الثانی : فی الإشکال علی التعبیر عن المبحث بالصحیح والأعمّ
إنّ العناوین المعروفة فی عقد الباب کلّها لاتخلو من تکلّف ، والأولی عنوانه هکذا : «بحث فی تعیین الموضوع له فی الألفاظ المتداولة فی الشریعة» ، أو «فی
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 94 تعیین المسمّی لها» ، أو «فی تعیین الأصل فی الاستعمال فیها» ، علی اختلاف فی الآراء والمشارب ؛ إذ ما أفاده القوم غیر خالٍ عن النظر ، والظاهر : أنّ الذی أوقعهم فیه إنّما هو سهولة عبارته ، فعبّروا عن الشیء بلازم وجوده ، مع أنّه غیر تامّ .
توضیح المقام : أنّه لا وَقْع للقول بأنّ المراد من لفظی الصحیح والأعمّ هو الصحیح بالحمل الأوّلی حتّی تقیّد الصلاة بمفهوم الصحّة وضدّها ، کما أنّه لاوقع لإرجاعه إلی أنّ المراد به ما هو صحیح بالحمل الشائع ؛ إذ الصحیح من الصلاة الخارجیة إن کان موضوعاً له بنحو الوجود السعی فهو یستلزم وجود الجامع فی الخارج بنحو الوحدة الحقیقیة ، وقد عرفت استحالته ، وإن کان بنحو الفردیة والمصداقیة فهو مستلزم لکون الوضع عامّاً والموضوع له خاصّاً ؛ إذ الفرد الواقعی قد یتصادق علیه العنوانان ، وإلاّ فکلّ عنوان یباین الآخر مفهوماً .
أضف إلیه : أنّ الصحیح تحقیقاً هو ما حاز جمیع ما یعتبر فیه ؛ حتّی ما یتأتّی من قبل الأمر ، مع خروج مثلها عن حریم النزاع . والتشبّث بکون الصحّة أمراً إضافیاً ، فتکون صحیحة مع قطع النظر عن الشرائط التی تأتّی من قبل الأمر ممّا لایساعده العرف واللغة .
وتوهّم اصطلاح خاصّ للاُصولی کما تری ، ولا یقصر عنه التمحّل بأنّ المراد من الصحّة هو الصحّة التعلیقیة ؛ أعنی ما إذا انضمّ إلیه جمیع ما یعتبر فیها صار صحیحاً .
والحاصل : أنّ أخذ الصحیح فی عنوان البحث والقول بأنّه الموضوع له لا یصحّ بأیّ معنی فُرض .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 95 والأولی : أن یجعل الموضوع له هو الماهیة الاعتباریة ، لا عنوانی الصحیح والأعمّ ، ویقال : إنّ لفظة الصحیح وضدّه عنوانان مشیران إلی تلک المرتبة ، ویقال : «هل الموضوع له هو الماهیة التی إذا وجدت فی الخارج ینطبق علیها عنوان الصحیح أو الأعمّ ؟»
وأولی منه : إسقاط لفظی الصحیح والأعمّ من عنوان البحث ؛ إذ لا ملزم لإبقاء العنوان علی حاله ، والتزام تکلّفات باردة لتسدیده ، فیقال فی عنوانه : «بحث فی تعیین الموضوع له فی الألفاظ المتداولة فی الشریعة ، أو فی تعیین المسمّی لها ، أو فی تعیین الأصل فی الاستعمال فیها» ، علی اختلاف التعبیرات ، کما مرّ .
وما یقال من أنّ الصلاة ـ مثلاً ـ موضوعة للماهیة المتصوّرة فی الذهن ، مرآة إلی الخارج ، وهی بما أنّها فرد موجود ذهنی صحیحة بالحمل الشائع لاینبغی الإصغاء إلیه ؛ إذ الصحّة والفساد من لوازم الوجود الخارجی دون الماهیة الذهنیة . وعلیه : فالفرد الذهنی لایمکن أن یکون مصداقاً لواحد منهما .
هذا ، وقد ذکر بعضهم للصحیح معنی آخر ؛ وهو کونه بمعنی التمامیة عرفاً ولغة ، واستراح به عن بعض الإشکالات . وهو لم یذکر له مصدراً ومرجعاً ، مع أنّ العرف واللغة ـ اللذین تشبّث بذیلهما ـ ینادیان بخلاف ما ادّعاه .
کیف ، وبین الصحّة والفساد تقابل التضادّ ؟ کما أنّ بین النقص والتمام تقابل العدم والملکة .
وتوضیح ذلک : أنّ الصحّة والفساد کیفیتان وجودیتان عارضتان للشیء فی الوجود الخارجی باعتبار اتّصافه بکیفیة ملائمة لطبیعته النوعیة ، فیقال : بطّیخ
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 96 صحیح بالملاک المذکور ، کما أنّه إذا اتّصف بکیفیة منافرة أو بأثر لایترقّب من نوعه یقال : إنّه فاسد کمرارته أو فساده .
وهذا بخلاف النقص والتمام ؛ فإنّ ملاک الإطلاق فیهما إنّما هو جامعیته للأجزاء والشرائط وعدمها ، مثلاً الإنسان الذی له عینٌ أو یدٌ واحدة یقال : إنّه ناقص لا فاسد ، وفی مقابله التمام ، نعم یطلق علیه الصحّة باعتبار کیفیته المزاجیة ، لا من جهة الأعضاء .
فإن قلت : فعلیه لابدّ أن لایصحّ توصیف الکیفیات والحقائق البسیطة بالتمام وضدّه ؛ لفقدان الترکیب فیهما .
قلت : الظاهر أنّ الإطلاق فی أشباه ذلک إنّما هو باعتبار لحاظ الدرجات ، فیقال للوجود الشدید : إنّه وجود تامّ ، وللضعیف : إنّه ناقص ، وقس علیه النور وشبهه .
کما أنّ إطلاق الصحّة والفساد بالمعنی المذکور علی الماهیات الاعتباریة ـ کالصلاة والصوم ـ من باب التوسّع فی الإطلاق ؛ لأنّ أجزاء تلک الماهیات لها وحدة فی وعاء الاعتبار وهیئة اتّصالیة ؛ ولذا یقال : إنّه قد قطع صلاته أو أفطر صومه ، إذا أتی بما ینافیه . فعروض الفساد لها إنّما هو من جهة فقدانها بعض ما هو معتبر فیها ، کما فی الموجودات الخارجیة الحقیقیة ، لکن باعتبار تخلّف الأثر ، وادّعاء ترتّب کیفیة منافرة علیها .
هذا ، والطریق الوحید للتخلّص عمّا تقدّم من الإشکال لمن اشتهی إبقاء البحث علی حاله لیس إلاّ بالقول باستعمال الصحّة والفساد فی التمام والنقص ـ أعنی استعمال ذاک المفهوم فی هذا المفهوم ـ ولکنّه بعد غیر صحیح ؛ لعدم وجود العلاقة بینهما ، واتّحادهما بحسب المصداق لایصحّح العلاقة .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 97