الواجب النفسی والغیری
من تقسیمات الواجب تقسیمه إلی واجب نفسی وغیری ، الظاهر : أنّ تقسیم الواجب إلی الأقسام لیس باعتبار الإرادة أو الغرض ؛ لأنّهما خارجان من اعتبار الوجوب والواجب ؛ لما عرفت من أنّ الحکم لیس هو نفس الإرادة أو هی بانضمام الإظهار ، بل أمر اعتباری عقلائی ینتزع عن نفس البعث .
بل التقسیم باعتبار البعث والوجوب ، فحینئذٍ یصحّ ما یدور فی الألسن من «أنّ النفسی ما اُمر به لنفسه ، والغیری ما اُمر به لغیره» ؛ وإن کان الأظهر تعریفهما بـ «أنّ البعث إذا تعلّق بشیء لأجل التوصّل إلی مبعوث إلیه فوقه فهو غیری ، و إن تعلّق به من غیر أن یکون فوقه مبعوث إلیه فهو نفسی» .
وبما ذکرنا یندفع ما ربّما یورد علی تعریف المشهور من استلزامه کون
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 343 الواجبات کلّها غیریاً ؛ لأنّه قد اُمر بها لأجل مصالح تترتّب علیها خارجاً ؛ لأنّک قد عرفت : أنّ التقسیم لیس باعتبار الإرادة فی کلّ من الفاعل والآمر ، ولا باعتبار الأغراض المتصاعدة إلی أن تبلغ إلی ما هو المقصود بالذات ، بل بالنظر إلی نفس الحکم الاعتباری ، باعتبار کون صدوره لأجل خطاب فوقه ، أو لا .
نعم ، یمکن تقسیمه باعتبار الإرادة إلی نفسی وغیری أیضاً ، فنقول : «النفسی ما تعلّقت به إرادة الإیجاد لأجل نفسه ، أو لأجل ما یترتّب علیه من الفوائد ، لا لأجل التوصّل إلی ما تعلّقت به إرادة إیجاد اُخری ، والغیری ما تعلّقت به إرادة لأجل التوصّل إلی ما تعلّقت به إرادة إیجاد فوقها» .
هذا هو الحال فی الإرادة الفاعلیة ، وقس علیه الآمریة .
هذا ، وقد عرفت : أنّ الملاک فی هذا التقسیم لیس باعتبار الإرادة ولا باعتبار کونه محبوباً بالذات أو بالغیر ؛ لأنّها إن صحّت فإنّما هی فی التقسیم بحسب الملاکات والأغراض ، بل التقسیم هنا باعتبار کون المقسم هو الحکم ، وقد تقدّم أنّ الخطاب وجعل الحکم باعتبار التوصّل إلی خطاب آخر فوقه غیری ، وجعله لا لأجل التوصّل إلیه نفسی .
مثلاً إذا أمر المولی عبده ببناء مسجد ولم یکن فوقه أمر آخر متوجّه إلی المأمور یکون ذلک نفسیاً ؛ وإن کان لأجل غرض ، کالصلاة فیه .
وإذا أمره أیضاً بإحضار الأحجار والأخشاب لأجل التوصّل إلی ذلک المبعوث إلیه یکون غیریاً ، کما أنّه إذا أمر ابتداءً أشخاصاً ، فأمر شخصاً بشراء الأحجار وآخر بإحضارها وثالثاً بتحجیرها تکون تلک الأوامر نفسیات ، ولکن إذا
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 344 أمر کلّ واحد منهم لأجل التوصّل إلی ذلک المبعوث إلیه الخاصّ بهم یکون غیریاً مع أنّ کلّها لأغراض ؛ وهی ترجع إلی غرض أقصی فوقها ، والأمر سهل .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 345