تزییف الوجه الأوّل بعدم تمامیة الاُمور المتوقّفة علیها
هذا ، واستدلّ القائل علی إثبات المقدّمة الاُولی : بأنّ الضدّین متمانعان ، وعدم المانع من المقدّمات .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 409 قلت : قد ناقش فیه القوم وأوردوا علیه وجوهاً ثلاثة :
الأوّل : ما عن المحقّق الخراسانی من أنّ المعاندة بین الشیئین لا تقتضی إلاّ عدم اجتماعهما فی التحقّق ، وحیث لا منافاة بین أحد العینین مع نقیض الآخر ـ بل بینهما کمال الملائمة ـ کان أحد العینین مع نقیض الآخر فی مرتبة واحدة .
وأورد علیه المحقّق المحشّی : أنّ کمال الملائمة لاینافی التقدّم والتأخّر ؛ لأنّ العلّة لها کمال الملائمة مع معلولها ، وهو لایوجب الاتّحاد فی الرتبة .
ولکـن یمکن أن یقال فی تقریر مقالـة الخراسانی : أنّ الحمل الصناعی ینقسم إلی حمل بالذات ؛ وهو ما یکون الموضوع فیه مصداقاً للمحمول بذاتـه ، بلا ضمّ حیثیة زائدة علی ذاته ، کما فی «زید إنسان» ، وإلی حمل بالعرض ، وهو ما یحتاج إلی حیثیة زائدة حتّی یصیر مصداقاً له بتبعه ، کما فی قولک «الجسم أبیض» ؛ إذ کون الجسم من حیث ذاته لایکفی فی مصداقیته له مالم یتخصّص بخصوصیة زائدة علی ذاته .
فحینئذٍ : فالسواد وإن لم یصدق علی البیاض إلاّ أنّ عدم السواد یصدق علیه حملاً بالعرض لابالذات ؛ إذ حیثیة الوجود الذی هو عین الطاردیة للعدم والمنشئیة للأثر تمتنع أن تکون عین عدم الآخر بالذات ، لکن یتّحدان بالعرض ، ویکون وجوده راسم عدمه .
فحینئذٍ فالحمل بینهما کاشف عن اتّحادهما فی الخارج ؛ اتّحاداً مصداقیاً بالعرض ، وما یقع فی سلسلة العلل من المقتضیات والمعدّات وعدم الموانع لایعقل
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 410 أن تتّحد مع معلوله فی الخارج ـ ولو بالعرض ـ إذ العلّة مقدّمة علی معلولها عقلاً ، ومعنی هذا التقدّم کون وجود المعلول ناشئاً منه ومفاضاً عنه ، وما هذا شأنه لایعقل أن یتّحد مع المتأخّر عنه ؛ إذ الاتّحاد ـ کما هو مفاد الحمل ـ یأبی أن یکون أحدهما مقدّماً والآخر مؤخّراً ؛ وإن کان رتبیاً .
وبعبارة أوجز : أنّ السواد لایصدق علی البیاض وإلاّ اجتمع الضدّان ، ومع عدم صدقه لابدّ وأن یصدق علیه نقیضه ، وإلاّ ارتفع النقیضان ، والصدق یقتضی الاتّحاد وهو ینافی التقدّم والتأخّر رتبة ، فثبت اتّحادهما رتبة .
هذا ، ولکنّه أیضاً لایخلو من إشکال ؛ لما عرفت أنّ قوام الحمل الصناعی بالعرض إنّما هو بتخصّص الموضوع بحیثیة زائدة حتّی یصیر مصداقاً عرضیاً ببرکتها ، والمفروض أنّ وجود الضدّ لیس عین عدم الآخر ، فلا محیص عن القول بالتخصّص واتّصاف الموضوع بحیثیة زائدة .
ولکنّه فی المقام ممتنع ؛ إذ الأعدام ـ سواء کانت مطلقة أم غیرها ـ لیست لها حیثیة واقعیة حتّی یتخصّص به البیاض ویحمل علیه علی نحو الاتّصاف أنّه عدم سواد ؛ إذ الأعدام باطلات صرفة وعاطلات محضة ، ولا معنی فیها للاتّحاد والهوهویة والعینیة علی وجه التوصیف ، کما لایخفی .
