استدلال المحقّق الشریف علی بساطة المشتقّ ونقده
ثمّ إنّ المحقّق الشریف استدلّ علی بساطة المشتقّ بامتناع دخول الشیء فی مفهوم الناطق ؛ لاستلزامه دخول العرض العامّ فی الفصل الممیّز ، ولو اعتبر ما صدق علیه الشیء انقلبت القضیة الممکنة إلی الضروریة ، انتهی .
وفیه مواقع للنظر :
أمّا أوّلاً : فلأنّ برهانه لایثبت إلاّ خروج الذات لا البساطة ، فلقائل أن یقول
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 169 ـ کما اختار بعضهم ـ : إنّ مفاده هو الحدث المنتسب إلی الذات بنحو یکون الحدث والنسبة داخلتین والذات خارجة . اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ الشریف بصدد إثبات خروج الذات لا البساطة ، وهو غیر بعید عن ظاهر کلامه ، فراجع محکی کلامه فی شرح «المطالع» .
وأمّا ثانیاً : فلأنّ المشتقّ بما له من المعنی الحدثی لایعقل أن یعدّ من مقوّمات الجوهر ؛ سواء کان بسیطاً أم مرکّباً ، فلو صحّ القول بنقله عن معناه علی البساطة فلیصحّ علی القول بالترکیب . نعم سیوافیک ـ بإذنه تعالی ـ أنّ المبدأ لا یشترط فیه سوی کونه قابلاً لاعتوار الصور والمعانی علیه ، وأمّا کونه حدثیاً فلیس بواجب ، بل هو الغالب فی مصادیقه .
وثالثاً : أنّ ما لفّقه بصورة البرهان ـ بعد الغضّ عن أنّه لیس برهاناً عقلیاً ، بل مآله إلی التمسّک بالتبادر عند المنطقیین ـ إنّما یتمّ لو کان مفاد المشتقّ مرکّباً تفصیلیاً ، وقد عرفت أنّه لا قائل به ظاهراً ، وأمّا علی ما اخترناه من کون المتبادر هو البسیط الانحلالی فلا .
توضیح ذلک : أنّ المحقَّق فی محلّه : هو أنّ ترکّب الجنس والفصل اتّحادی لا انضمامی ؛ لأنّ المادّة البسیطة إذا اتّصفت بالکمال الأوّل ـ أعنی الحرکة ـ وتوجّهت إلی صوب کمالاتها تتوارد علیها صور طولیة فی مـدارج سیرها ومراتب عـروجها ؛ بحیث تصیر فی کلّ مرتبـة عین صورتها علی نحو لا تقبل التعدّد والکثرة وجوداً ؛ وإن کانت تقبلها تحلیلاً . وهذا التدرّج والحرکة إلی أخذ الصور مستمرّ حتّی تصل إلی صورة لیست فوقها الصورة ، التی هی جامعة لکمالات
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 170 المراتب الأوّلیة ، لکن بنحو الأتمّ والأبسط .
وهذه الوحدة الشخصیة والبساطة لایتنافیان مع انتزاع حدود عن الذات المشخّصة ؛ لأنّ أجزاء الحدّ لم تؤخذ بنحو یوجب الکثرة الخارجیة حتّی یباینه بساطتها ، بل الحدّ وترکّبه إنّما هما بتعمّل من القوّة العاقلة الناظرة فی حقائق الأشیاء وکیفیة سیرها ، فتنزع من کلّ مرتبة جامعاً ومائزاً .
وعلیه : فکما أنّ البساطة الخارجیة لاتضادّ الترکّب التحلیلی کذلک وعاء المفاهیم ومدالیل الألفاظ ؛ فإنّ تحلیل المشتقّ لاینافی بساطة مفهومه وکونه أمراً وحدانیاً ؛ إذ تحلیل مفهوم المشتقّ إلی الذات والحدث وانتزاعهما منه لیس إلاّ کانتزاع الجنس والفصل عن الموجود البسیط المتّحد جنسه مع فصله .
وبعبارة ثانیة : أنّ الحدّ التامّ لابدّ وأن یکون محدّداً ومعرّفاً للماهیة علی ما هی علیها فی نفس الأمر ، ولو تخلّف عنها فی حیثیة مـن الحیثیات لم تکن تامّـاً . وماهیة الإنسان ماهیـة بسیطة یکون جنسها مضمَّناً فی فصلها ، وکذلک فصلها فی جنسها ؛ لأنّ مأخـذهما المادّة والصورة المتّحدتان ، ولابـدّ أن یکون الحدّ مفیداً لذلک .
فلو کانت أجزاء الحدّ حاکیة عن أجزاء الماهیة فی لحاظ التفصیل لم یکن تامّاً ، فلا محیص عن أن یکون کلّ جزء حاکیاً عن المحدود بما هو بحسب الواقع من الاتّحاد ، وهو لایمکن إلاّ بأن یکون الحیوان الناطق المجعول حاکیاً عن الحیوان المتعیّن بصورة الناطقیة ؛ أی المادّة المتّحدة بتمام المعنی مع الصورة .
فالذات المبهمة المأخوذة علی نحو الوحدة مع العنوان فی المشتقّ صارت متعیّنة بالتعیّن الحیوانی ، فکأنّه قال : الإنسان حیوان متلبّس بالناطقیة ، وکانت الناطقیة صورة لهما ، وهی متّحد معهما ، لا أنّه شیء والناطق شیء آخر .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 171 هذا کلّه راجع إلی الشقّ الأوّل من کلامه ، وبالوقوف والتأمّل فیما ذکرنا یظهر ضعف الشقّ الثانی أیضاً ؛ إذ الانقلاب إنّما یلزم لو کان الذات مأخوذاً بنحو التفصیل ؛ بحیث یصیر قولنا «زید ضارب» إخبارین : أحدهما الإخبار عن کون زید زیداً ، ثانیهما الإخبار عن کونه ضارباً .
وقد أشرنا إلی أنّ الترکّب انحلالی ، ولو سلّمنا کون الذات مأخوذاً تفصیلاً لایوجب ذلک کونه إخبارین ؛ ضرورة أنّ القائل بأنّ زیداً شیء له القیام ، ما أخبر إلاّ عن قیامه ، لا عن شیئیته ، ولو فرض أنّ ذلک إخباران وقضیتان : إحداهما ضروریة ، والاُخری ممکنة فأین الانقلاب ؟ !
ثمّ إنّ هنا برهاناً آخر لایقصر عن برهان الشریف ـ نقداً ودخلاً ـ وهو أنّ الضرورة قاضیة بأنّه لو قیل «الإنسان قائم» ، ثمّ قیل «الإنسان شیء أو ذات» ما فهم منه التکرار ، کما لو قیل : «إنّه إنسان ولیس بقائم» ما فهم منه التناقض ، وهما من آیات البساطة وعدم أخذ الذات أو مصداقها فیه .
وفیه : أنّ المذکور ینفی أخذ الذات فیه تفصیلاً دون ما ذکرنا ؛ لأنّه لاینقدح منه فی الذهن إلاّ معنی واحد ، والتناقض والتکرار فرع کونه إخبارین وقضیتین ، وقد تقدّم أنّ هنا إخباراً واحداً عن قیامه ، لاعن شیئیته وقیامه .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 172