الرابع : فی لزوم تصویر الجامع
أنّه لابدّ من تصویر جامع علی کلا الرأیین ؛ فإنّ الثمرة المعروفة ـ أعنی جواز التمسّک بالإطلاق وعدمه ـ تتوقّف علیه لا محالة ، مضافاً إلی اتّفاقهم علی عموم الوضع والموضوع له ، وعدم تعدّد الأوضاع بالاشتراک اللفظی .
فنقول : إنّ هناک بیانات فی تصویر الجامع :
منها : ما عن المحقّق الخراسانی من أنّه لا إشکال فی إمکان تصویره علی القول بالصحیح ، وإمکان الإشارة إلیه بخواصّه وآثاره ؛ فإنّ الاشتراک فی الأثر کاشف عن الاشتراک فی جامع واحد یؤثّر الکلّ فیه بذلک الجامع ، فیصحّ تصویر المسمّی بالصلاة مثلاً بالناهیة عن الفحشاء وما هو معراج المؤمن ، انتهی .
وما أظنّک إذا تأمّلت فی عبائر کتابه أن تنسب إلیه أنّه قائل بأنّ الصلاة
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 101 موضوعة لنفس الأثر أو للمقیّد به ، أو للمقیّد بالملاکات ؛ سیّما بعد تصریحه بأنّ الأثر إنّما یشار به إلیه ، لا أنّه الموضوع له .
وبذلک یظهر الخلل فیما أورده علیه بعض الأعاظم : من أنّ الملاکات إنّما تکون من باب الدواعی لا المسبّبات التولیدیة ، ولیست الصلاة بنفسها علّة تامّة لمعراج المؤمن ، بل تحتاج إلی مقدّمات اُخر ؛ من تصفیة الملائکة وغیرها .
فحینئذٍ : لایصحّ التکلیف بها لابنفسها ، ولا بأخذها قیداً لمتعلّق التکلیف ؛ إذ یعتبر فی المکلّف به کونه مقدوراً علیه بتمام قیوده ، وعلیه لایصحّ أن تکون هی الجامع بین الأفراد أو کاشفاً عنه ؛ إذ الکاشف والمعرّف یعتبر فیه أن یکون ملازماً للمعرَّف بوجه ، انتهی .
وأنت خبیر : بأنّ الشیء إذا کان علّة لحصول أثر وحدانی ، أو کان الأثر الوحدانی قائماً به لابأس بوضع اللفظ لذات ذاک المؤثّر أو ما قام به الأثر ، ویمکن الإشارة إلیهما بالأثر والملاک ، ویتعلّق التکلیف بذاته من دون تقییده بالملاک والأثر .
هذا ، مضافاً إلی أنّه لو فرضناه قیداً للمأمور به یمکن تحصیله ، ولایلزم منه التکلیف بغیر المقدور ؛ لما نعلم من تعقّب هذه الأرکان بتصفیة الملائکة وشبهها ، فلا مانع لنا من تحصیل هذا القید أیضاً .
نعم ، الذی یرد علی ما ذکر ـ من تصویر الجامع بالبیان المذکور ـ أنّه لوصحّ فإنّما یصحّ فی الواحد البحت البسیط الذی لیس فیه رائحة الترکیب ـ تبعاً لبرهانها الذی یعرفـه أهل الفنّ ـ لا فی الواحد الاعتباری ، علی أنّ أثر الصلاة
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 102 بناءً علی ما ذکره کثیر ؛ إذ کونها ناهیة عن الفحشاء غیر کونها عمود الدین وهکذا ، فلو کان الکلّ صادراً عنها لزم أن یکون فیه حیثیات متکثّرة حسب تکثّر تلک الآثار ، مع بُعد التزامهم بجامع هذا حاله .
بل یمکن أن یقال : إنّه لا معنی لنهیها عن الفحشاء إلاّ کونها مانعة ودافعة عنها ، ومن المعلوم أنّ الفحشاء له أقسام وأنواع ، فإذن لابدّ أن تکون فیها حیثیات تکون بکلّ حیثیة ناهیة عن بعضها .