وما ربّما یثبت للأعدام من أحکام الوجود ؛ من التقدّم الزمانی أو کون عدم العلّة علّة لعدم المعلول کلّ ذلک لغرض التسهیل علی المتعلّمین .
وما ربّما یقال : من أنّ لأعدام الملکات حظّاً من الوجود توسّع فی العبارة وإسراء حکم المضاف إلیه إلی المضاف ، وإلاّ فإنّ العمی بما هو أمر عدمی لاحظّ له
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 411 من الوجود ، ولم یشمّ ولن یشمّ رائحته .
وما ذکرناه بصورة البرهان ؛ من أنّ السواد لو لم یصدق لصدق عدم السواد مغالطة فی الاستدلال ؛ إذ نقیض قولنا یصدق السواد هو أنّه لایصدق السواد علی نحو السالبة المحصّلة ، لاصدق عدم السواد علی طریق الموجبة المعدولة أو الموجبة السالبة المحمول ؛ لأنّ الأعدام لا شؤون لها فی صفحة الوجود ؛ حتّی قولنا : «لا شؤون لها» لو اُرید به الاتّصاف ، بل المرجع فی محامل الأعدام هو السالبة المحصّلة التی تفید سلب الاتّحاد ، وأنّ صحیفة الوجود خالیة عن هذا الضدّ بنحو السلب التحصیلی .
والحاصل : أنّ نقیض صدق البیاض علی السواد عدم صدقه علیه ، علی أن یکون السلب تحصیلیاً ، لا صدق عدمه علیه بنحو الإیجاب العدولی أو الموجبة السالبة المحمول . فالبیاض إذا لم یصدق علیه أنّـه سواد صدق علیه أنّه لیس بسواد بالسلب التحصیلی ـ وهو نقیض الإیجاب ـ لا صدق عدمه ؛ لأنّ نقیض صدق الشیء هو عدم صدقه لاصدق عدمه حتّی یلزم اتّحادهما فی الوجود ؛ ولو بالعرض .
وعدم التمییز بین السلب التحصیلی والإیجاب العدولی والموجبة السالبة المحمول موجب لکثیر من المغالطات والاشتباهات .
وأظنّ أنّک لو وقفت علی واقع العدم الذی حقیقته أنّه لا واقع له تعرف أنّ حیثیة العدم یمتنع أن تکون ذات حظّ من الوجود ، بل الإضافات الواقعة بینها وبین غیرها إنّما هی فی الذهن ، وفی وعائه تکون الأعدام المطلقة أیضاً موجودة بالحمل الشائع ؛ وإن کانت أعداماً بالحمل الأوّلی . فلا حقیقة للعدم حتّی یتّصف بوصف وجودی أو اعتباری أو عدمی .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 412 وما یقال : إنّ ثبوت شیء لشیء فرع ثبوت المثبت له لا الثابت لیس المراد منه أنّ الجهات العدمیة بما هی کذلک تمکن أن تثبت لشیء ؛ بحیث یکون التصادق والاتّحاد بینهما کاتّحاد شیء بشیء ، وإلاّ یلزم کذب القاعدة الفرعیة أیضاً ؛ لأنّ ثبوت الثابت بهذا النحو إثبات صفة ثبوتیة له ، فیلزم صدق قولنا : العدم ثابت للوجود وصادق علیه ، وهو فرع ثبوت المثبت له .
فتلخّص : أنّ الأحکام فی الأعدام لابدّ أن ترجع إلی السالبات المحصّلات ؛ وإن کانت بحسب الظاهر موجبات .
هذا ، وإنّما أطلنا الکلام وعدلنا عن مسلک الاقتصاد لکون المقام من مزالّ الأقدام ، فاغتنم .
الثانی من المناقشات والإیرادات علی المقدّمة الاُولی ـ أعنی مقدّمیة ترک الضدّ لوجود الآخر ـ هو ما یستفاد أیضاً من کلام المحقّق الخراسانی ؛ حیث قال : إنّ المنافاة بین النقیضین کما لا تقتضی تقدّم ارتفاع أحدهما فی ثبوت الآخـر کـذلک فی المتضادّین .
