الأوّل : فی أنّ هیئة الأمر موضوعة للبعث والإغراء
قد أسلفنا ما هو المختار فی مفاد الماضی والمضارع ، بقی الکلام فی هیئة الأمر ، فالتحقیق : أنّ مفادها إیجادی لا حکائی ، فهی موضوعة بحکم التبادر لنفس البعث والإغراء نحو المأمور به ، فهی کالإشارة البعثیة والإغرائیة ، وکإغراء جوارح الطیر والکلاب المعلّمة .
وإن شئت ففرّق بینهما : بأنّ انبعاث الحیوانات یکون بکیفیة الصوت والحرکات والإشارات المورثة لتشجیعها أو تحریکها نحو المقصود ، لکن انبعاث الإنسان بعد فهم بعث مولاه وإحراز موضوع الإطاعة لأجل مبادٍ موجودة فی نفسه ، کالخوف من عقابه وعذابه ، والرجاء لرحمته وغفرانه ورضوانه .
ولیس المراد من الإیجاد إیجاد شیء فی عالم التکوین ؛ حتّی یقال : إنّا لا نتصوّر له معنی ، بل المراد هو إیجاد بعث اعتباری فی دائرة المولویة والعبودیة
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 191 مکان البعث بالجوارح ؛ من یده ورِجله وغیرهما .
وقد عرفت نظائره فی حروف القسم والنداء ؛ فإنّها موجدات بنحو من الإیجاد لمعانیها ، وفی ألفاظ العقود والإیقاعات ؛ فإنّها عند العقلاء موضوعة لإیجاد الأمر الاعتباری من معانی البیع والإجارة والطلاق ، وقس علیه المقام .
وأمّا ما أفاده المحقّق الخراسانی من کونها موضوعة لإنشاء الطلب فغیر واضح المراد ؛ إذ المقصود من الطلب إن کان هو الطلب الحقیقی الذی هو عین الإرادة علی مسلکه ـ فیصیر مآله أنّها لإنشاء الإرادة ـ فهو واضح الفساد ؛ إذ لا معنی لإنشاء الإرادة التی هی أمر تکوینی ، أوّلاً . ویلزم أن یکون معنی «اضرب» هو اُرید منک الضرب ، مع أنّ التبادر علی خلافه ، ثانیاً .
وإن کان المراد هو الطلب الإیقاعی ـ کما هو غیر بعید من سوق کلامه ـ ففیه : أنّا لا نتصوّر هنا غیر البعث والإغراء شیئاً آخر حتّی نسمّیه طلباً إغرائیاً ، ولو فرض له معنی محصّل فیرد بحکم التبادر ؛ إذ هو غیر متبادر من الهیئة .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 192