حول مقال صاحب الفصول
وهو القول الرابع الذی اختاره صاحب «الفصول» ؛ قائلاً بأنّ الإیصال قید للواجب ، واحتمال إرجاعه إلی الوجوب باطل جدّاً ؛ لأنّ شرط الوجوب لایحصل إلاّ بعد الإتیان ، فکیف یتقدّم الوجوب علی شرطه ؟ اللهمّ إلاّ أن یصار إلی الشرط المتأخّر ، وهو کما تری .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 370 وکیف کان : فقد اُورد علی کونها قیداً للواجب اُمور نذکر مهمّاتها :
منها : لزوم الدور ؛ لأنّ وجود ذی المقدّمة یتوقّف علی وجود المقدّمة ، ولو قلنا بقیدیة الإیصال یتوقّف وجودها علی وجود صاحبها .
وفیه : أنّ الموقوف غیر الموقوف علیه ؛ لأنّ وجود ذی المقدّمة موقوف علی ذات المقدّمة لا بقید الإیصال ، واتّصافها بالموصلیة متوقّف علی وجود ذی المقدّمة . وإن شئت قلت : إنّ متعلّق الوجوب أخصّ من الموقوف علیه ، ولاتکون المقدّمة بقید الإیصال موقوفاً علیها ؛ وإن کانت بقیده واجبة .
ومنه یظهر النظر فی کلام شیخنا العلاّمة حیث قال : إنّ الوجوب لیس إلاّ لملاک التوقّف ، فیکون اعتبار قید الإیصال فی متعلّق الوجوب لملاک التوقّف ، فیدور .
والجواب : أنّ مناط الوجوب لیس التوقّف علی مسلکه ، بل التوصّل إلی ذی المقدّمة ، فمتعلّقه أخصّ من التوقّف . بل دعوی بداهة کون المناط هو التوقّف تنافی ما اختاره فی باب وجوب المقدّمة من کون الواجب هو المقدّمة فی لحاظ الإیصال .
وربّما یقرّر الدور بأنّه یلزم أن یکون الواجب النفسی مقدّمة لمقدّمته واجباً بوجوب ناشٍ من وجوبها ، وهو یستلزم الدور ؛ لأنّ وجوب المقدّمة ناشٍ من وجوب ذیها ، فلو ترشّح وجوب ذی المقدّمة من وجوبها لزم الدور .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 371 وفیه : أنّ وجوب الواجب الناشئ منه وجوب المقدّمة لم ینشأ من وجوبها حتّی یدور .
ومنها : التسلسل وبیانه : أنّ الوضوء الموصل إلی الصلاة لو کان مقدّمة کان ذات الوضوء مقدّمة للوضوء الموصل ، فیعتبر فیه قید الإیصال أیضاً ، فینحلّ إلی ذات وإیصال ، فیکون الذات أیضاً مقدّمة لهما ، فیحتاج إلی إیصال آخر ، وهکذا .
ویمکن تقریره بوجه آخر وهو : أنّ المقدّمة الموصلة تنحلّ إلی ذات وقید ، وفی کلّ منهما مناط الوجوب للتوقّف ، فعلی وجوب المقدّمة الموصلة یجب أن تکون الذات بقید الإیصال واجبة ، وقید الإیصال أیضاً بقید إیصال آخر واجباً ، فیتقیّد کلّ منهما بإیصال آخر ، وهلمّ جرّا .
والجواب عن التقریر الأوّل : أنّ الواجب بالأمر الغیری علی هذا المسلک هو المقدّمة الموصلة إلی الواجب النفسی لا المقدّمة الموصلة إلی المقدّمة ، وعلیه فالذات لم تکن واجبة بقید الإیصال إلی المقیّد ، بل واجبة بقید الإیصال إلی ذیها ، وهو حاصل بلا قید زائد ، بل لایمکن تقیید الموصل بالإیصال .
