عدم وجود الموضوع لکلّ علم
وهناک مشکلة اُخری : وهو أنّ القوم قد التزموا ـ عدا بعض المحقّقین من متأخّریهم ـ علی وجود موضوع للعلم ینطبق علی موضوعات المسائل ، وربّما یتمسّک فی إثباته بقاعدة الواحد ، التی لایکاد یخفی بطلان التمسّک بها هنا علی
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 14 من له أدنی إلمام بالعلوم العقلیة ؛ إذ هی تختصّ بالبسیط الحقیقی ، ولا تجری فی مثل العلوم التی هی قضایا کثیرة ، یترتّب علی کلّ قضیة فائدةٌ غیر ما یترتّب علی الاُخری ، وإن کان بین الفائدتین وحدة وربط بالسنخ .
مع أنّ حدیث تأثیر الجامع إذا اجتمعت المؤثّرات علی أثرٍ واحد قول فاسد ، لاینطبق إلاّ علی قول الرجل الهمدانی .
وإن شئت قلت : إنّ السبر والتتبّع فی العلوم ناهض علی خلاف ما التزموه ؛ إذ العلوم ـ کما سمعت ـ لم تکن إلاّ قضایا قلیلة قد تکمّلت بمرور الزمان ، فلم یکن الموضوع عند المؤسّس المدوّن مشخّصاً حتّی یجعل البحث عن أحواله .
وما تقدّم من علم الجغرافیا أصدق شاهد ؛ إذ العلم بأوضاع الأرض ؛ من جبالها ومیاهها وبحارها وبلدانها لم یتیسّر إلاّ بمجاهدة الرجال قد قام کلٌّ علی تألیف کتاب فی أوضاع مملکته الخاصّة به ، حتّی تمّ العلم . ولم یکن الهدف فی هذا البحث لدی هؤلاء الرجال العلم بأوضاع الأرض حتّی یکون البحث عن أحوال مملکته بحثاً عن عوارضها .
ونظیره علم الفقه ؛ فلم تکن الفقیه الباحث لدی تأسیسه ناظراً ولاحظاً فعل المکلّف حتّی یجعله موضوعاً لما یحمله علیه وما یسلبه عنه .
مع أنّ ما تخیّلوه موضوعاً للعلم لاینطبق علی أکثر مسائل باب الضمان والإرث والمطهّرات والنجاسات وسائر الأحکام الوضعیة ممّا هی من الفقه بالضرورة . کما أنّ ما تصوّروه موضوعاً للفنّ الأعلی لایطّرد ؛ لاستلزامه خروج
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 15 مباحث الماهیات ـ التی هی من أدقّ مسائله ـ عنه ، ونظیرها مباحث کیفیة المعاد والأعدام والجنّة والنار .
والقول بالاستطراد أو التمسّک بما ذکره بعض الأکابر غیر تامّ ، مع أنّ القضایا السلبیة التحصیلیة موجودة فی مسائل العلوم ، وهی لاتحتاج إلی وجود الموضوع ، ولم تکن أحکامها من قبیل الأعراض للموضوعات ، بناءً علی التحقیق فیها من کون مفادها سلب الربط .
فتلخّص : أنّ الالتزام بأنّه لابدّ لکلّ علمٍ من موضوع جامع بین موضوعات المسائل ، ثمّ الالتزام بأنّه لابدّ من البحث عن عوارضه الذاتیة ، ثمّ ارتکاب تکلّفات غیر تامّة لتصحیحه ، والذهاب إلی استطراد کثیر من المباحث المهمّة التی تقضی الضرورة بکونها من العلم ، ممّا لا أری وجهاً صحیحاً له ، ولا قام به برهان ، بل البرهان علی خلافه .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 16