فی الصلاة المعادة
إن قلت : بماذا یحمل فتاوی الأصحاب وتظافر النصوص فی صلاة المعادة جماعة بعد ما صلّی فرادی ، وأنّه یجعلها فریضة ویختار أحبّهما إلیه . . . إلی آخره ؟
قلت : إنّ ذلک من باب تبدیل فرد من المأمور به بفرد آخر ، لا من تبدیل امتثال إلی آخر بعد العلم بکونه مشروعاً فی الدین ، وأنّ ذلک یوجب الثواب الزائد علی إیجادها فی ضمن مصداق آخر .
وتوضیحه : أنّ تبدیل الامتثال یتوقّف علی تحقّق امتثالین مترتّبین ؛ بمعنی أنّه لابدّ أن یکون للمولی أمر متعلّق بطبیعة ، فیمتثله المکلّف دفعه مع بقاء الأمر ثمّ یمتثله ثانیاً ، ویجعل المصداق الثانی الذی تحقّق به الامتثال بدل الأوّل الذی تحقّق به الامتثال الأوّل .
وأمّا تبدیل مصداق المأمور به الذی تحقّق به الامتثال بمصداق آخر غیر محقّق للامتثال ، لکن محصّل للغرض اقتضاءً مثل المصداق الأوّل أو بنحو أوفی فهو لایتوقّف علی بقاء الأمر ، بل من قبیل تبدیل مصداق المأمور به بمصداق آخر ، لابصفة کونه مأموراً به .
وأمّا قوله علیه السلام : «ویجعلها فریضة» فالمراد منه أنّه یأتی الصلاة ناویاً بها
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 259 الظهر أو العصر مثلاً ، لا إتیانه امتثالاً للأمر الواجب ؛ ضرورة سقوطه بإتیان الصلاة الجامعة للشرائط ، ولهذا حکی عن ظاهر الفقهاء ـ إلاّ من شذّ من المتأ خّرین ـ تعیّن قصد الاستحباب فی المعادة للأمر الاستحبابی المتعلّق بها .
وأمّا قضیة الأوفی بالغرض واختیار أحبّهما إلیه وأمثالهما ممّا یتنزّه عنها مقام الربوبی فهی علی طبق فهم الناس وحسب محاوراتهم قطعاً .
ثمّ إنّ فی کلام بعض محقّقی العصر رحمه الله وجهاً آخر لتوجیه الموارد التی توهّم کونها من تبدیل امتثال بآخر ، وملخّصه : أنّ فعل المکلّف ربّما یکون مقدّمة لفعل المولی الجوارحی ، کأمره بإحضار الماء لیشربه ، أو الجوانحی کأمره بإعادة الصلاة جماعة لیختار أحبّهما إلیه ، فهذه الأفعال أمر بها لتکون مقدّمة لبعض أفعاله .
فحینئذٍ : إن قلنا بوجوب المقدّمة الموصلة کان الواجب هو الفعل الذی أوصل المولی إلی غرضه الأصلی ، وکان الآخر غیر متّصف به ؛ لعدم إیصاله . فالواجب هو الماء الذی حصل منه الشرب أو الصلاة المعادة التی اختاره ، فلیس إلاّ امتثال واحد .
وإن قلنا بوجوب مطلق المقدّمة فعدم إمکان التبدیل أوضح ؛ لسقوط الأمر بالامتثال الأوّل ، انتهی .
وفیه أمّا أوّلاً : فإنّ جعل الأوامر الشرعیة المتعلّقة بأفعال المکلّفین من قبیل الوجوب الغیری دون النفسی ؛ لحدیث کونها مقدّمات إلی الأغراض ممّا لایرضی به أحد . کیف ، وهی من أشهر مصادیق الواجبات النفسیة ؟ ! ومعه لا یبقی لما ذکره
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 260 بشقّیه وجه ، وقد حقّقنا مناط الغیریة والنفسیة فی محلّه .
وثانیاً : أنّ المقدّمة الموصلة ـ بأیّ وجه صحّحنا وجوبها ـ إنّما تتحقّق فیما إذا کان الإیصال تحت اختیار العبد وقدرته ؛ حتّی تقع تحت دائرة الطلب ، والمفروض أنّ فعل المولی أو اختیاره متوسّط بین فعل العبد وحصول الغرض ، فلابدّ أن یتعلّق الأمر بنفس المقدّمة ، من غیر لحاظ الإیصال .
وما ربّما یتکرّر فی کلامه قدس سره : من أنّ الواجب هو الحصّة بنحو القضیة الحینیة أو الحصّة الملازمة للغایة ففیه ـ مضافاً إلی عدم کونه معقولاً ؛ لأنّ الأعدام لامیز فیها ، وأنّ صیرورة الحصّة حصّة لایمکن إلاّ بالتقیید ، ولا تتوجّه النفس إلی حصّة دون غیرها ما لم یتعیّن بالقید ـ أنّ الحصّة بما أنّها ملازمة لأمر غیر مقدور فهی غیر مقدور ، لایمکن تعلّق الطلب بها .
وإن شئت قلت : إنّ الإیجاب بنحو القضیة الحینیة أیضاً إنّما یتصوّر فیما إذا کان الظرف موجوداً أو یکون إیجاده تحت قدرة المکلّف ، وهما مفقودان هاهنا ؛ فإنّ الوجوب حین وجود ذی المقدّمة لا یتصوّر ، والمفروض أنّ إیجاده غیر مقدور .
نعم ، یمکن أن یقال : إنّ الواجب ـ أی ما یقع علی نعت الوجوب ـ هو ما یتعقّبه اختیار المولی بنحو الشرط المتأخّر ، فلایکون الواجب هو المقدّمة الموصلة ـ ولو بنحو القضیة الحینیة ـ علی نحو الإطلاق ؛ حتّی یلزم علیه تحصیل القید ، بل الواجب هو المشروط بالشرط المتأخّر ، فإذا أتی بها ولم یتعقّبها اختیاره یکشف ذلک عن عدم وجوبها ، فحینئذٍ یخرج عن موضوع تبدیل الامتثال ، فتدبّر .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 261