الأوّل : فی معنی التعبّدیة والتوصّلیة
ربّما یقال فی تعریف الاُولی بأنّها عبارة عن الوظیفة التی شرعت لأجل أن یتعبّد بها العبد لربّه ویظهر عبودیته ، وهی المعبّر عنها فی الفارسیة بـ «پرستش» ، ویقابلها التوصّلیة ؛ وهی مالم یکن تشریعه لأجل إظهار العبودیة .
قلت : یظهر ما فیه من الخلل ـ وکذا فی غیره من التعاریف ـ بتوضیح أقسام الواجبات ، فنقول :
منها : ما یکون الغرض من البعث إلیه صرف وجوده ؛ بأیّ نحو حصل ، وکیفما تحقّق ، کستر العورة وإنقاذ الغریق .
ومنها : ما لایحصل الغایة منها إلاّ بقصد عنوانه ، وإن لم یکن بداعی التعبّد والتقرّب ، کردّ السلام والنکاح والبیع .
ومنها : ما لایحصل الغرض بقصد عنوانه ، بل یحتاج إلی خصوصیة زائدة من الإتیان به متقرّباً إلی الله تعالی ، وهذا علی قسمین : أحدهما ما ینطبق علیه عنوان العبودیة لله تعالی ؛ بحیث یعدّ العمل منه للربّ عبودیة له ، ویعبّر عنه فی لغة الفرس
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 206 بـ «پرستش» ، کالصلاة والاعتکاف والحجّ ، وثانیهما : ما لایعدّ نفس العمل تعبّداً أو عبودیة ، وإن کان قربیاً لایسقط أمره إلاّ بقصد الطاعة ، کالزکاة والخمس .
وهذان الأخیران وإن کان یعتبر فیهما قصد التقرّب لکن لایلزم أن یکونا عبادة بالمعنی المساوق بـ «پرستش» ؛ إذ کلّ فعل قربی لاینطبق علیه عنوان العبودیة . فإطاعة الولد لوالده والرعایا للملک لاتعدّ عبودیة لهما بل طاعة ، کما أنّ ستر العورة بقصد امتثال الأمر وإنقاذ الغریق کذلک لیسا عبودیة له تعالی ، بل طاعة لأمره وبعثه .
وحینئذٍ یستبدل التقسیم الثنائی إلی الثلاثی ، فیقال : الواجب إمّا توصّلی أو تقرّبی ، والأخیر إمّا تعبّدی أو غیر تعبّدی .
التعبّدی ما یؤتی به لأجل عبودیة الله تعالی والثناء علیه بالعبودیة ، کالصلاة وأشباهها ، ولأجل ذلک لایجوز الإتیان بعمل بعنوان التعبّد لغیره تعالی ؛ إذ لا معبود سواه ، لکن یجوز إطاعة الغیر متقرّباً إلیه .
وغیر التعبّدی من التقرّبی ما یؤتی به إطاعة له تعالی ، لاثناءً علیه بالمعبودیة ؛ فإذن یکون المراد من التعبّدی فی المقام هو الواجب التقرّبی بالمعنی الأعمّ الشامل لکلا القسمین ؛ إذ مدار البحث ما یحتاج سقوط أمره إلی قصد الطاعة ؛ سواء أتی به بقصد التقرّب متعبّداً به لربّه ، أم بعزم التقرّب فقط .
فالأولی ـ دفعاً للالتباس ـ حذف عنوان التعبّدیة وإقامة التقرّب موضعها .
فظهر : أنّ الذی یقابل التوصّلی هو التقرّبی ؛ أعنی مالایسقط الغرض بالإتیان به إلاّ بوجه مرتبط إلی الله تعالی لا التعبّدی ، بل هو قسم من التقرّبی ، کما ظهر الخلل فیما تقدّم من التعریف وغیره ، فاغتنم .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 207