الثالث : فی تعیین محلّ النزاع
یجد المتتبّع فی خلال کلمات القوم أنّ عباراتهم فی تحریر محلّ البحث مشوّشة جدّاً ؛ فبعضهم خصّه بالأجزاء وأخرج الشرائط عنه مطلقاً ؛ سواء کانت ممّا اُخذت فی متعلّق الأمر ـ کالطهور والستر ـ أم لم تؤخذ فیه ، وسواء أمکن أخذها وإن لم تؤخذ فعلاً ـ کالشروط العقلیة المحضة ، مثل اشتراط کون المأمور به غیر مزاحم بضدّه الأهمّ ، أو کونه غیر منهی عنه بالفعل ، أو کان ممّا وقع الخلاف فی إمکان أخذه فیه ، کالشرط الذی یأتی من قِبل الأمر ، کقصده وقصد الوجه .
وبالجملة : قد قصّر هذا القائل البحث علی الأجزاء وأخرج الشرائط بأجمعها عن حریمه .
واستدلّ علیه : بأنّ رتبة الأجزاء رتبة المقتضی ، ورتبة الشرائط متأخّرة عن رتبة المقتضی ، فلا یسوغ ادخالها فی المسمّی لتستوی مع الأجزاء فی المرتبة ، انتهی .
ولحن الاستدلال یتضمّن جوابه ؛ لأنّ مجرّد وقوع الشیء فی مرتبة علل شیء بحسب التکوین أو الاعتبار لا یمنع من جعل اسم واحد للمجموع ؛ لوقوعها فی اُفق النفس دفعة واحدة .
وربّما یجاب عنه : بالتمسّک بذیل الحصّة ، بیان ذلک : أنّ الموضوع له هو الأجزاء المقترنة بالشرائط ؛ أعنی تلک الحصّة الخاصّة من الأجزاء دون مطلقها . وحینئذٍ لایصدق مع فقد بعض الشرائط ، بناءً علی القول بالصحیح ، وأمّا علی الأعمّ
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 98 فالموضوع له هو الحصّة المقترنة ببعض الشرائط لا الحصّة الخاصّة منها ، انتهی .
هذا ، ولکن یعود السؤال علیه : بأنّ المقارنة والتحصّص إن اُخذت علی نحو القیدیة فقد عاد الإشکال ودخلت الشرائط تحت المسمّی ، وإن اُخذت علی سبیل الحینیة فما وجه الامتیاز بین هذه الحصّة وغیرها فی عالم التصوّر ؟ وما الدلیل علی انحصار صدقها علی المقترنة فقط ، دون الفاقدة ، بعد الاعتراف بوضع اللفظ للطبیعة المطلقة ، من دون أخذ قیدٍ فیها ؟
ثمّ إنّ بعضهم لمّا رأی التفریط فی الرأی المتقدّم عدل عنه ، وأخذ برأی متوسّط ، وأدخل من الشرائط ما کان مأخوذاً بالفعل فی المأمور به ، دون ما یأتی من قِبل الأمر ، ودون الشرائط العقلیة التی یمکن أخذها . ولکنّه جوّز ادخال ذلک کلّه فی محلّ النزاع ، وإن لم یکن داخلاً بالفعل . خلافاً لمن ادّعی عدم إمکانه رأساً ؛ نظراً إلی أنّ تعیین المسمّی مقدّم علی الأمر المتقدّم علی قصده وقصد وجهه ، وکذلک مقدّم علی ابتلائه بالضدّ أو تعلّق النهی به ، فلا یمکن أخذ ما یأتی من قبله فی الموضوع له ، انتهی .
ولکن الحقّ : إمکان دخول الجمیع فی النزاع : أمّا علی القول بإمکان أخذ ما لا یأتی إلاّ من قبل الأمر فی المتعلّق فواضح ، وأمّا علی الامتناع فلجواز دعوی کون المسمّی غیر ما یتعلّق به الطلب . ولزوم تقدّم المسمّی علی الطلب لا دلیل علیه .
إن قلت : یلزم حینئذٍ اللغویة فی التسمیة ؛ لأنّها مقدّمة للبعث إلیها .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 99 قلت : الکلام إنّما هو فی الإمکان العقلی ، لا فی الوقوع ، هذا بحسب الثبوت .
وأمّا بحسب الإثبات : فالشواهد علی ما ادّعیناه لائحة متی تفحّصت استدلالات القوم ؛ حیث تری : أنّ الأعمّی یسوق برهانه بأنّه یلزم علی قول الخصم تکرار معنی الطلب فی الأوامر المتعلّقة بها ؛ لأنّ الأمر ـ حینئذٍ ـ یرجع إلی الأمر بالمطلوب ، فیکون المعنی طلب مطلوبه ویلزم الدور ؛ لتوقّف الصحّة علی الطلب وهو علیها ، فراجع «الفصول» ، وتجد أنّ المطلوب منها هو التامّ ؛ جزءً وشرطاً ، وتری الصحیحی لم یستشکل علیه بکون النزاع فی غیر هذه الشرائط .
ویشهد له أیضاً : قول المحقّق الخراسانی فی استدلاله بأنّ وحدة الأثر کاشفة عن وحدة المؤثّر ؛ فإنّ الأثر مترتّب علی تامّ الأجزاء والشرائط مطلقاً . وحمل کلامه علی المؤثّر الاقتضائی أو التعلیقی أو بعض المؤثّر تعسّف ظاهر .
هذا ، ولکن بعد ما عرفت من أنّ الموضوع له لیس عنوانی الصحیح والأعمّ یمکن أن یقال : إنّ الشرائط لیست علی سنخ واحد ، بل بعضها من قیود المسمّی ؛ بحیث ینحلّ المسمّی إلی أجزاء وتقیّدات ، وبعضها الآخر من شروط تحقّق المسمّی خارجاً ولا دخالة له فی الماهیة ، أو من موانع تحقّقه فی الخارج ، من دون أن یکون عدمه دخیلاً فی الماهیة أیضاً .
ولا یبعد أن یکون ما یأتی من قبل الأمر من شروط التحقّق ، کما أنّ الشرائط العقلیة ـ مثل عدم ابتلائه بالضدّ وعدم کونه منهیاً عنه ـ من قبیل نفی موانع التحقّق ، فهما غیر داخلین فی الماهیة ، وخارجان عن محلّ البحث والنزاع .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 100 ففی الحقیقة النزاع یرجع إلی أنّ الشروط أیّها من شرائط المسمّی ؛ بحیث لایصدق علی الفاقد ، وأیّها من شروط الصحّة والتحقّق حتّی یصدق علی فاقدها ، هذا بالنسبة إلی الشرائط .
وأمّا الأجزاء : فیقع النزاع فیها فی أنّ جمیعها من مقوّمات ماهیة المسمّی أو بعضها خارج عنها ، ویکون من أجزائه إذا فرض تحقّقه فی الخارج ، کالأجزاء المستحبّة ، بناءً علی کونها توابع الموجود ، من غیر أخذها فی مقوّمات الماهیة ، فتدبّر ، وسیجیء للکلام تتمیم ، والمسألة بعد لاتخلو من غموض وإشکال .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 101