الواجب الأصلی والتبعی
الظاهر : أنّ التقسیمات الواقعة فی کلمات القوم فی هذا الباب کلّها أو جلّها راجعة إلی مقام الإثبات والدلالة ، فیقال : الواجب إن فهم وجوبه بخطاب مستقلّ فأصلی وإلاّ فتبعی ، وهذا تقسیم معقول فی مقابل سائر التقسیمات ، وإن لم یترتّب علیه أثر مرغوب .
ویظهر من المحقّق الخراسانی : کون التقسیم بحسب مقام الثبوت ؛ حیث أفاد : أنّ الشیء تارة یکون متعلّقاً للإرادة والطلب مستقلاًّ ؛ للالتفات إلیه بما هو علیه ممّا یوجب طلبه فیطلبه ـ کان طلبه نفسیاً أو غیریاً ـ واُخری یکون متعلّقاً لها تبعاً لإرادة غیره ، من دون التفات إلیه بما یوجب إرادته . ثمّ قال : لا شبهة فی اتّصاف النفسی بالأصالة ؛ لأنّ ما فیه المصلحة النفسیة یتعلّق به الطلب مستقلاًّ ، انتهی .
وفیه : أنّ الاستقلال إن کان بمعنی الالتفات التفصیلی فهو فی قبال الإجمال والارتکاز ، لاعدم الاستقلال بمعنی التبعیة ، فیکون الواجب النفسی أیضاً تارة مستقلاًّ واُخری غیر مستقلّ ، مع أنّه لا شبهة أنّ إرادته أصلیة لا تبعیة .
وإن کان الاستقلال فی النفسی بمعنی عدم التبعیة فلا یکون الواجب الغیری مستقلاًّ ؛ سواء التفت إلیه تفصیلاً أولا .
ووجّه بعض الأعیان من المحقّقین فی تعلیقته الشریفة : کون التقسیم بحسب الثبوت بما یلی ؛ بأنّ للواجب بالنسبة إلی المقدّمات جهتین : إحداهما العلّیة الغائیة ؛
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 390 حیث إنّ المقدّمة تراد لمراد آخر لا لنفسها بخلاف ذیها ، والثانیة العلّیة الفاعلیة ؛ وهی أنّ إرادة ذیها علّة لإرادة مقدّمته ، ومنها تترشّح علیها . والجهة الاُولی مناط الغیریة والجهة الثانیة مناط التبعیة ، انتهی .
وما أسلفناه من امتناع تولّد إرادة من اُخری من غیر أن یحتاج إلی مقدّماتها ؛ من التصوّر والتصدیق بالفائدة وغیرهما من المبادئ کافٍ فی إبطال الجهة الثانیة التی جعلها مناط التبعیة ، مع أنّ کلامه لایخلو عن تهافت یظهر بالمراجعة .
ثمّ إنّه لا أصل هنا ینقّح به موضوع الأصلیة والتبعیـة لـو ترتّب علی الإحـراز ثمرة ؛ سواء کان المناط فی التقسیم ما استظهرناه ، أو ما ذکره المحقّق الخراسانی ، أو ما ذکره المحقّق المحشّی ؛ وسواء کان الأصلی والتبعی وجودیین أو عدمیین أو مختلفین .
والتمسّک بأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة به ـ علی القول بکون التبعی عدمیاً ـ تشبّث بأصل مثبت أو بما لیس له حالة سابقة ؛ لأنّ الموجبة المعدولة کالواجب المتعلّق به إرادة غیر مستقلّة أو الموجبة السالبة المحمول ، کما تقول : الواجب الذی لم یتعلّق به إرادة مستقلّة ممّا لم تتحقّق فیها حالة متیقّنة حتّی نأخذ بها . والسالبة المحصّلة لایثبت کون الإرادة الموجودة متّصفة بشیء ، کما سیجیء تفصیله ؛ وإن کان الأظهر حذف السالبة المحصّلة من المقام ؛ لأنّ عدم تفصیلیة القصد والإرادة فی التبعی ، أو عدم ترشّح الإرادة من إرادة اُخری فی الأصلی لایمکن جعلهما من السوالب المحصّلة ؛ إذ لازمه کون التبعیة حیثیة سلبیة محضة ، وهو کما تری .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 391