ودعوی : أنّ ذکر هذه الآثار فی کلام الشارع من قبیل التفنّن فی العبارة ، وإلاّ فالجمیع یرجع إلی معنی واحد ، ویشیر إلی شیء فارد ، وهو الکمال الحاصل للمصلّی بسبب عمله القربی ، تخرّص علی الغیب .
ومنها : ما عن بعض محقّقی العصر ؛ وهو أنّ الجامع لاینحصر فی العنوانی حتّی لا یلتزم به أحد ، ولا فی المقولی حتی یقال بأنّ الصلاة مرکّبة من مقولات مختلفة وهی متباینات ، ولا جامع فوق الأجناس العالیة ، بل هناک جامع آخر ؛ وهو مرتبة خاصّة من الوجود الجامع بین تلک المقولات المتباینة الماهیة . فتکون الصلاة أمراً بسیطاً خاصّاً یصدق علی القلیل والکثیر ؛ لکون ما به الاشتراک عین ما به الامتیاز ؛ فإنّ الوجود اُخذ لا بشرط .
إلی أن قال : إن قلت : بناءً علی هذا یکون مفهوم الصلاة ـ مثلاً ـ هو تلک الحصّة من الوجود الساری فی المقولات المزبورة ، وهو فاسد .
قلت : مفهوم الصلاة ـ کسائر مفاهیم الألفاظ ـ منتزع من مطابق خارجی ، ولکن عند التحلیل نقول : إنّه هو الحصّة الخاصّة المقترنة بالمقولات الخاصّة ، نحو
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 103 مفهوم المشتقّ فإنّه بسیط ، ولکنّه عند التحلیل یقال : إنّه مرکّب من ذات وحدث .
فاتّضح : أنّ هناک جامعاً لا ماهویاً ولا عنوانیاً ، وهو مرتبة خاصّة من الوجود الساری فی جملة من المقولات ، انتهی کلامه قدس سره .
وفیه غرائب من الکلام ، ویرد علیه اُمور :
منها : أنّ الحصّة الخارجیة لایمکن أن تنطبق علی الأفراد ؛ انطباق الکلّی علی أفراده .
ومنها : أنّ الوجود الخارجی کیف صار وجود المقولات المختلفة بالذات ، وما معنی هذا السریان المذکور فی کلامه ؟ ثمّ إنّ الوجود الخارجی إذا کان جامعاً ومسمّی بالصلاة فلازمه تعلّق الأمر إمّا به أو بغیره ، وفسادهما لایحتاج إلی البیان .
ومنها : أنّ ما ذکره أخیراً من أنّ مفهومها ـ کسائر المفاهیم ـ منتزع عن مطابقه الخارجی یناقض ما جعله جامعاً من الحصّة الخارجیة أو الوجود السعی .
وإن أراد من الحصّة الخارجیة الکلّی المقیّد علی وجه التسامح یصیر أسوأ حالاً من سابقه ؛ لأنّ الکلّی المقیّد یکون من سنخ المفاهیم ، فیکون مفهوم الصلاة مساوقاً لمفهوم الوجود المقیّد الذی لا ینطبق إلاّ علی تلک المقولات الخاصّة ، وهو لایلتزم بذلک . أضف إلیه : أنّ الجامع یصیر عنوانیاً ، مع أنّه بصدد الفرار عنه .
