استدلال الصحیحی والأعمّی بالتبادر
وإذ قد عرفت ما تقدّم فاعلم : أنّه قد ادّعی غیر واحد من القوم التبادر للمعنی الذی اختاره .
وارتضاه المحقّق الخراسانی لما استقربه من القول بالصحیح . ولکن یرد علی ما ادّعاه إشکال ، حاصله : أنّ للماهیة فی وعاء تقرّرها تقدّماً علی لوازمها علی الوجود الذی هو مظهر لها ، کما أنّها متقدّمة علی لوازم الوجود بمرتبتین ؛ لتوسّط الوجود بینها وبین لوازم الوجود .
وإذا أضفت ذلک إلی ما قد علمت سابقاً من أنّ النهی عن الفحشاء وکونها معراج المؤمن وما أشبههما من لوازم الوجود لامن آثار الماهیة ؛ لعدم کونها منشأً لتلک الآثار فی حدّ نفسها ، تعرف أنّه لا وجه لهذا التبادر أصلاً ؛ لأنّ تلک العناوین کلّها فی مرتبة متأخّرة عن نفس المعنی الماهوی الموضوع له ، بل لو قلنا إنّها من عوارض الماهیة أو لوازمها کانت أیضاً متأخّرة عنه . فمع ذلک کیف یمکن دعوی تبادرها من لفظ الصلاة مثلاً ؟
و إن شئت توضیحاً لذلک فاعلم : أنّ ما یتبادر عند إطلاق ألفاظ العبادات وغیرها أوّلاً هو نفس الماهیة ، ثمّ لو لم یکن لها لازم ماهوی ینتقل إلی ما هو مصداقها الخارجی بواسطة الاُنس والممارسة ثانیاً ، ثمّ إلی عوارضها الوجودیة من
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 116 الصحّة والفساد والآثار المطلوبة بواسطة الارتکاز العقلائی أو بیان الشارع ثالثاً .
وحینئذٍ نقول : إنّ التبادر هو فهم المعنی من ذات اللفظ وحاقّه ، ولا معنی لتبادر شیء لم یوضع له اللفظ ، والانتقال إلی اللوازم الذهنیة أو الخارجیة الدائمیة أو الاتّفاقیة إنّما هو بعد تبادر أصل المعنی لأجل الاُنس وغیره ، فإذا کان الموضوع له ماهیة بسیطة مجهولة ـ إلاّ من ناحیة بعض العناوین المتأخّرة ـ فلابدّ لمدّعی التبادر أن یدّعی تبادر نفس المعنی مقدّماً علی فهم تلک العناوین .
وحینئذٍ : لایعقل أن تکون تلک العناوین معرِّفة للمعنی فی ظرف التبادر ؛ لتأخّر رتبتها عنه إمّا بمرتبتین ، أو بمرتبة واحدة .
وعلی هذا : یبقی الموضوع له مجهول العنوان والحقیقة فی وعاء التبادر من جمیع الجهات ، وإن کان معروف العنوان وواضح الحقیقة فی رتبتین بعده .
والحاصل : أنّا لا ننکر أنّ الشیء قد یعرَّف بمعالیله وآثاره وعوارضه ـ کما فی التعریف بالرسم ؛ ناقصاً کان أو تامّاً ـ إلاّ أنّ وعاء التبادر وخطور الملزوم فقط من اللفظ مقدّم علی تصوّر تلک العناوین ؛ فضلاً عن کونها معرّفة وموضحة للحقائق .
والمعرِّف فی ظرف التبادر لابدّ أن یکون واقعاً فی رتبة معرَّفه ، وما ذکروه ـ کلّها ـ معرّفات بعد رتبة التبادر ، فیصیر المعنی فی هذه الدرجة مجهولاً مطلقاً ، ولا معنی لتبادره . والخلط إنّما نشأ من عدم الفرق بین تبادر المعنی الذی لایتّصف بالصحّة والفساد فی مرتبة ذاته ، وبین فهم الاُمور الخارجة عن المعنی ممّا هو من عوارض المصادیق لأجل اُنس الذهن .
والخلاصة : أنّ مدّعی التبادر للصحیح لابدّ أن یتصوّر معنی ویعیّن له عنواناً یساوق الصحیح فی ظرف التبادر ؛ حتّی یدّعی أنّ المتبادر هو الصحیح . وما ذکروه
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 117 وإن کان ممّا یساوقه إلاّ أنّه لیس ممّا یخطر بباله فی وعائه بل بعده برتبتین ، وهذا لا یصحّح أمر التبادر ؛ إذ للأعمّی أن یدّعی أنّ الصلاة المعرَّفة بهذه العناوین قسم من المسمّی ، فتدبّر جیّداً .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 118