الثالث : الحقّ خروج أسماء الزمان من محطّ البحث
وهذا لأنّ جوهر ذاته جوهر تصرّم وتقضٍّ ، فلا یتصوّر له بقاء الذات مع انقضاء المبدأ ، وعلیه لایتصوّر له مصداق خارجی ولا عقلی کذلک ، ولا معنی لحفظ ذاته مع أنّه متصرّم ومتقضٍّ بالذات .
وقد اُجیب عن هذا الإشکال بأجوبة غیر تامّة :
منها : ما أفاده المحقّق الخراسانی من أنّ انحصار مفهوم عامّ بفرد ـ کما فی المقام ـ لایوجب أن یکون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العامّ ، کالواجب الموضوع للمفهوم العامّ مع انحصاره فیه تعالی .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 144 وأنت خبیر بضعفه ؛ إذ الغایة من الوضع هی إفهام ما یقع فی خاطر المتکلّم ـ ذهنیاً کان أو خارجیاً ـ وأمّا ما لا یحوم الفکر حوله ، ولیس له مصداق فی کلا الموطنین ـ کما عرفت فی الزمان ـ فالوضع له لغو وعاطل .
وأمّا مفهوم الواجب فلا نسلّم وحدة مصداقه ؛ إذ ما هو المنحصر هو الواجب بالذات دون الواجب مطلقاً ؛ حتّی الواجب بالغیر والواجب بالقیاس إلی الغیر ، والمرکّب من اللفظین ـ أعنی الواجب بالذات ـ لیس له وضع علی حدة .
وأمّا الشمس والقمر فلا یبعد کونهما عَلَمین کلفظ الجلالة ، وعلی فرض کونها موضوعة للمعانی الکلّیة ، کالذات الجامع للکمالات ، ولماهیة الشمس والقمر لعلّه للاحتیاج إلی إفهام معانیها العامّة أحیاناً ؛ لأنّ الأخیر ـ مثلاً ـ بالنظر إلی مفهومه لا یأبی عن الکثرة فی بدأ النظر ، وإنّما یثبت وحدته بالأدلّة العقلیة . فملاک الوضع موجود فی أمثال هذه الموارد ، بخلاف الزمان المبحوث عنه ؛ فإنّه آبٍ عن البقاء مع انقضاء المبدأ عند العقل والعرف ابتداءً ، فالفرق بین اللفظین واضح .
ومنها : ما عن بعض الأعاظم من أنّ أسماء الزمان مثلاً ـ کالیوم العاشر من المحرّم ـ وضـع لمعنی کلّی متکرّر فی کلّ سنة ، وکان ذلک الیوم الذی وقـع فیه القتل فرداً من أفراد ذاک المعنی العامّ المتجدّد فی کلّ سنة ، فالذات فی اسم الزمان إنّما هـو ذلک المعنی العامّ ، وهـو باقٍ حسب بقاء الحرکـة الفلکیة ، وقـد انقضی عنه المبدأ .
وفیه : أنّ الکلّی القابل للصدق علی الکثیرین ـ أی الیوم العاشر من المحرّم ـ غیر وعاء الحدث ، وما هو وعائه هو الموجود الخارجی ، وهو غیر باقٍ قطعاً .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 145 وبعبارة اُخری : أنّ الأمر الزمانی لابدّ وأن یحصل فی زمان خاصّ لا فی زمان کلّی . فعلی هذا ، إذا تعیّن الکلّی فی ضمن مصداق معیّن ، وفرضنا ارتفاع ذاک المصداق بارتفاع مبدئه ارتفع الکلّی المتعیّن فی ذلک المصداق والمصداق الآخر الذی فرض له مخالف مع الأوّل فی التشخّص والوجود ، فإذن لا معنی لبقائه مع انقضاء المبدأ ، وهو واضح .
ومنها : ما عن بعض الأعیان من أنّ اسم الزمان موضوع لوعاء الحدث من غیر خصوصیة الزمان والمکان ، فیکون مشترکاً معنویاً موضوعاً للجامع بینهما . فحینئذٍ عدم صدقه علی ما انقضی عنه المبدأ فی خصوص الزمان لایوجب لغویة النزاع .
ولکن هذا الکلام عن مثل هذا القائل بعید فی الغایة ؛ إذ الجامع الحقیقی بین الوعائین غیر موجود ، ووقوع الفعل فی کلٍّ غیرُ وقوعه فی الآخر ، والجامع العرضی الانتزاعی ـ کمفهوم الوعاء والظرف ـ وإن کان متصوّراً إلاّ أنّه بالحمل الأوّلی باطل جدّاً ؛ لأنّه خلاف المتبادر من اسمی الزمان والمکان ؛ ضرورة أنّه لایفهم من لفظ المقتل مفهوم وعاء القتل الجامع بینهما أو مفهوم ظرفه ، وأمّا أخذ الوعاء بالحمل الشائع فهو موجب لخصوصیة الموضوع له ، مع عدم دفع الإشکال معه .
هذا ، مضافاً إلی أنّ الظاهر : أنّ وعائیة الزمان إنّما هی بضرب من التشبیه لإحاطة الزمان بالزمانی إحاطة المکان بالمتمکّن ، وإلاّ فهو لیس ظرفاً فی الحقیقة ، بل أمر منتزع أو متولّد من تصرّم الطبیعة وسیلانها ، وتوضیحه موکول إلی محلّه .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 146 ومنها : ما أفاده بعض محقّقی العصر من أنّ الزمان هویة متّصلة باقیة بالوحدة الوجودیة ، وإلاّ لزم تتالی الآنات ، واستحالته معلومة کاستحالة الأجزاء الفردة ، وعلیه یکون الزمان بهویته باقیاً ؛ وإن انقضی عنه المبدأ ، ولولا کون الألفاظ موضوعة للمعانی العرفیة لقلنا بصدق اسم الزمان علی الهویة الزمانیة إلی آخر الأبد ، وکان مقتل الحسین علیه السلام ـ مثلاً ـ صادقاً علی الزمان إلی الأبد .
ولکن العرف بعد حکمه بأنّ للزمان قسمة ، وقسّمه إلی أقسام حسب احتیاجاته لم یجز ذلک ، ولکن إذا وقع القتل ـ مثلاً ـ فی حدّ من حدود الیوم فهو یطلق المقتل علی ذاک الیوم ؛ ولو بعد انقضاء التلبّس به ؛ لما یری من بقاء الیوم إلی اللیل ، انتهی ملخّصاً .
والظاهر : أنّ الخلط نشأ من عدم الوصول إلی أنّ أنظار أهل العرف ـ کالعقل ـ تتفاوت فی بقاء الزمان والزمانی ، وأنّهم یفرّقون بینهما .
توضیحه : أنّ العرف کما یدرک الوحدة الاتّصالیة للزمان کذلک یدرک تصرّمـه وتقضّیه ، ویری أوّل الیوم غیر وسطه وآخـره ، فإذا وقعت واقعـة فی حـدّه الأوّل لایری زمان الوقوع باقیاً وقد زال عنه المبدأ ، بل یری الیوم باقیاً وزمان الوقوع متقضّیاً .
وبین الأمرین فرق ظاهر ، وما هو معتبر فی بقاء الذات فی المشتقّ هو بقاء زمان الوقوع ـ أعنی بقاء الشخص الذی تلبّس بالمبدأ عیناً ـ وما نحن بصدده لیس کذلک ، فتدبّر .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 147