ثمرة القول بالمقدّمة الموصلة
بقی شیء : وهو البحث عن ثمرة المقدّمة الموصلة ، وهی تظهر فی تصحیح العبادة ، بناءً علی أنّ ترک الضدّ مقدّمة لفعل الضدّ الآخر ، فعلی القول بالمقدّمة المطلقة تقع العبادة منهیاً عنها ، فتفسد لو أتی بها ، وأمّا علی الموصلة فبما أنّ الواجب هو الترک الموصل فلا یقع حراماً إلاّ إذا ترتّب علیه الواجب ، فلو تخلّف لایکون ترکه واجباً ، فلا یکون فعله حراماً حتّی یفسد .
وأورد علیه الشیخ الأعظم : بأنّ فعل الضدّ وإن لم یکن نقیضاً للترک الواجب مقدّمـة ـ بناءً علی المقدّمـة الموصلـة ـ إلاّ أنّه لازم لما هـو مـن أفراد النقیض ؛ حیث إنّ نقیض ذاک الترک الخاصّ رفعه ، وهـو أعمّ مـن الفعل والترک المجرّد ، وهـذا یکفی فی إثبات الحرمة ، وإلاّ لم یکن فاسداً فیما إذا کان الترک المطلق واجباً ؛ لأنّ الأمر الوجودی لایکون نقیضاً ؛ لأنّ نقیض الترک رفعه . نعم هو یلازم ذلک ، انتهی .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 383 ویمکن أن یورد علیه : بأنّا لا نسلّم أنّ میزان النقیض ما ذکره ، بل النقیضان هما المتقابلان إیجاباً وسلباً أو نقیض الشیء أعمّ من رفعه أو کونه مرفوعاً به ، فحینئذٍ نقیض تـرک الصلاة هـو فعل الصلاة ، فإذا وجب الترک حرمت الصلاة ، فتصیر باطلة .
وأمّا نقیض الترک الموصل فلا یمکن أن یکون الفعل والترک المجرّد ؛ لأنّ نقیض الواحد واحد ، وإلاّ لزم إمکان اجتماع النقیضین وارتفاعهما ، فلا محالة یکون نقیض الترک الموصل ترک هذا الترک المقیّد ، وهو منطبق علی الفعل بالعرض ؛ لعدم إمکان انطباقه علیه ذاتاً ؛ للزوم کون الحیثیة الوجودیة عین الحیثیة العدمیة ، والانطباق العرضی لایوجب سرایة الحرمة ، فتقع صحیحة .
وخلاصة الفرق بین المقامین : أنّ الفعل یمکن أن یکون نقیضاً للترک المطلق ؛ لأنّ المیزان هو التقابل سلباً وإیجاباً لا رفعه فقط ، وأمّا الفعل فی الترک الخاصّ فلازم للنقیض ؛ أعنی ترک الترک الخاصّ . ولیس النقیض هو الأعمّ من الفعل والترک المجرّد ؛ لاستلزامه کون نقیض الواحد اثنین ، وهو یساوق إمکان اجتماع النقیضین وارتفاعهما ؛ إذ نفس الفعل والترک المجرّد فی مرتبة واحدة ، فلا مناص عن جعلهما لازمی النقیض ؛ دفعاً للمحذور المتقدّم . فإذا کان النقیض بالبرهان المذکور هو ترک الترک الخاصّ فانطباقه علی الفعل عرضی لا ذاتی ، وإلاّ یلزم کون الحیثیة الوجودیة عین العدمیة .
وبذلک یظهر النظر فیما أورده المحقّق الخراسانی ؛ ردّاً علی الشیخ الأعظم ، بأنّ الفعل وإن لم یکن عین ما یناقض الترک المطلق مفهوماً لکنّه متّحد معه عیناً وخارجاً ، فیعانده وینافیه ، وأمّا الفعل فی الترک الموصل فلا یکون إلاّ مقارناً لما هو
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 384 النقیض من رفع الترک المجامع معه أحیاناً بنحو المقارنة ، وفی مثله لایوجب السرایة ، انتهی .
قلت : لا أدری بماذا اعتمد قدس سره فی تعیین النقیض ؟ ! فإن قال : إنّ النقیضین ما یتحقّق بینهما تقابل الإیجاب والسلب ، من دون التزام بأنّ نقیض کلّ شیء رفعه ، بل التزم بکونه أعمّ من رفعه أو مرفوعه فحینئذٍ فالفعل عین النقیض فی الترک المطلق ؛ لتحقّق الإیجاب والسلب بینهما ، فلا معنی إذن لقوله إنّ الفعل وإن لم یکن عین ما یناقض الترک المطلق .