وقرّره تلمیذه الجلیل المحقّق القوچانی رحمه الله فی حاشیته بقوله : إنّه لاخفاء فی أنّ النقیض للوجود هو العدم البدلی الکائن فی مرتبته ، وإلاّ لزم ارتفاع النقیضین فی مرتبة سلب أحدهما مقدّمةً للآخر .
فظهر : أنّ هذا النحو من التعاند لایقتضی إلاّ تبادلهما فی التحقّق لاارتفاع أحدهما أوّلاً ثمّ تحقّق الآخر ثانیاً ، وحیث عرفت ذلک فی النقیضین فکذلک الوجودان المتقابلان ، انتهی .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 413 ونزید توضیحاً علیه : أنّ ما ذکره مبنی علی مقدّمات ثلاث :
الاُولی : أنّ النقیضین فی رتبة واحدة ؛ بمعنی أنّ الوجود فی ظرف معیّن من الزمان أو فی مرتبة من مراتب الواقع لیس نقیضه إلاّ العدم فی ذلک الظرف أو المرتبة ؛ إذ لا تعاند فی غیر هذا الوجه ؛ إذ عدم زید فی الغد لایعاند وجوده فی الیوم ، وعدم المعلول فی رتبة العلّة لایباین وجوده فی مرتبة نفسه .
وإن شئت فعبّر : أنّ نقیض الشیء بدیله ، فنقیض شیء فی زمان أو رتبة هو عدمه الذی فی ذلک الزمان وتلک الرتبة ، وإلاّ یلزم اجتماع النقیضین ؛ فالمعلول معدوم فی رتبة العلّة ، وموجود فی رتبة متأخّرة ، فنقیض الوجود فی رتبة العلّة هو العدم فی رتبتها .
وبعبارة أوضح : أنّ مرتبة العلّیة هی مرتبة الإفاضة والإثبات ، فیمتنع أن یتحقّق فیها وجود المعلول وإلاّ ارتفعت العلّیة والمعلولیة ، فلابدّ أن یتحقّق فیها عدمه ؛ لئلاّ یرتفع النقیضان .
فظهر : أنّـه لابـدّ أن یتبادل کلّ مـن وجـود المعلول وعدمـه فی رتبـة العلّـة مترتّباً .
الثانیة : أنّ الضدّین أیضاً فی مرتبة واحدة ؛ لأجل البیان المتقدّم فی النقیضین ، مثلاً ؛ لو فرضنا تحقّق أحد الضدّین ، کالبیاض فی ظرف من الزمان وفی موضوع معیّن فضدّه هو السواد فی تلک القطعة وفی هذا الموضوع المتعیّن ؛ لعدم المنافاة لو تحقّقا فی قطعتین أو موضوعین . فالبینونیة الحقیقیة بین الضدّین لا تتحقّق إلاّ بالمطاردة ، وهی تتوقّف علی ما ذکرناه .
وببیان آخر : أنّ مناط امتناع اجتماع الضدّین هو لزوم اجتماع النقیضین الذی هو اُمّ القضایا ، ومناط الامتناع فیه إنّما یکون مع وحدة الرتبة کما تقدّم ، فکذلک فی اجتماع الضدّین .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 414 الثالثة : وإن شئت فسمّها نتیجة المقدّمتین ، هو کون أحد الضدّین مع نقیض الآخر فی رتبة واحدة .
والحاصل : أنّه علم أنّ البیاض مع نقیضه فی رتبة واحدة ، کما علم أنّ البیاض مع السواد واقعان فی مرتبة واحدة أیضاً ـ کما تقدّم ـ فیستنتج : أنّ نقیض البیاض ـ أعنی عدم البیاض ـ متّحد مع السواد رتبة ؛ إذ السواد مساوٍ رتبةً مع البیاض ، والبیاض مساوٍ مع عدم البیاض ، فالسواد مساوٍ مع عدم البیاض ؛ لأنّ مساوی المساوی للشیء مساوٍ له ، هذا غایة توضیح له .
