الثانیة : فی وضع الهیئات
ولیس هنا مانع إلاّ عدم إمکان تصوّرها فارقة عن الموادّ ، أو عدم إمکان التنطّق بها بلا مادّة .
ولکنّک خبیر بأنّهما غیر مانعین عن الوضع ؛ إذ للواضع تصوّرها أو التلفّظ بها
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 151 فی ضمن بعض الموادّ ، مع وضعها لمعنی من المعانی ، مع إلغاء خصوصیة المورد ؛ أعنی تلک المادّة .
هذا ، والمشتقّات اسمیة وفعلیة ، وقد مرّ بعض الکلام فی الاسمیة منها .
وأمّا الفعلیة منها : فهی إمّا حاکیات کالماضی والمضارع ، أو موجدات کالأوامر ، وسیأتی الکلام فی الثانیة فی محلّها ، فانتظر .
وأمّا الحاکیات : فالذی یستظهر من عبائر بعض النحاة کونها موضوعة بإزاء الزمان ـ إمّا الماضی أو المستقبل ـ أو بإزاء السبق واللحوق علی نسق المعانی الاسمیة ؛ بحیث یکون هناک دلالات ومدلولات من الحدث والزمان الماضی أو بدیله والصدور أو الحلول ، هذا ولکن الضرورة تشهد بخلافه .
والتحقیق : أنّ هیئات الأفعال کالحروف لا تستقلّ معانیها بالمفهومیة والموجودیة ، ویکون وضعها أیضاً ـ کالحروف ـ عامّاً والموضوع له فیها خاصّاً علی التفصیل السابق .
أمّا کون معانیها حرفیة : فلأنّ هیئة الماضی ـ علی ما هو المتبادر منها ـ وضعت للحکایة عن تحقّق صدور الحدث من الفاعل ، وهو معنی حرفی ، أو تحقّق حلوله کبعض الأفعال اللازمة ، مثل حسن وقبح ، ومعلوم : أنّ الحکایة لا تکون عنهما بالحمل الأوّلی بل بالشائع ، وهو حرفی عین الربط بفاعله . وکذا فی المضارع .
إلاّ أنّ الفرق بینهما : أنّ الأوّل یحکی عن سبق تحقّق الحدث ، والثانی عن لحوقه ، لکن لا بمعنی وضع اللفظ بإزاء الزمان أو السبق واللحوق ، بل اللفظ
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 152 موضوع لمعنی ینطبق علیهما ؛ فإنّ الإیجاد بعد الفراغ عنه سابق لا محالة ، والذی یصیر متحقّقاً بعد یکون لاحقاً .
ویمکن أن یقال بدلالتهما علی السبق واللحوق بالحمل الشائع ؛ فإنّهما بهذا الحمل من المعانی الحرفیة والإضافات التی لاتکون موجودة ومفهومة إلاّ تبعاً ، فیکون الماضی دالاًّ علی الصدور السابق بالحمل الشائع ، ولایلزم منه الخروج عن الحرفیة ولا الترکیب فیها .
والتحقیق : أنّ دلالة الأفعال علی الحدث وعلی سبق الصدور ولحوقه وعلی البعث إلیه لیست دلالات مستقلّة متعدّدة ، بل لها نحو وحدة ، فکما أنّ المادّة والهیئة کأنّهما موجودتان بوجود واحد قابل للتحلیل ، فکذلک أنّهما کالدالّتین بدلالة واحدة قابلة للتحلیل علی معنی واحد قابل له . بیانه : أنّ تحقّق الصادر والصدور لیس تحقّقین ، کما أنّ الحالّ والحلول کذلک ، لکنّهما قابلان للتحلیل فی ظرفه .
وعلی هذا هما دالاّن علی السبق واللحوق بالحمل الشائع ، ویستفاد من الماضی الصدور السابق بالإضافة حقیقة ، ومن المضارع الصدور اللاحق بالإضافة کذلک ، ولیس الزمان ـ ماضیاً کان أو مضارعاً ـ جزءً لمدلولهما ، بل من لوازم معناهما وتوابعه ؛ حیث إنّ وقوع الشیء أو لحوق وجوده یستلزمهما طبعاً . نعم لابدّ من الالتزام بتعدّد الوضع فی المتعدّی واللازم ؛ لأنّ قیام المبدأ بالذات فی الأوّل بالصدور وفی الثانی بالحلول .
والحاصل : أنّا لاننکر استفادة السبق والحدث أو الصدور أو الحلول من الماضی ـ مثلاً ـ بل ننکر تبادر هذه المعانی بنحو المعنی الاسمی وبنعت الکثرة ، بل المتبادر أمر وُحدانی ؛ وهو حقیقة هذه المعانی بالحمل الشائع ؛ وإن کان یتحلّل عند العقل إلی معانٍ کثیرة .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 153 وإن شئت فاستظهر الحال من لفظ الجسم ومعناه ؛ حیث إنّ معناه أمر مرکّب قابل للتحلیل ، وکذلک الفعل فیما نحن فیه .
نعم ، الفرق بینهما : أنّ لفظ «ضرب» کمعناه مرکّب من مادّة وصورة ، وکذا دلالته علی معناه دلالة واحدة منحلّة إلی دلالات متعدّدة دون لفظ «الجسم» ودلالته ، فکما أنّ وحدة حقیقة الجسم لاتنافی التحلیل کذلک وحدة فعل الفاعل ووحدة اللفظ الدالّ علیه لاتنافیه .
فتحصّل من جمیع ذلک : أنّ لحاظ التحلیل العقلی أوسع من متن الواقع ؛ إذ فیه یفکّ الصادر عن الصدور ، والحالّ عن الحلول ، والربط عن المربوط ، ویلاحظ کلّ واحد مستقلاًّ بالملحوظیة ، لکن إذا لوحظ الواقع علی ما هو علیه لایکون هناک تکثّر فی الصدور والصادر وأشباههما .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 154