المکلّف لا یقدر علی إیجاده فی غیر الزمان حتّی یکون الأمر صارفاً عنه
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 521 وداعیاً نحوه . والصحیح أن یقال : إنّ الموقّت ما عیّن له وقت معیّن والمطلق بخلافه ، فالمطلق قسمان والموقّت قسم واحد .
ثمّ إنّه لا إشکال فی صحّة تقسیم الواجب الموقّت إلی المضیّق والموسّع .
وما اُورد علی الواجب الموسّع بأنّ لازمه ترک الواجب فی أوّل وقته ، وهو ینافی وجوبه .
مدفوع بأنّ الواجب لیس إتیانه فی أوّل الوقت ، بل الواجب الطبیعـة التی یوجدها المکلّف بین الحدّین ، ولیس ترکها إلاّ إعدامها فی تمام الوقت المضروب لها .
وأفسد من ذلک : ما اُورد علی تصویر المضیّق بأنّ الانبعاث لابدّ وأن یکون متأخّراً عن البعث ، فلابدّ من فرض زمان یسع البعث والانبعاث ، ولازمه زیادة زمان الوجوب علی زمان الواجب .
وفیه : أنّ تأخّر الانبعاث عن البعث تأخّر طبعی لا زمانی ، علی أنّه یمکن تصوّر المضیّق بنحو الواجب التعلیقی ، فیکون البعث قبل زمان الواجب .
ثمّ إنّ نسبة الواجب الموسّع إلی أفراده الدفعیة والتدریجیة کنسبة الطبائع إلی مصادیقها فی أنّ التخییر بینها عقلی لا شرعی ؛ لأنّ ما هو دخیل فی تحصیل الغرض فی الموسّع هو حصول الطبیعة بین المبدأ والمنتهی ، فلابدّ وأن یتعلّق الأمر بما هو محصّل للغرض ، ولا یجوز تعلّقه بالزائد . فتعلّق الأمر بالخصوصیات لغو جزاف .
ومن هنا یعلم : أنّه لا یتضیّق بتضیّق وقته ؛ لأنّ الأمر المتعلّق بطبیعة لا یمکن أن یتخلّف إلی موضوع آخر ، فالواجب لا یخرج من کونه موسّعاً بتضیّق وقته ؛ وإن حکم العقل بلزوم إتیانه فی آخر الوقت .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 522