وأنت خبیر بما فیه من الخلل :
أمّا فی أوّلها : فلأنّا نمنع کون النقیضین فی رتبة واحدة ؛ لأنّ وجود المعلول فی رتبة علّتها لیس نقیضه کون عدمه فی رتبتها ؛ إذ لا واقعیة للأعدام حتّی تشغل مرتبة من مراتب الواقع ، بل نقیضه سلب وجود المعلول فی هذه المرتبة ، علی أن تکون الرتبة قیداً للمسلوب لا للسلب .
وبالجملة : أنّ نقیض کلّ موجود فی أیّ مرتبة أو زمان هو عدم الموجود الواقع فی هذه الرتبة أو ذاک الزمان ، فإذا کذب کون المعلول فی رتبة علّته صدق عدم کونه فی رتبتها ، لا کون عدمه فی رتبتها ؛ فإنّه أیضاً غیر صادق .
وبعبارة أخصر : أنّ نقیض کلّ شیء رفعه ، فنقیض البیاض فی المرتبة رفعه ، علی أن یکون القید للمسلوب لا للسلب ، فإذا لم یصدق کون المعلول فی رتبة علّته صدق عدم کونه فی رتبتها بنحو السلب التحصیلی أو بنحو السلب المحمولی للمقیّد ، علی أن یکون القید للمسلوب .
فتلخّص : أنّ نقیض کون المعلول فی رتبة العلّة عدم کونه فی رتبتها ، لا کون العدم فی رتبتها حتّی یقال : إنّ النقیضین فی رتبة واحدة .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 415 وأمّا ثانیتها : فهو أوضح فساداً ممّا تقدّم ؛ إذ الرتب العقلیة لا ربط لها بالخارج الذی هو ظرف الضدّیة ، والمترتّبان عقلاً مجتمعان خارجاً ومتّحدان زماناً ، والضدّان یمتنع اجتماعهما فی الوجود الخارجی ، فأین هو من الرتب العقلیة ؟ حتّی لو فرضنا أنّ البیاض والسواد مختلفا الرتبة عقلاً یکون اجتماعهما الوجودی فی موضوع واحد محالاً أیضاً .
وبما عرفت من عدم وحدة الرتبة فی النقیضین سقط ما ذکر من إثبات وحدة الرتبة فی الضدّین من وحدتها فی النقیضین لأجل کون مناط الامتناع فی اجتماع الضدّین هو لزوم اجتماع النقیضین .
هـذا ، مضافاً إلی أنّ فی هـذه الدعوی أیضاً کلاماً بل خلطاً ، والتفصیل مـوکول إلی مظانّه .
وبما ذکر یظهر الحال فی النتیجة ، بل لو سلّمنا کون النقیضین والضدّین فی رتبة واحدة فلإنکار لزوم کون أحد العینین فی رتبة نقیض الآخر مجال واسع ؛ لعدم البرهان علی أنّ الرتب العقلیة حکمها حکم الزمان فی الخارج ؛ لو لم نقل بأنّ البرهان قائم علی خلافه ؛ لأنّ للرتب العقلیة ملاکات خاصّة ، ربّما یکون الملاک موجوداً فی الشیء دون متّحده فی الرتبة ، ألا تری أنّ ملازم العلّة لایکون مقدّماً علی المعلول رتبة ؛ لفقدان ملاک التقدّم فیه ؛ وهو کون وجوب الشیء من وجوبه ووجوده من وجوده .
وما ربّما یتمسّک بقیاس المساواة فغفلة عن حقیقة الحال ، ولعلّه لقیاس الرتب العقلیة من حیث المساواة واللامساواة بالمقادیر والأزمنة .
فتلخّص : أنّ الشیء ونقیضه لیسا فی مرتبة واحدة سلباً تحصیلیاً ، کما لیس بینهما التقارن والتقدّم کذلک .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 416 الثالث من المناقشات ـ وهو أیضاً یستفاد من کلامه قدس سره ـ وحاصله : أنّه لو توقّف وجود الضدّ علی عدم ضدّه لزم الدور ؛ لأنّ التوقّف لأجل التمانع من الطرفین ، فعدم أحد الضدّین أیضاً متوقّف علی وجود الآخر ؛ توقّف العدم علی وجود مانعه ، انتهی .
