الثالث : فی إتیان الأفراد العرضیة دفعة مع وحدة الأمر
إذا قلنا بتعلّق الأمر بالطبیعة ، وأوجد المکلّف عدّة أفراد دفعة واحدة فهل هو امتثال واحد ؛ لوحدة الأمر المقتضی لامتثال واحد ، أو امتثالات ؛ لکون الطبیعة تتکثّر بتکرّر الأفراد ؛ فکلّ واحد بما هو مصداق له امتثال مستقلّ ؟ وجهان :
اختار ثانیهما بعض السادة من الأکابر ؛ محتجّاً بأنّ الطبیعة متکثّرة بتکثّرها ، ولا یکون فردان أو أفراد منها موجودة بوجود واحد ؛ لأنّ المجموع لیس له وجود غیر وجود الأفراد ، فکلّ فرد محقّق للطبیعة ، ولمّا کان المطلوب هو الطبیعة بلا تقیّد بالمرّة أو التکرار فحینئذٍ إذا أتی المکلّف بأفراد متعدّدة فقد أوجد المطلوب فی ضمن کلّ فرد مستقلاًّ ، فیکون کلٌّ امتثالاً برأسه کما هو موجود بنفسه .
ونظیر ذلک الواجب الکفائی ؛ حیث إنّ الأمر فیه متعلّق بنفس الطبیعة ، ویکون جمیع المکلّفین مأمورین بإتیانها ، فمع إتیان واحد منهم یسقط الوجوب عن
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 241 الباقی ، وأمّا لو أتی به عدّة منهم دفعة یعدّ کلّ واحد ممتثلاً ، ویحسب لکلّ امتثال مستقلّ ، لا أن یکون فعل الجمیع امتثالاً واحداً ، انتهی .
وفیه : أنّ وحدة الامتثال وکثرته بوحدة الطلب وکثرته ، لابوحدة الطبیعة وکثرتها ؛ ضرورة أنّه لولا البعث لم یکن معنی لصدق الامتثال ، وإن اُوجد آلاف من أفراد الطبیعة .
وبالجملة : فرق بین تعلّق الأمر بإکرام کلّ فرد من العلماء وبین تعلّقه بنفس الطبیعة متوجّهاً إلی مکلّف واحد :
فعلی الأوّل یکون کلّ فرد واجباً برأسه ؛ ولو بالانحلال فی جانب الوجوب علی وجه معقول ، فیتعدّد امتثاله ؛ ولذا یعاقب بعدد الأفراد .
وعلی الثانی یکون مرکز الحکم نفس الطبیعة ، فهنا حکم واحد ومتعلّق فارد ، وتکثّرها فی الوجود لایوجب تکثّر الوجوب ـ ولو انحلالاً ـ کما لایوجب تکثّر الامتثال ؛ ولذا لو ترک الإکرام المتعلّق بالطبیعة مطلقاً لم یکن له إلاّ عقاب واحد . وإن شئت قلت : إنّ وحدة العقاب وکثرته ووحدة الثواب وتعدّده منوط باختلاف فی ناحیة الطلب والبعث قلّة وکثرة .
والقول بأنّ ترک الطبیعة مطلقاً لایوجب إلاّ عقاباً واحداً کاشف عن وحدة البعث والحکم ، ومع فرضه واحداً کیف یمکن أن یتصوّر للواحد غیر المنحلّ امتثالات ؟ فإذن الامتثال فرع الطلب ، کما أنّ العقوبة فرع ترک المطلوب ، فلا یمکن الامتثالات مع وحدة الطلب ، ولا استحقاق عقوبة واحدة مع کثرته .
أضف إلی ذلک : أنّ قیاسه مـع الفارق ؛ لأنّ البعث فی الواجب الکفائی
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 242 یتوجّـه إلی عامّة المکلّفین ؛ بحیث یصیر کلّ مکلّف مخاطباً بالحکم ، فهناک طلبات کثیرة وامتثالات عدیدة ، لکن لو أتی واحد منهم سقط البعث عـن الباقی ؛ لحصول الغرض وارتفاع الموضوع ، ولو ترکوها رأساً لعوقبوا جمیعاً ، ولـو أتاها الجمیع دفعة فقد امتثلوا کافّة ؛ لکون کلّ فرد منهم محکوم بحکمه ومخاطب ببعثه المختصّ ، بخلاف المقام .
إذا عرفت ما قدّمناه من الاُمور ، مع ما عرفت فی مباحث المشتقّ یظهر لک حقیقة الأمر ؛ من عدم دلالة الأمر علی المرّة والتکرار لابمادّته ؛ لکونها موضوعة للماهیة بلا شرط ، ولا بهیئه ؛ لأنّها للإغراء والبعث ویلزمه الوجود أو الإیجاد کما مرّ ، ولا بالمجموع ؛ لعدم وضع له . والتمسّک بالقرائن ـ مع أنّه خارج عن الفرض ـ غیر ممکن ؛ لفقد القرائن العامّة الدالّة علی واحد منهما .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 243