تنبیه : فی الجمل التامّة وغیر التامّة
للحمل تقسیمات واعتبارات :
منها : تقسیمها إلی التامّة وغیرها .
ومنها : تقسیم التامّة إلی ما یحتمل الصدق والکذب ، وما لایکون کذلک . وسیجیء الکلام مستوفی فی هذا التقسیم ـ بعون الله العزیز ـ عند تحقیق الفرق بین الإنشاء والإخبار .
وأمّا الأوّل : فقد عرفت آنفاً مفاد الهیئات فی القسم الأوّل منه ؛ أعنی الجمل التامّة الإخباریة التی یصحّ السکوت علیها ، وأنّها تدلّ بنحو التصدیق علی الهوهویة فیما لم یتخلّلها الأداة ، وعلی النسبة فیما إذا تخلّل الأداة بینها .
أمّا الناقصة : فلا شکّ فی أنّ حکمها حکم المفردات ، لاتحکی إلاّ حکایة تصوّریة ؛ ولذا لا تتّصف بالصدق والکذب ، ولا تحتملهما .
وبعبارة أوضح : أنّ هیئات الجمل التامّة إنّما تحکی عن تحقّق شیء أولا تحقّقه ، أو کون شیء شیئاً أو لا کونه ، حکایة تصدیقیة ، ولکنّها فی الناقصة منها کـ «غلام زید» تدلّ علی نفس الربط والإضافة لا علی تحقّقها ، وعلی الهوهویة بنحو التصوّر لا علی ثبوتها فی الخارج .
نعم ، تنقسم ـ کانقسام التامّة ـ إلی أنّ المحکی بالحکایة التصوّریة تارة : یکون هو الهوهویة والاتّحاد ، کجملة الموصوف والصفة مثل «زید العالم» ؛ ولذلک
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 52 یصحّ حملها علی موصوفها بلا تخلّل الأداة ؛ بأن یقال : «زید عالم» ، واُخـری : یکون هو الانتساب والإضافة التصوّریة ، کجملة المضاف والمضاف إلیه ؛ ولذلک لا یصحّ الحمل فیها . ولا تنعقد القضیة منها إلاّ بتخلّل الأداة نحو «زید له الغلام» حتّی فیما إذا کانت الإضافة بیانیة ، فتدبّر .
وبذلک یظهر : ضعف ما أفاده بعض المحقّقین ؛ حیث فرّق بین المرکّبات الناقصة والتامّة ؛ بأنّ الاُولی تحکی عن النسبة الثابتة التی تعتبر قیداً مقوّماً للموضوع أو المحمول ، وأمّا الثانیة فتحکی عن إیقاع النسبة ؛ فإنّ المتکلّم یری بالوجدان الموضوع عاریاً عن النسبة التی یرید إثباتها ، وهو بالحمل والإنشاء یوقعها بین الطرفین ؛ ولهذا یکون مفاد الترکیب الأوّل متأخّراً عن الثانی ؛ تأخّر الوقوع عن الإیقاع .
وفیه : أنّ المرکّبات الناقصة لا تحکی عن النسبة الثابتة الواقعیة إن کان مراده من النسبة الثابتة هی الواقعة بحسب نفس الأمر کما هو الظاهر من مقابلتها لإیقاع النسبة ، ضرورة أنّ الحکایة عن الواقع أمر تصدیقی لا تصوّری .
وأیضاً أنّ المرکّبات التامّة تحکی عن النسبة الثابتة الواقعیة تارة ، وعن الهوهویة التصدیقیة اُخری ، ولا معنی لحکایتها عن إیقاع المتکلّم نسبة ذهنیة أو کلامیة ؛ ولذا لاینتقل السامع إلاّ إلی الثبوت الواقعی ، ویکون إیقاع المتکلّم مغفولاً عنـه إلاّ باللحاظ الثانی .
هـذا فی الحملیات ، وأمّـا الإنشائیات فسیأتی حالهـا عـن قریب .
هـذا ، مضافـاً إلی أنّ تأخّـر الوقوع عـن الإیقاع إنّما هـو فیما إذا کـان
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 53 الأوّل معلول الثانی ، ولیست النسبـة فی الجمـل الناقصـة معلولـة لإیقاع النسبـة فی التامّـة ، فلا وجـه للتأخّـر مـع فقد مناطـه ، هـذا کلّـه إذا کان المراد مـن النسبـة الثابتـة هـی النفس الأمریـة .
وأمّا إذا کان المراد منها هی النسبة اللفظیة فلا ریب فی کونها فی الجملتین بإیقاع المتکلّم بوجه استجراری ؛ تبعاً للإخبار عن الواقع علی ما هو علیه فی الجمل الإخباریة المشتملة علی النسبة ، لا کما ذکره من أنّ المتکلّم یری الموضوع عاریاً عن النسبة فیوقعها ؛ ضرورة أنّ المتکلّم حین التکلّم لایتوجّه إلی کلامه استقلالاً ، ولا ینظر إلی خلوّه عن النسبة .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 54