الأمر السابع فی وضع المرکّبات
قد وقع الکلام فی أ نّه هل لمجموع الجمل من المادّة والهیئة وضع أولا ؟
ومجمل القول فیه : هو أنّ اللغات الحیة والألسنة العالمیة الراقیة بین أبناء البشر ـ کلّها ـ کافلة لإفادة الأغراض وطرح المعانی فی قالب الألفاظ ؛ تصدیقیة کانت أو تصوّریة ؛ وإن کان الأوّل أکثر اهتماماً به وأعلی درجة فی سلسلة المقاصد التی یقصد إفهامها .
ومن البعید غایته ـ بل من الممتنع عادة ـ عدم وضع لفظ للمعانی التصدیقیة فی هذه اللغات الوسیعة .
ونحن قد تصفّحنا ، فلم نجد ما یدلّ علی المعانی التصدیقیة فی کلام العرب ، سوی الهیئات المزدوجة مع الموادّ ، وقد تقدّم أنّ الحملیة منها تدلّ علی الهوهویة التصدیقیة ، کما أنّ المؤوّلة المتخلّل فیها الأدات تدلّ علی النسب التصدیقیة ، ومفردات القسمین دالّة علی معانیها التصوّریة بالبراهین التی مضت . وعلیه فلم یبق لهذا النزاع معنی صحیح بعد تعیین مفاد الهیئات والموادّ .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 73 اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ الکلام هنا فی أنّ الدالّ علی المعانی التصدیقیة هل هو الهیئات أو مجموع الجملة ؟ فالمشهور علی الأوّل ، وشرذمة علی الثانی .
وکیف کان : فما ربّما یقال من أنّ مراد القائل من الوضع للمجموع هو وضع جدید له ، من غیر إفادة شیء واضح الفساد ، لایلیق أن ینسب إلی ذی فضلٍ .
وأظنّ : أنّ تحریر النزاع بما ذکرنا من أنّ وجود معانٍ تصدیقیة محتاجة إلی دوالٍّ لفظیة متسالم علیه بینهم ، وأنّ الخلاف فی أنّ تلک الدوالّ هی الهیئات أو المجموع أولی وأحسن .
ثمّ إنّ هناک احتمالاً آخر ؛ وهو کون المجموع موضوعاً لإفادة ما تفیده الهیئة علی سبیل الترادف .
وعلی کلّ حال : یرد علی الوضع للمجموع ما نقل عن ابن مالک فی «شرح المفصّل» من أنّ المرکّبات لو کان لها وضع لما کان لنا أن نتکلّم بکلام لم نسبق إلیه ؛ إذ المرکّب الذی أحدثناه لم یسبق إلیه أحد ، وهذا المؤلّف لم یکن موجوداً عند الواضع ، فکیف وضعه الواضع ؟ انتهی کلامه .
وهو کلام متین صدر عن أدیب بارع ، وتوضیحه : أنّ الجمل الاسمیة وإن کانت تشترک فی الهیئة ، ولکنّها مختلفة بحسب المادّة ، والوضع النوعی إنّما یتصوّر فی الهیئات فقط ؛ لوحدتها النوعیة ، لا بالنسبة إلی المجموع منها ومن الموادّ ؛ لعدم حصر الموادّ وتنوّعها جدّاً ، مثل قیام زید وقعود عمرو ، وهلمّ جرّاً .
ولیس هناک جامع واحد وعنوان نوعی تجتمع الموادّ تحته ؛ کی یشار به إلیها ، کما یوجد فی الهیئات . فلو کان الموضوع هو المجموع لزم الالتزام بوضع کلّ جملة جملة وضعاً شخصیاً ، وهو مع امتناعه عادة یستلزم القول بأنّ الجمل التی أحدثها المتکلّم من الموادّ المختلفة غیر موضوعة .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 74 وبذلک یظهر النظر فی کلام بعض الأعیان من المحشّین ؛ حیث جعل محلّ النزاع ما هو بدیهی البطلان ، وحمل کلام ابن مالک علیه ؛ قائلاً : أ نّه لایخفی علی مثله أنّ الوضع هنا نوعی لاشخصی ، فراجع وتأمّل .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 75