ثمّ إنّه قدس سره قاس الجامع فی الصلاة بالکلمة والکلام ؛ حیث قال : إنّ الجامع بین أفرادهما عبارة عن المرکّب من جزئین ، علی نحو یکون ذلک المعنی المرکّب بشرط شیء من طرف القلّة ولا بشرط من طرف الزیادة ، کذلک حال الجامع بین أفراد الصلاة ، انتهی .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 104 وأنت خبیر : بأنّه أیضاً لایغنی شیئاً ؛ إذ صدق الکلمة علی المختلفات لیس إلاّ لکونها عبارة عن لفظ موضوع لمعنی مفرد ، وهو صادق علی الجمیع ؛ حتّی البسائط من الکلمات ، لا لما ذکره قدس سره من أخذها لا بشرط من جانب الکثرة وبشرط لا من جانب القلّة . وبالجملة : لا أری لکلامه وجهاً صحیحاً . ولعلّ غموض المسألة وصعوبة تصویر الجامع دعاه إلی هذه التکلّفات ، أو قرع سمعه اصطلاح بعض فی الوجود الساری ، فاشتهی إیراده فی المقام ، مع کونه أجنبیاً منه .
ومنها : ما أفاده بعض الأعیان من المحقّقین ، ومحصّله : أنّ سنخ المعانی والماهیات علی عکس الوجود ؛ کلّما کان الإبهام فیها أکثر کان الشمول والإطلاق فیها أوفر ، فإن کانت الماهیات من الحقائق کان الإبهام فیها بلحاظ الطوارئ والعوارض مع حفظ نفسها ، وإن کانت من الاُمور المؤتلفة من عدّة اُمور ؛ بحیث تزید وتنقص کمّاً وکیفاً فمقتضی الوضع لها ؛ بحیث یعمّها أن تلاحظ علی نحو مبهم فی غایة الإبهام ، بمعرّفیة بعض العناوین غیر المنفکّة عنها کالخمر ؛ فهی مبهمة من حیث اتّخاذها من الموادّ المختلفة من العنب والتمر ، ومن حیث اللون والطعم ومرتبة الإسکار ، فلا یمکن وضعها للمایع الخاصّ إلاّ بمعرّفیة المسکریة ، من دون لحاظ الخصوصیة تفصیلاً .
وفی مثل الصلاة ـ مع اختلاف الشدید بین مراتبها ـ لابدّ أن یوضع لفظها لسنخ عمل معرّفه النهی عن الفحشاء والمنکر ، بل العرف لاینتقلون من سماعها إلاّ إلی سنخ عمل مبهم من جمیع الجهات ، إلاّ من حیث کونه مطلوباً فی الأوقات المعلومة ، وهذا غیر النکرة ؛ فإنّه لم یؤخذ فیها خصوصیة البدلیة ، انتهی .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 105 وفیه ـ بعد تسلیم تعاکس المعانی والوجودات فی الإطلاق والشمول ، مع غمض النظر عمّا یتوجّه إلیه ـ : أنّه علی أیّ حالٍ لابدّ للصلاة من جامع متواط یصدق علی أفراده ، ویکون أمراً متعیّناً متحصّلاً فی مقام تجوهر ذاتها ، یعرضه الإبهام بلحاظ الطوارئ والعوارض ، وإلاّ لزم أن یکون من قبیل الفرد المردّد ممّا دخل الإبهام فی حدّ ذاته ومرتبة تحصّله ، وقد فرّ منه قدس سره .
فحینئذٍ هذا الأمر الذی یسمّی جامعاً : إمّا یکون من العناوین الخارجیة أو مـن المقولات ، وکلاهما فاسدان کمالایخفی .
مع أنّه لم تنحلّ العقدة بما ذکره ، بل أوکل الأمر إلی معنی مبهم وأمر مجهول . بل الظاهر : أنّ کلامه لایخلو عـن مصادرة ، فتدبّر .
وبالجملة : أنّ ماهیة الصلاة تقال علی أفرادها بالتواطؤ ، فلابدّ لها من جامع صادق علیها ؛ بحیث یکون أمراً متعیّناً فی حدّ ذاته ـ ولو بالاعتبار ـ ویکون عروض الإبهام له بلحاظ الطوارئ والعوارض ؛ لوضوح أنّ الإبهام فی نفس الذات لایتصوّر إلاّ فی الفرد المردّد ، وقد عرفت أنّه قدس سره قد فرّ منه . فحینئذٍ : إمّا یقول بأنّه جامع عنوانی خارجی أو مقولی ، وقد علمت فسادهما .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 106