إنکار المحقّق النائینی الواجب المعلّق وردّه
وهم ودفع : أمّا الأوّل فهو ما أورده بعض الأعاظم ـ علی ما فی تقریراته ـ وعلیه بنی بطلان الواجب المعلّق فیما إذا کان القید أمراً غیر مقدور ، وحاصله : أنّ التکلیف فی القضایا الحقیقیة لابدّ وأن یکون مشروطاً بالنسبة إلی جمیع القیود المعتبرة فی الموضوع ، من غیر فرق فی ذلک بین الزمان وغیره .
مضافاً إلی أنّ الزمان من الاُمور غیر الاختیاریة ، فلابدّ من أخذه مفروض الوجود ، وإلاّ یلزم تکلیف العاجز . وحینئذٍ کیف یمکن القول بأنّ التکلیف بالنسبة إلی سائر القیود یکون مشروطاً ، وبالنسبة إلی خصوص الوقت مطلقاً ؟ وأیّ خصوصیة فی الوقت ؛ حیث تقدّم الوجوب علیه دون سائر القیود ، مع اشتراک الکلّ فی أخذه قیداً للموضوع ؟
ولیت شعری أیّ فرق بین الاستطاعة فی الحجّ والوقت فی الصوم ، بل الأمر فی الوقت أوضح ؛ لأنّه لایمکن إلاّ أخذه مفروض الوجود ؛ لعدم تعلّق القدرة علیه ، ولایمکن أن تتعلّق إرادة الفاعل به ؛ لکونه أمراً غیر اختیاری .
والحاصل : أنّ مبنی الإنکار هو أنّ کلّ قید غیر اختیاری لابدّ أن یؤخذ مفروض الوجود ، ومعه لایمکن تقدّم الوجوب علیه ؛ لأنّه یلزم الخلف ، انتهی .
قلت : إنّ ما ذکره مبنی علی ما أخذه قاعدة کلّیة فی باب الشروط من أنّ الشروط کلّها من قیود الموضوع ، کما ربّما یکرّر فی کلامه : أنّ الموضوع لوجوب الحجّ هو العاقل البالغ المستطیع ، مع أنّـه غیر واضح ؛ إذ القیود بحسب نفس
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 334 الأمر مختلف ، لایعقل إرجاع واحد منها إلی آخر ؛ فإنّ القیود المحصّلة لغرض المولی علی نحوٍ لولاها لما اتّصف بالمحبوبیة ـ کما مرّ فی نحو الصلاة فی المسجد ـ لا معنی لإرجاعها إلی الموضوع ، بل هی من قیود المتعلّق ؛ فإنّ الطبیعة المطلقة لیست مطلوبة حتّی تقع تحت دائرة الطلب .
کما أنّ القیود التی لا تنقدح الإرادة إلاّ عند وجودها ـ وإن کانت الطبیعة وافیة للغرض ـ من قیود الهیئة أو الموضوع علی اصطلاحه، لا من قیود المتعلّق ؛ إذ المفروض أنّه لا دخل له فی اتّصاف الموضوع بالمصلحة ، بل له دخل فی ظهور الإرادة وانقداحها وتعلّق البعث ، کنزول الضیف علی المولی ، علی ما تقدّم توضیحه .
فحینئذٍ سؤال الفرق بین الاستطاعة والزمان ـ علی فرض کونه دخیلاً فی تحصیل الغرض واتّصافه بالصلاح ـ عجیب جدّاً ؛ إذ الاستطاعة من شرائط انقداح الإرادة ، فلا تقع تحت الطلب ، دون الثانی .
وظنّی : أنّ الذی أوقعه فی الاشتباه هو تخیّل أنّ الأمر بالمقیّد أمر بنفس القید ، فتخیّل : أنّ الشیء الخارج عن تحت الاختیار والحاصل بنفسه ـ کالوقت ـ کیف یکون واجباً ویقع تحت البعث ؟
وقد مرّ : أنّ الأمر بالمقیّد لیس أمراً بنفس القید ، وإلاّ لم یبق فرق بین الجزء والشرط ، بل أمر بالتقیّد ، وقد تقدّم أنّ البعث إلی الشیء لایتجاوز عمّا تعلّق به ، وذات القید خارج والتقیّد داخل .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 335 وإیجاد القید وإن کان أمراً غیر اختیاری ـ کالزمان والسماء ـ إلاّ أنّ إیجاد الصلاة تحت السماء مقدور ، وإتیانها فی وقته المزبور ـ لا قبله ولا بعده ـ أمر ممکن . فلو فرضنا أنّ القید سیوجد فی ظرفه أو یمکن له الإیجاد فی وعائه یصیر الواجب بالنسبة إلیه مطلقاً ، لا مشروطاً .
فاتّضح صحّة تقسیم الواجب المطلق إلی المعلّق والمنجّز ؛ وإن کان عادم الثمرة بالنسبة إلی المقدّمات المفوّتة التی أثبتنا وجوبها ، فراجع .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 336