الخامس : فی اختلاف مبادئ المشتقّات
اختلاف مبادئ المشتقّات ؛ من حیث کون بعضها حرفة وصنعة ، أو قوّة وملکة لایوجب اختلافاً فی الجهة المبحوث عنها ، وإنّما الاختلاف فی أنحاء التلبّس والانقضاء ، وهذا ممّا لا إشکال فیه .
إنّما الکلام فی وجه هذه الاختلافات ؛ فأنّا نری أنّ مفهوم التاجر والصائغ والحائک وأمثالها تدلّ علی الحرفة والصناعة لاعلی الحدوث ، کما أنّ أسماء الآلات والمکان قد تدلّ علی کون الشیء معدّاً لتحقّق الحدث بها أو فیها بنحو القوّة لا بنحو فعلیة تحقّق الحدث بها أو فیها ، فما السرّ فی هذا الاختلاف ؟ لأنّا نری أنّ المصداق الخارجی من المفتاح یطلق علیه أنّه مفتاح قبل أن یفتح ، وعلی المسجد أنّه مسجد قبل أن یصلّی فیه .
ربّما یقال : إنّ هـذه المشتقّات مستعملـة فی المعانی الحدیثـة کسائـر المشتقّات ، وإنّما الاختلاف فی الجـری علی الذوات ، فقولنا : «هـذا مسجـد» ، و«هـذا مفتاح» کقولنا «هذا کاتب بالقوّة» ؛ حیث إنّ الکاتب مستعمل فی معناه لا فی الکاتب بالقوّة .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 155 وکذا الکلام فی أسماء الأزمنة والأمکنة والآلات ؛ فإنّ الجری فیها بلحاظ القابلیة والاستعداد .
وأ مّا ما یدلّ علی الحرفة فسرّ الإطلاق فیه مع عدم التلبّس : أنّه باتّخاذه تلک المبادئ حرفة صار کأنّه ملازم للمبدأ دائماً ، انتهی ملخّصاً .
وفیه : أنّ تلک المشتقّات مع قطع النظر عن الجری والحمل تفید معانی غیر معانی المشتقّات المتعارفة ، فالمسجد بمفهومه التصوّری یدلّ علی المکان المتهیّئ للعبادة ، وکذا المفتاح ، وقس علیه التاجر والحائک ؛ حیث یدلّ کلّ واحد بمفهومه التصوّری علی الحرفة والصنعة قبل الجری والحمل .
ویمکـن أن یقال ـ بعد عـدم الالتزام بتعدّد الأوضاع ـ : إنّ ما یـدلّ علی الصنعـة ـ والحرفة قد استعمل فی تلک المعانی أوّلاً بنحو المجاز حتّی صارت حقیقـة ؛ إمّا باستعمال الموادّ فی الصنعـة والحرفـة أو استعمال مجموع المادّة والهیئـة مجازاً ، باعتبار أنّ المشتقّات کأنّها کلمة واحدة ـ مادّة وهیئة ـ کسائر العناوین البسیطة .
ولکن هذا أیضاً لایخلو من بُعد ، وعلی فرض صحّته لیست العنایة المصحّحة فرض الفترات کالأعدام ، ورؤیـة المبدأ الفعلی حاصلاً ؛ لکون ذلک خلاف المتبادر ؛ فإنّـا لانفهم مـن التاجـر ومثلـه إلاّ مَن کـان حرفته کـذلک ، لا المشتغل بفعل التجارة دائماً ، کما هو واضح .
وممّا ذکرنا یتّضح الحال فی أسماء المکان والآلات ، مع أنّه یمکن أن یقال فی المسجد والمحراب ونظائرهما : إنّها قد انقلبت عن الوصفیة إلی الاسمیة ، فکأنّها
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 156 أسماء أجناس لایفهم العرف منها إلاّ ذات تلک الحقائق ، ولا ینسبق المبادئ إلی الذهن رأساً ، وکذا فی أسماء الآلات .
بل یمکن أن یقال : إنّ المفهوم من مکان السجدة وآلة الفتح لیس إلاّ ما یعدّ لهما ، لا المکان الحقیقی الذی تضاربت فیه آراء الحکماء والمتکلّمین ، ولا الآلة الفعلیة للفتح .
فحینئذٍ یمکن أن یلتزم بأنّ هیئة اسم الآلة وضعت لها ، وتکون فی نظر العرف بمعنی ما یعدّ لکذا ، وهیئة اسم المکان لمکان الحدث ؛ أعنی المکان الذی یراه العرف معدّاً لتحقّق الشیء فیه ، لکنّه لا یطّرد ذلک بالنسبة إلی الثانی ؛ وإن کان غیر بعید بالنسبة إلی الأوّل . وبعد ، فالمسألة لاتخلو من إشکال .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 157