وإن اختار : أنّ نقیض الشیء رفعه فقط ونقیض الترک هو رفعه لا مرفوعه فلا معنی لقوله ، لکنّه متّحد معه عیناً وخارجاً فیعانده ؛ إذ ترک الترک أو رفع الترک لایمکن أن یتّحد مع الفعل خارجاً ؛ اتّحاداً ذاتیاً ؛ لأنّ حیثیة الوجود یمتنع أن یتّحد ذاتاً مع الرفع . ولو کفی الاتّحاد غیر الذاتی فی سرایة الحکم یکون متحقّقاً فی الترک الموصل بالنسبة إلی الفعل ؛ فإنّه أیضاً منطبق علیه بالعرض .
وأعجب منه قوله : إنّه من قبیل المقارن المجامع معه أحیاناً ؛ إذ الفعل مصداق الترک الموصل بالعرض دائماً ومنطبق علیه کذلک دائماً ، من غیر انفکاک بینهما .
نعم ، قد لایکون المصداق ـ أعنی الصلاة ـ متحقّقاً ، وعدم انطباق النقیض ـ أی رفع الترک ـ علیه إنّما هو بعدم الموضوع ، ومثل ذلک لایوجب المقارنة ؛ إذ العناوین لاتنطبق علی مصادیقها الذاتیة أیضاً حال عدمها ، فما الظنّ بالمصادیق العرضیة ؟ !
وتوضیح الحال مع تحقیقها : أنّه قرّر فی محلّه أنّ حقیقة الوجود هی عین
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 385 حیثیة الإباء عن العدم ، وأنّ الجهة الثبوتیة لایعقل أن یکون ـ بما هی جهة وجودیة ـ منشأ لانتزاع الأعدام . وما شاع فی ألسنة المحصّلین من أنّ وجود أحد الضدّین عین عدم الآخر أو راسمه فلابدّ أن یحمل علی التشبیه والمجاز .
فحینئذٍ إمّا أن نقول : إنّ نقیض کلّ شیء رفعه ؛ بمعنی أنّ نقیض الفعل هو الترک ، ولکن نقیض الترک لیس الفعل بل هو ترک الترک ، وقس علیه العدم .
و إمّا أن نقول : بأنّـه أعمّ مـن رفعه أو مرفوعـه ؛ فنقیض الترک ـ حینئذٍ ـ هـو الفعل .
أمّا علی الأوّل : فإن قلنا إنّه یشترط فی فساد العبادة کونها مصداقاً بالذات للمحرّم لا ملازماً لما هو حرام فتصحّ الصلاة علی کلا الرأیین فی باب وجوب المقدّمة ؛ إذ الحیثیة الوجودیة الصلاتیة لایعقل أن تکون نفس العدمیة ـ أعنی ترک الترک ـ الذی هو نقیض لترک الفعل المفروض وجوبه ، بناءً علی المقدّمیة .
وإن قلنا بکفایة الانطباق فی الجملة فلا یصحّ علی القولین :
أمّا علی وجوب المقدّمة المطلقة فلملازمتها لترک الترک دائماً ، وقد فرضنا عدم اشتراط المصداقیة وکفایة التلازم الوجودی .
وأمّا علی وجوب المقدّمة الموصلة : فلأنّ المقارن لترک الترک المقیّد وإن کان أعمّ من الفعل أو الترک المجرّد إلاّ أنّ الفعل مهما قارن النقیض یصیر محرّماً للانطباق العرضی ، وعدم اتّصافه بالحرمة فیما إذا قارن الترک المجرّد لیس إلاّ لفقدان الموضوع ، فلا یضرّ بما إذا کان موجوداً .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 386 نعم ، لنا کلام فی باب الضدّ ؛ وهو أنّ العدم لاینطبق علی الوجود بنحو من الأنحاء ولا یقارنه ولایلازمه ، وما ذکر هنا مبنی علی الغضّ عنه .
وأمّا علی القول الثانی فی أخذ النقیض ـ وهو کفایة تحقّق الإیجاب والسلب بین الشیئین ـ فإن قلنا بأنّه یشترط فی فساد العبادة کونها نقیضاً للواجب فلابدّ أن یفصّل بین القولین ؛ إذ الصلاة علی قول المشهور تکون نقیضاً حقیقیاً لترک الصلاة الذی هو واجب من باب المقدّمة علی الإطلاق ، بخلافها علی القول بوجوب ترک الصلاة الموصل ، فإنّها لاتکون نقیضاً ؛ إذ الوجود المطلق لایکون نقیضاً للترک المقیّـد بل نقیضه لابدّ أن یکون شیئاً آخر ؛ وهو رفع هذا الترک المقیّد ، وعلیه لا وجه لفسادها .