قلت : إنّ مقتضی التمانع بین الضدّین هو أنّه لو توقّف وجود الضدّ علی عدم الآخر لزم أن یتوقّف وجود الضدّ الآخر علی عدم ذاک ، لا أن یتوقّف عدم الآخر علی وجوده ، فیرتفع الدور ؛ لاختلاف الموقوف والموقوف علیه ؛ لأنّ وجود البیاض متوقّف علی عدم السواد ، ووجود السواد متوقّف علی عدم البیاض ؛ أخذاً بحکم التمانع بین وجودی الضدّین ، لا أنّ عدم السواد متوقّف علی وجود البیاض حتّی یتخیّل الدور ؛ لأنّ العدم لیس بشیء حتّی یتوقّف تحقّقه علی شیء .
ثمّ إنّ التحقیق : أنّ التوقّف باطل مطلقاً ؛ أی لایتوقّف العدم علی شیء ولایتوقّف شیء علیه .
وتوضیحه ـ وإن کان ما أوعزنا إلیه کافیاً فی رفع الحجاب ـ هو أنّ العدم لیس أمراً حقیقیاً واقعیاً ، بل هو مفهوم اعتباری یصنعه الذهن إذا تصوّر شیئاً ، ولم یجده شیئاً إذا رجع إلی الخارج وتفحّص عن مظانّه ، وحقیقته خلوّ صحیفة الوجود عن الشیء المتصوّر بالسلب التحصیلی وخلوّ نفس الأمر عن وجوده ؛ فیکون مقابل الوجود ومقابل نفس الأمر بمراتبه الطولیة ، وما شأنه هذا یکون بطلاناً محضاً ، ولایعقل أن یصیر دخیلاً فی تحقّق شیء أو متأثّراً من شیء ؛ إذ ما لا شیئیة له یسلب عنه جمیع الاُمور الثبوتیة ؛ ومنها التوقّف بکلا قسمیه بالسلب التحصیلی .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 417 وبالجملة : کون شیء شرطاً لشیء أو متأثّراً عنه أو دخیلاً فی وجوده قضایا إیجابیة ، یتوقّف صدقها علی وجود موضوعها ومحمولها ، وقد فرضنا العدم لا شیئاً محضاً وبطلاناً خالصاً .
وقولک : إنّ عدم الضدّ موقوف علیه أو عدمه موقوف علی وجود الضدّ من الموجبات ، وثبوت حکمها للعدم فرع ثبوت المثبت له ، وهو هنا ممتنع .
فظهر : أنّ العدم مسلوب عنه أحکام الوجود والثبوت ؛ إذ لا شیئیة له ، فلا تقدّم له ولا تأخّر ولا مقارنة ، بل کلّ الحیثیات مسلوبة عنه سلباً تحصیلیاً ، لا بمعنی سلب شیء عن شیء ، بل السلب عنه من قبیل الإخبار عن المعدوم المطلق بأنّه لایخبر عنه الحاصل بالتوسّل بالعناوین المتحصّلة فی الذهن .
وقد تقدّم : أنّ ما ربّما یقال : إنّ عدم العلّة علّة لعدم معلوله مسامحة فی التعبیر ، کما أنّ ما یتکرّر بین کلمات المشاهیر من أهل الفنّ من عدّ عدم المانع من أجزاء العلّة مرجعه إلی أنّ وجوده مانع عن تحقّق المعلول لا أنّ عدمه دخیل ، فعبّروا عن مزاحمة المقتضیات والتمانع بین الوجودات بکون عدم المانع من أجزاء العلّة ؛ إذ العدم ـ مطلقه ومضافه ـ أقصر شأناً من أن یحوم حوله التوقّف ؛ لأنّه البطلان واللاشیئیة .
