فی ألفاظ الإشارة
إنّک إذا راجعت وجدانک وأحفیت الحقیقة من موارد استعمال ألفاظ الإشارة وأخواتها تجد : أنّ ما زعمه القوم ـ من الاُدباء وغیرهم ـ فی توضیح معانیها بعید عن الصواب ، وغیر خال عن التعسّف ؛ إذ هم قائلون بأنّ لفظة «هذا» مثلاً موضوعة لنفس المشار إلیه ـ أعنی المفرد المذکّر ـ وإن کان بعض تعبیراتهم أیضاً یناسب ما اخترناه ، وکذلک الضمائر الغائبة ؛ فإنّها عندهم لأفراد الغائب علی اختلافها ، فعلیه یکون مفادها معانٍ اسمیة مستقلّة .
هذا ، ولکن التحقیق : أنّها موضوعة لنفس الإشارة ، أعنی لإیجادها ، إمّا إلی الحاضر کما فی ألفاظ الإشارة ، أو إلی الغائب کما فی بعض الضمائر ، فعلیه لایکون المشار إلیه داخلاً فی معناه رأساً ، بل تمام الموضوع له فیها لیس إلاّ نفس الإشارة .
وإحضار المشار إلیه فی ذهن السامع ـ علی اختلاف فی المتعلّق ـ تبعی ، کإحضاره بإشارة الأخرس ، من غیر أن یکون دخیلاً فی الموضوع له فالإشارة إلی الحاضر لا تتوقّف إلاّ علی حضور المشار إلیه حقیقة وحکماً ، کما أنّ الإشارة إلی
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 56 الغائب تحتاج إلی کونه معهوداً أو مذکوراً من قبل حتّی یمکن الإشارة إلیه . وعلی هذا فیندرج تلک الألفاظ برمّتها فی باب الحروف ، وتنسلک فی عداد مفاهیمها ؛ من حیث عدم الاستقلال مفهوماً ووجوداً .
والدلیل علیه ـ مضافاً إلی أنّ العرف ببابک ـ أنّک لا تجد فرقاً فی إحضار الموضوع بین الإشارة إلیه بالإصبع وبین ذکر اسم الإشارة المناسب ، بل ربّما یقوم أحدهما مقام الآخر عند عدم التمکّن منه ، کما فی إشارة الأخرس .
فتری أنّ الجمیع ـ بمیزان واحد ـ آلة لإیجاد الإشارة ، من غیر فرق بینها . غایة الأمر : أنّه یترتّب علیه إحضار المشار إلیه فی الذهن قهراً ، من دون أن یکون الوضع منحدراً علیه . وقد أشار إلی ما ذکرنا بعض الأجلّة ، دام ظلّه .
وصحّة الترکیب ووقوعها مخبراً عنها فی قولنا «هذا قائم» و«هو قائم» وأشباههما لا تثبت ما راموه ؛ إذ لا نسلّم أنّ المخبر عنه فی هذه الموارد هو مفاد هذه الکلمات ، بل المشار بها إلیه .
فتری الفرق بین قولنا «زید قائم» وبین «هذا قائم» أو «هو قائم» ، فلفظة زید فی الأوّل تحکی عن المحکوم علیه ؛ حکایة اللفظ عن معناه الموضوع له ، بخلافهما ؛ فإنّهما یحضران المحکوم علیه فی ذهن السامع ، کما فی الإشارة بالإصبع ، من غیر أن یکونا موضوعین له ، ومن دون أن یکون دلالتهما علیه من قبیل حکایة اللفظ عن معناه .
نعم ، یفترق الثانی عن الثالث بالإشارة إلی الحاضر والإیماء إلی الغائب ، ولعلّه إلی ما ذکرنا ینظر قول ابن مالک فی «ألفیته» :
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 57
بـذا لمفـرد مـذکّــر أشــر
بذی وذه تی تا علی الاُنثی اقتصر
ولا یشذّ عن ذلک لسان الفُرس وغیرهم ؛ حیث تری مرادفاتها فی تلک الألسنة أیضاً کذلک .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 58