وأمّا عن ثانی التقریرین فبأن یقال : إنّ الواجب هو المقدّمة الموصلة بهذا الإیصال لا بإیصال آخر حتّی یلزم التسلسل ، بل لا معنی لإیصال آخر ؛ لأنّ تکرّر الإیصال إلی المطلوب ممتنع ، فلا یعقل تقیید الإیصال بإیصال آخر ، ولا تقیید الذات بإیصال زائد علی هذا الإیصال ؛ لامتناع تکرّر الموصل والإیصال ، وهو واضح .
ومنها : أنّه یستلزم أن یکون الشیء الواحد واجباً نفسیاً وغیریاً ؛ حیث جعل ذو المقدّمة من مبادئ مقدّمته ، وبه یصیر واجباً غیریاً ، کما هو واجب نفسی ، بل
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 372 یتعلّق به وجوبات غیریة بعدد المقدّمات .
وأفحش منه : أنّه یستلزم أن یکون ذو المقدّمة موصلاً إلی نفسه .
والجواب : أنّ المتّصف بالوجوب هو الشیء الذی یوصل إلی الصلاة ؛ بحیث یتحقّق فیه أمران : أحدهما کونه موقوفاً علیه ، وثانیهما کونه موصلاً إلی الصلاة ، ونفس الصلاة لیست موقوفاً علیها ولا موصلة إلی نفسها ، وتوقّف وصف المقدّمة علی وجوده لایستلزم تعلّق الوجوب علیه .
ومنها : ما عن المحقّق الخراسانی من أنّه لایعقل أن یکون الغرض الداعی إلی إیجاب المقدّمات هو ترتّب الواجب علیها ؛ فإنّ الواجب ـ إلاّ ما قلّ کالتولیدیة ـ تتوسّط الإرادة بینه وبین مقدّماتها ، والالتزام بوجوب الإرادة التزام بالتسلسل .
قلت : الظاهر أنّه ناشٍ من وقوع خلط فی الإیصال ؛ فإنّ المراد منه ما یکون موصلاً ـ ولو مع الوسائط ـ ویتعقّبه الواجب قطعاً . فالخطوة الاُولی فی السیر إلی غایة ـ مثلاً ـ قد تکون موصلة ـ ولو مع وسائط ـ وقد لاتکون موصلة ، والواجب هو القسم الأوّل .
وأمّا ما ربّما یکرّر فی کلماته من عدم اختیاریة الإرادة وکونها غیر قابلة لتعلّق الأمر بها فقد عرفت خلافه آنفاً . کیف ، والتعبّدیات کلّها من هذا الباب ؟ وقد وقعت القصد مورد الوجوب ، وقد أوضحنا حقیقة الإرادة واختیاریتها فی مباحث الطلب والإرادة .
علی أنّ الإشکال فیها مشترک الورود ؛ إذ بناءً علی وجوب المقدّمة المطلقة تکون الإرادة غیر متعلّقة للوجوب أیضاً ؛ لاستلزامه التسلسل علی مبناه .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 373 ومنها : أنّ الإتیان بالمقدّمة ـ بناءً علی وجوب خصوص الموصلة ـ لایوجب سقوط الطلب منها حتّی یترتّب الواجب علیها ، مع أنّ السقوط بالإتیان واضح ، فلابدّ وأن یکون لأجل الموافقة .
وفیه : أنّه مصادرة ؛ إذ القائل بوجوب المقدّمة الموصلة لایقول بسقوط مالم یحصل الوصف ولم یتحقّق القید ، کما هو الحال فی جمیع المقیّدات ؛ إذ الأمر متعلّق بإتیان المقیّد ، والذات لم یتعلّق بها أمر علی حدة ، کذات المقدّمة علی القول بالمقدّمة الموصلة .
فتلخّص : أنّه لا مانع علی القول بوجوب الموصلة من المقدّمات ثبوتاً ، وأمّا مقام الإثبات فسیجیء توضیح الحال فیه .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 374