الاُولی : فی تحریر محلّ النزاع
اختلفت کلماتهم فی تحریر محلّ البحث ؛ فعنونه فی «الفصول» بأنّ الأمر بالشیء إذا اُتی به علی وجهه هل یقتضی الإجزاء أو لا ؟ والمعروف بین المشایخ والمعاصرین هو أنّ الإتیان بالمأمور به علی وجهه هل یقتضی الإجزاء أم لا .
وربّما یفرّق بین التعبیرین : أنّ النزاع فی الأوّل فی دلالة الأمر ، فیکون البحث من مباحث الالفاظ والدلالات ، وفی الثانی فی أنّ الإتیان علّة للإجزاء ، فیکون عقلیاً .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 249 وفیه : أنّ جعل النزاع فی العنوان الأوّل فی دلالة لفظ الأمر بعید عن الصواب جدّاً ؛ أمّا عدم المطابقة والتضمّن فظاهران ؛ إذ لا أظنّ أن یتوهّم أحد أنّ الأمر بمادّته أو هیئته یدلّ علی الإجزاء إذا أتی المکلّف بالمأمور به علی وجهه ؛ بحیث یکون هذا المعنی بطوله عین مدلوله أو جزئه . وأمّا الالتزام فبمثل ما تقدّم .
وما یقال فی تقریبه من أنّ الأمر یدلّ علی أنّ المأمور به مشتمل علی غرض للآمر ، ولا محالة أنّ ذلک الغرض یتحقّق فی الخارج بتحقّق المأمور به ، وحینئذٍ یسقط الأمر لحصول الغایة ، مدفوع بأنّ عدّ تلک القضایا الکثیرة العقلیة من دلالة الأمر علیهما التزاماً ممّا لا مجال للالتزام به ؛ إذ جعلها من المدالیل الالتزامیة یتوقّف علی کونها من اللوازم البیّنة ؛ حتّی یجعل من المدالیل الالتزامیة بالمعنی المصطلح ، مع أنّ المقدّمتین المذکورتین فی کلامه قد تشاجرت فی صحّته الأشاعرة والمعتزلة ، فکیف یکون أمراً بیّن الثبوت ؟ !
هذا ، من غیر فرق بین إرجاع النزاع إلی الأوامر الاختیاریة الواقعیة أو الاضطراریة أو الظاهریة ؛ لأنّ دلالة الأمر لاتخرج من مادّته وهیئته ، فتدبّر .
کما أنّ جعل النزاع فی العنوان الثانی عقلیاً ـ کما استظهره القائل ـ لایصحّ فی جمیع الأقسام ؛ إذ النزاع عقلیاً إنّما یصحّ لو کان المراد مـن الإجـزاء بالإتیان هـو الإجزاء عـن الأمـر الذی امتثله ، وأمّا إجزاء المأتی به بالأمر الظاهری عن الواقعی والثانوی عن الأوّلی فلا محالة یرجع النزاع إلی دلالة الأوامر الاضطراریة والظاهریة علی الإجزاء ، بتنقیح موضوع الأوامر الاختیاریة والواقعیة بنحو الحکومة .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 250 وبالجملة : یلاحظ لسان أدلّتها بأنّه هل یدلّ علی التوسعة فی المأمور به أولا ؟ فلا محالة یکون من مباحث الألفاظ ، فحینئذٍ لایجوز عدّ الجمیع بحثاً عقلیاً . ولعلّه لأجل ذلک ذهب بعضهم إلی أنّ الجمع بین الإجزاء فی الأوامر بالنسبة إلی نفسها والإجزاء بالنسبة إلی أمر آخر ممّا لایمکن بعنوان واحد .
نعم ، ما ذکرناه وجهاً لجعل البحث فی الأمر الظاهری أو الواقعی الثانوی فی الدلالات اللفظیة من التوسعة ، وتنقیح الموضوع بالحکومة ممّا أحدثه المتأخّرون من الاُصولیین ، فلا یجوز حمل کلام القوم علیه .
کما أنّ ما نقلناه عن بعضٍ ؛ من عدم إمکان الجمع بین الواقعی الأوّلی وغیره ضعیف بإمکان تصوّر جامع بینهما ؛ بأن یقال : إتیان المأمور به علی وجهه هل یجزی أم لا ؟
وهذا جامع یشمل جمیع العناوین المبحوث عنها ، غایة الأمر أنّ الاختلاف فی طریق الاستدلال بما یناسب حال کلّ واحد ، ولایکون النزاع ابتداءً فی دلالة الأدلّة ، بل فی الإجزاء وعدمه ، فیکون الدلیل علی الإجزاء فی بعض الموارد حکم العقل ، وفی غیره ما تصوّره القائلون بالإجزاء ؛ من حدیث الحکومة والتوسعة ، ولاضیر فی کون بعض مصادیقه بدیهیاً دون بعضه ، بعد قابلیة الجامع للنزاع ، والخطب سهل .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 251