نقل ودفع : فی أدلّة امتناع رجوع القید إلی الهیئة والجواب عنها
ربّما یتوهّم امتناع رجوع القید إلی الهیئة ، وما قیل فی بیانه أو یمکـن أن یقال وجوه :
منها : أنّ معنی الهیئة بما أنّه من المعانی الحرفیة مندکّ فی متعلّقها ، فلا یتوجّه المتکلّم إلیه استقلالاً ، والتقیید یحتاج إلی لحاظها استقلالاً ، وهـو لایجامع کونه حرفیاً .
وفیه أوّلاً : أنّ التقیید کلّه ـ سواء کان فی الأسماء أم الحروف ـ إنّما هو بلحاظ ثانٍ استقلالاً ؛ إذ اللفظ الموضوع للطبیعة لا تستعمل إلاّ فی معناها ولایحکی إلاّ عن نفس معناها ، فإذا وصف بکونه مؤمناً أو عادلاً فی قولک «أکرم عالماً عادلاً» یکون التوصیف بلحاظ آخر .
وقس علیه التقیید فی المعانی الحرفیة ؛ إذ الهیئة لا تستعمل إلاّ فی معناها المطلق ، لا فی المعنی المشروط ، والتقیید یرد علیها فی لحاظ آخر ـ تقدّم أو تأخّر ـ وحینئذٍ تصیر وقت التقیید من المعانی الاسمیة ، ولا غبار فی تقییدها .
وثانیاً : أنّه یمکن أن یقال : إنّ التقیید لایحتاج إلی اللحاظ الاستقلالی ؛ وإن کان لا یضرّ لحاظه ثانیاً أیضاً ، بل یکفی فیه ما هو حاصل فی ضمن الکلام الذی
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 317 یحکی عن الواقع إذا کان حکائیاً ، أو یوجد معناه بنفس الاستعمال إذا کان إیجادیاً ؛ لما عرفت أنّ الهدف الأعلی لأهل المحاورة إنّما هو النِسَب والإضافات ، فلو کانت النسبة حاکیة عن خارج مقیّد تکویناً فلا محالة قد تصوّر المتکلّم فی ذهنه صورة الخارج وأخبر عن الواقع المشهود بالألفاظ التی هی کالقوالب للمعانی .
فحینئذٍ یقع الإخبار عن المقیّد والقید والتقیید من غیر احتیاج إلی لحاظ مستقلّ ، ولکن الاکتفاء به فی الإیجادیات من دون لحاظ مستقلّ یحتاج إلی التأمّل .
ومنها : أنّ الهیئة موضوعة بالوضع العامّ للموضوع الخاصّ ، فیکون المعنی جزئیاً حقیقیاً غیر قابل للتقیید .
وفیه : أنّ التقیید وإن کان یلازم تضییقاً فی المقیّد ، وهو فرع کونه أمراً وسیعاً ، لکن التقیید فی الجزئی الحقیقی لیس باعتبار ذاته بل باعتبار حالاته وأطواره ؛ ولذا یجری فیه مقدّمات الحکمة لو وقع بشخصه موضوعاً للحکم .
ومنها : أنّ الهیئة فی الأمر والنهی للإیجاد ، وهو آبٍ عن التعلیق ؛ لامتناع الإیجاد المعلّق ؛ إذ تعلیق الإیجاد مساوق لعدم الإیجاد ، کما أنّ تعلیق الوجود مساوق لعدمه .
وفیه : أنّ الخلط نشأ من إسراء حکم الحقائق إلی الاعتباریات التی لم تشمّ ولن تشمّ رائحة الوجود حتّی یجری علیه أحکام الوجود .
ولعمری إنّ ذلک هو المنشأ الوحید فی الاشتباهات الواقعة فی العلوم الاعتباریة ؛ إذ الإیجاد الاعتباری لا مانع مـن تعلیقه ، ومعنی تعلیقـه أنّ المولی بعث
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 318 عبده علی تقدیر وألزم وحتم شیئاً علیه لو تحقّق شرطـه ، ویقابلـه العدم المطلق ؛ أی إذا لم ینشأ ذلک علی هذا النحو .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 319