الخامسة : محطّ البحث فی الإجزاء
ظاهر کلمات أکثر المحقّقین من المتأ خّرین فی إجزاء الأوامر الاضطراریة عن الاختیاریة وإجزاء الظاهریة عن الواقعیة ، أنّ هاهنا أمرین ؛ تعلّق أحدهما بالطبیعة بملاحظة حال الاختیار والعلم ، وثانیهما بطبیعة اُخری بملاحظة حال الاضطرار والجهل ، فوقع البحث فی أنّ إتیان متعلّق الاضطراری والظاهری یجزی عن الاختیاری والواقعی أو لا ؟
ولعـلّ مبنی القول بتعدّده ما علیه جماعـة ـ منهم المحقّق الخراسانی ـ مـن أنّ الجزئیـة والشرطیة والمانعیة لاتقبل الجعل استقلالاً ، وأنّ ما ظاهره الاستقلال فی الجعل إنّما هو إرشاد إلی ما جعله جـزءً أو شرطاً حین الأمـر بالمرکّب ،
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 254 ولایعقل بعد الأمر بالمرکّب جعل جزء آخر له أو شرط کذلک .
فحینئذٍ کلّ ما کان ظاهره الاستقلال فی الجعل ، کقوله علیه السلام : «التراب أحد الطهورین» فلابدّ من جعله إرشاداً إلی ما أخذه شرطاً لدی الأمر بالمرکّب ، ویحتاج إلی سبق أمر آخر متعلّق بالطبیعة المتقیّدة بالطهارة الترابیة ؛ إذ لا معنی للإرشاد مع عدم وجود مرشد إلیه ، ویلتزم لأجله وجود أمرین .
وعلیه هنا أمران : أحدهما تعلّق بالصلاة المتقیّدة بالطهارة المائیة للمختار ، والآخر بالمقیّدة بالترابیة للمضطرّ . وقس علیه الأجزاء والموانع بقسمیهما .
ولذا ذهب قدس سره إلی البراءة ؛ إذ الشکّ ـ بناءً علی وجود الأمرین ـ إنّما هو فی حدوث أمر آخـر ـ کما یأتی بیانه ـ وهذا بخلاف القول بإمکان الجعل فیها مستقلاًّ حتّی یتحفّظ ظواهر الأدلّة الظاهرة فی الجعل مستقلاًّ ؛ إذ یکون هنا أمر واحد متعلّق بالطبیعة ، وقد أمر الشارع بإتیانها بکیفیة فی حال الاختیار ، وبکیفیة اُخری فی حال الاضطرار ، والاختلاف فی الأفراد والمصادیق .
ولا یجب لمن قال بجعل الشرطیة مستقلاًّ الالتزام بسبق أمر متعلّق بها بکیفیة الاضطرار .
ولعمری إنّ هذا هو الحقّ الصراح ؛ حفظاً لظواهر الأدلّة ، مع ما سیأتی فی مبحث الاستصحاب من إمکان الجعل ، فإذن لیس هنا إلاّ أمر واحد تعلّق بطبیعة الصلاة ، وإنّما القیود من خصوصیات المصادیق ؛ إذ قوله تعالی : «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوکِ
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 255 الشَّمسِ إِلی غَسَقِ اللَیلِ» یدلّ علی وجوب الطبیعة فی هذا الوقت المضروب لها ، ثمّ دلّ دلیل علی اشتراطها بالطهارة المائیة فی حال الاختیار واشتراطها بالترابیة عند فقدانها ؛ بحیث یکون المأتی بالشرط الاضطراری نفس الطبیعة التی یأتیها المکلّف بالشرط الاختیاری ، بلا اختلاف فی المتعلّق والطبیعة والأمر .
کما هو ظاهر قوله تعالی : «یَا أَ یُّها الَّذِینَ آمَنُوا إذا قُمتُم إلی الصَّلاةِ» إلی أن قال سبحانـه : «فَلَم تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعِیداً طَیِّباً» فإنّ ظاهرها : أنّ الصلاة التی سبق ذکرها وشرطیتها بالطهارة المائیة یؤتی بها عند فقد الماء متیمّماً بالصعید ، وأنّها فی هذه الحالة عین ما تقدّم أمراً وطبیعة .
وبالجملة : أنّ الکیفیات الطارئة من خصوصیات المصادیق لامن مکثّرات موضوع الأمر ، ولایکون للطبیعة المتقیّدة بکیفیةٍ أمرٌ وبکیفیة اُخری أمر آخر ، والنزاع وقع فی أنّ الإتیان بمصداق الاضطراری للطبیعة هل یوجب سقوط الأمر عنها أولا ؟ وقس علیه الحال فی الأوامر الظاهریة حرفاً بحرف .
إذا عرفت ما ذکرنا فاعلم : أنّ الکلام یقع فی مواضع :
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 256