الأوّل : فی تعیین محلّ النزاع
وبیان الوجوه المتصوّرة فیه ، فنقول :
الأوّل : أن یکون النزاع فی دلالة المادّة علی الطبیعة اللابشرطیة أو علی المکرّرة أو غیرها ، ویظهر من صاحب «الفصول» خروجها من حریم النزاع ؛ مستشهداً بنصّ جماعة ونقل السکّاکی الإجماع علی أنّ المصدر لایدلّ إلاّ علی نفس الطبیعة إذا تجرّد عن اللام والتنوین .
واستشکل علیه المحقّق الخراسانی بأنّ ذلک إنّما یتمّ لو کان المصدر أصلاً للمشتقّات ، لا أن یکون منها .
ویمکن دفعه بأنّ مادّة المصدر عین مادّة المشتقّات ؛ وإن لم یکن المصدر أصلاً لها .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 236 نعم ، یرد علیه : أنّه لایتمّ إلاّ إذا ضمّ علیه الإجماع ؛ بأنّ مادّته عین مادّة المشتقّات أو أنّ المصدر أصل المشتقّات ، وکلاهما ممنوعان ؛ لعدم الإجماع علی الوحدة فی المادّة ؛ إذ وحدة المادّة فی المشتقّات وإن صارت مسلّمة عند المتأخّرین لکن عند القدماء من أهل الأدب محلّ خلاف وتشاجر ، علی نحو مرّ فی المشتقّ لبّ الأقوال ، کما أنّ کون المصدر أصلاً مطلقاً ممّا لم یسلّم عند کثیر منهم .
الثانی : جعل معقد النزاع دلالة الهیئة علی الوحدة والتکرار ، وسیجیء توضیحه وردّه .
الثالث : أن یکون النزاع فی دلالة مجموع الهیئة والمادّة علی طلب الماهیة ؛ مرّة أو مکرّرة .
هذه هی الوجوه المتصوّرة ، ولکن لایصحّ کلّها ، بل لایعقل بعضها :
أمّا الأوّل : فلأنّک قد عرفت وضع المادّة لمعنی بسیط عارٍ عن کلّ قید ومجرّد عن کلّ شرط ؛ حتّی عن لحاظ نفسها وتجرّدها .
وأمّا الآخر : فلما مرّ فی أوائل الکتاب بأنّه لا وضع للمجموع بعد وضع المفردات ، علی تفصیل سبق ذکره .
فبقی الهیئة ، وکون دلالتها محلّ النزاع بعید جدّاً ؛ لأنّها وضعت لنفس البعث والإغراء ، کإشارة المشیر ، ومقتضی البعث إلی الماهیة المجرّدة هو إیجادها فی الخارج ، لا جعل الإیجاد جزء مدلوله اللفظی .
فحینئذٍ فالشیء الواحد من جهة واحدة لایعقل أن یتعلّق به البعث متعدّداً
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 237 علی نحو التأسیس ، ولا یکون مراداً ومشتاقاً إلیه مرّتین ؛ لما مرّ أنّ تعیّن الحبّ والإرادة والشوق من جانب المتعلّق ، فهی تابعة له فی الکثرة والوحدة ، فالشیء الواحد لا تتعلّق به إرادتان ولا شوقان ولا محبّتان فی عرض واحد .
نعم ، بناءً علی ما أفاده شیخنا العلاّمة من أنّ العلل التشریعیة کالتکوینیة فی أنّ تعدّد معالیلها بتعدّد عللها یکون للنزاع فیها مجـال ، لکن قد أوضحنا الفرق بین المقامین ، وقلنا بأنّهما متعاکسان ، فراجع .
فإن قلت : علی القول بکون الإیجاد جزء مدلولها یصحّ النزاع بأن یقال : إنّه بعد تسلیم وضعها لطلب الإیجاد هل هی وضعت لإیجاد أو إیجادات ؟
قلت : إنّ ذلک وإن کان یرفع غائلة توارد الإرادات علی شیء واحد ؛ إذ کلّ إیجاد یکون مقارناً مع خصوصیة وتشخّص مفقود فی آخر ، وبه یصحّ أن یقع مورد البعث والإرادة متکرّراً ، إلاّ أنّ الذی یضعّفه : ما أحطت به خُبراً فی تحقیق المعانی الحرفیة من أنّها غیر مستقلاّت مفهوماً وذهناً وخارجاً ودلالةً ، ولایمکن تقیید الإیجاد الذی هو معنی حرفی بالمرّة والتکرار إلاّ بلحاظه مستقلاًّ ، والجمع بینهما فی استعمال واحد غیر جائز .
وما مرّ منّا من أنّ نوع الاستعمالات لإفادة معانی الحروف ، وجوّزنا تقییدها بل قلنا : إنّ کثیراً من التقییدات راجع إلیها لاینافی ما ذکرنا هاهنا ؛ لأنّ المقصود
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 238 هناک إمکان تقییدها فی ضمن الکلام بلحاظ آخر .
وإن قلت : إنّ ذلک إنّما یرد لو کانت موضوعة للإیجاد المتقیّد بالمرّة والتکرار ؛ حتّی یستلزم تقیید المعنی الحرفی وقت لحاظه آلیاً ، لا ما إذا قلنا بأنّها موضوعة للإیجادات بالمعنی الحرفی ، وإن شئت قلت : بأنّه کما یجوز استعمال الحرف فی أکثر من معنی یجوز وضع الحرف لکثرات واستعمالها فیها .
قلت : ما ذکرت أمر ممکن ، ولکنّه خلاف الوجدان والارتکاز فی الأوضاع ، فلا محیص فی معقولیة النزاع عن إرجاعها إلی وضع المجموع مستقلاًّ ؛ بحیث یرجع القید إلی الجزء المادّی لا الصوری ، أو إلی نفس المادّة بأن یقال : إنّ لمادّة الأمر وضعاً علی حدة .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 239