وأمّا إذا اکتفینا بالمقارنة والملازمة ـ مع الغضّ عمّا سیأتی ـ فتفسد وتحرم علی کلا الرأیین .
نعم ، هنا کلام لبعض الأعیان من المحقّقین فی تعلیقته الشریفة ، وحاصله : أنّ المراد من المقدّمة الموصلة : إمّا العلّة التامّة ، وإمّا المقدّمة التی لاتنفکّ عن ذیها :
فعلی الأوّل تکون المقدّمة الموصلة للإزالة ترک الصلاة ووجود الإرادة ونقیض المجموع من الأمرین مجموع النقیضین ، وإلاّ فلیس لهما معاً نقیض ؛ لأنّ المجموع لیس موجوداً علی حدة حتّی تکون له نقیض ، فحینئذٍ یکون نقیض ترک الصلاة فعلها ، ونقیض إرادة ذی المقدّمة عدمها . فإذا وجب مجموع العینین بوجوب واحد حرم مجموع النقیضین بحرمة واحدة ، ومن الواضح تحقّق مجموع الفعل وعدم الإرادة عند إیجاد الصلاة .
وعلی الثانی : فالمقدّمـة هـو الترک الخاصّ ؛ وحیث إنّ الخصوصیة ثبوتیـة
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 387 فالترک الخاصّ لا رفـع لشیء ولا مرفـوع بشیء ، فلا نقیض له بما هـو ، بل نقیض الترک هـو الفعل ونقیض الخصوصیـة عدمها ، فیکون الفعل محـرّماً بوجوب نقیضـه . ومـن الواضـح أنّ الفعل مقترن بنقیض الخصوصیـة المأخـوذة فی طـرف الترک ، انتهی .
وأنت خبیر بما فیه من الضعف :
أمّا أوّلاً : فلما مرّ من أنّ المناط عند العقل هو حیثیة الإیصال ، لا العلّة التامّة ولا المقدّمة الفعلیة غیر المنفکّة .
وثانیاً : أنّ وحدة الإرادة کاشفة عن وحدة المراد ؛ لأنّ تشخّصها به ، وتکثّرها تابع لتکثّره ، کما مرّ غیر مرّة . وعلیه فلا یقع المرکّب الاعتباری موضوعاً للحکم بنعت الکثرة ، بل لابدّ من وجود وحدة حرفیة فانیة فی متعلّقها تجمع شتاته وتجعلها موضوعاً واحداً ، ویصیر ـ حینئذٍ ـ نقیضه رفع هذا الموضوع الوُحدانی الاعتباری ، لا رفع کلّ جزء .
وبعبارة أوضح : الموضوع الواحد الاعتباری نقیضه رفع ذاک ، لافعل الصلاة وعدم الإرادة مثلاً ؛ ضرورة أنّ نقیض کلّ شیء رفعه أو کونه مرفوعاً به ، ولیست الصلاة رفع هذا الواحد الاعتباری ولا مرفوعة به ؛ أمّا عدم کونها رفعاً فواضح ، وأمّا عدم کونها مرفوعة به فلأنّ الترک الخاصّ أمر وجودی ـ مثل الصلاة ـ فلا یصیر رفعاً لها .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 388 وقس علیه الحال فی المقدّمة الخاصّة ـ أی الترک غیر المنفکّ ـ فإنّه فی مقام الموضوعیة للإرادة الواحدة غیر متکثّر ونقیضه عدم هذا الواحد ، والمفردات فی مقام الموضوعیة غیر ملحوظة بحیالها حتّی تلاحظ نقائضها .
نعم ، مع قطع النظر عن الوحدة الاعتباریة یکون نقیض الترک هـو الفعل ونقیض الخصوصیـة عدمها ، ولکـن لم یکن للخاصّ ـ حینئذٍ ـ وجـود حتّی یکون له رفع .
فظهر بما ذکرنا بطلان ما رتّب علیه من حرمة الصلاة وفسادها ؛ حتّی علی القول بالمقدّمة الموصلة ؛ لأنّ وجود الصلاة علی هذا المبنی لیس نقیضاً للواحد الاعتباری ؛ لما عرفت من أنّ نقیضه رفع الواحد الاعتباری ، بل مقارن للنقیض ؛ بمعنی أنّ رفعه ینطبق علی الصلاة عرضاً وعلی الترک المجرّد ، فلا تفسد لولم نکتف بالمقارنة فی البطلان .
وهذا بخلاف ما إذا قلنا بوجوب مطلق المقدّمة ؛ لأنّ الإیجاب ـ أعنی فعل الصلاة ـ نقیض لمطلق ترکها ، فتدبّر حول ما ذکرنا ؛ إذ به یتّضح أیضاً إشکال ما فی تقریرات بعض المحقّقین قدس سره .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 389