وأوضح فساداً منه ما یقال : إنّ للأعدام واقعیة وظروفاً بحسب أحوالها ، کما أنّ للماهیات أوعیة متسانخة مع مظروفاتها ؛ إذ کلّ ظرف لابدّ وأن یرجع إلی صحیفة الوجود ، وإلاّ فالظرف والمظروف عاطلان باطلان .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 418 والعجب عن المحقّق المحشّی ـ مع نبوغه وکثرة مساعیه فی هاتیک المباحث ـ حیث أفاد هنا ما لا ینبغی أن یصدر عن مثله ؛ حیث قال : إنّ عدم الضدّ من مصحّحات قابلیة المحلّ لقبول الضدّ ؛ لعدم قابلیة الأبیض للسواد ولا الأسود للبیاض ، وأنّ القابلیات والاستعدادات والإضافات وأعدام الملکات وإن کان لا مطابق لها فی الخارج لکنّها من الاُمور الانتزاعیة وحیثیات وشؤون لاُمور خارجیة ، وثبوت شیء لشیء لایقتضی أزید من ثبوت المثبت له بنحو یناسب ثبوت الثابت ، انتهی .
وفیه : أمّا أوّلاً : فلأنّ الأعدام المضافة إذا لم تکن متأثّراً عن شیء لإبائها عن الفاعل والقابل فلا تکون مؤثّرة ولا شرطاً ؛ إذ التفکیک بینهما فی الموجود الإمکانی باطل ، وما لیس بشیء لایکون مؤثّراً ولا متأثّراً .
وأمّا عدم تحقّق الضدّ عند وجود الآخر وتحقّقه عند عدمه فلیس إلاّ لأجل التمانع بین الوجودین ، فإذا عدم أحدهما تحقّق الآخر ، لا لجهة الاستناد إلی عدمه ، بل إلی إیجاب علّته التامّة .
وإن شئت قلت : إنّ قابلیة المحلّ مـن شؤون نفسه ، مـن غیر دخالـة عـدم شیء فیها ، فالجسم قابل للسواد ؛ کان موصوفاً بالبیاض أولا ، ولا یتوقّف قبوله له علی عدم البیاض .
وأمّا عدم قبوله فی حال اتّصافـه به فإنّما هـو لأجل التمانع بین الوجودین ، لا لتوقّف القابلیة علی عدم الضدّ ؛ إذ العدم لایمکن أن یکون مؤثّراً فی تصحیح القابلیة ، بل لایکون من شؤون الاُمور الخارجیة ، ولا منتزعاً منها .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 419 وثانیاً : أنّ عدّ الأعدام المضافة فی عداد الاستعدادات لایخلو من خلط ؛ فإنّ الإمکان الاستعدادی له نحو وجود فی المادّة ؛ إذ لایمکن إنکار أنّ للقابلیات والاستعدادات ـ بل الإضافات ـ نحو وجود فی الخارج ، بخلاف أعدام الملکات ؛ فإنّ التحقّق لحیثیة الملکة لا لحیثیة العدم ، فتدبّر .
هذه حال المناقشات الثلاثة المتوجّهة إلی المقدّمة الاُولی ، وقد عرفت حالها بالنقض والإبرام .
وأمّا المقدّمة الثانیة ـ أعنی وجوب المقدّمة ـ فقد تبیّن حاله أیضاً .
وأمّا المقدّمة الثالثة ـ أی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن نقیضه ـ فللمنع عنه مجال واسع :
أمّا عدم الاقتضاء بالمطابقة والتضمّن فواضح ؛ إذ البعث لایکون عین الزجر ولا متضمّناً له .
وأمّا الالتزام ـ أعنی کون النهی عن النقیض لازماً للأمر ، کما ربّما یقال : إنّ نفس تصوّر الوجوب والإلزام یکفی فی تصوّر النهی عن الترک ـ ففیـه : أنّه إن اُرید به الانتقال التصوّری فمع عدم ثبوته لایفید ، وإن اُرید اللزوم الواقعی ، بأن یدّعی أنّ المولی إذا أمر بشیء یجب أن ینهی عن نقیضه فهو واضح البطلان ؛ لأنّ المفروض أنّ الصادر منه هو الأمر لاغیره ، وإن اُرید أنّه لو التفت إلیه لنهی عنه فهو کما تری .
فإن قلت : لیس البحث فی البعث الاعتباری ، بل فی استلزام الإرادتین ؛ إذ الإرادة المتعلّقة بشیء مستلزمة للإرادة المتعلّقة بترک ترکه .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 420 قلت : إن اُرید من الاستلزام العینیة والتضمّن فهو واضح الفساد ؛ لأنّ إرادة الزجر عن ترک شیء لیس عین إرادة نفس الشیء بالحمل الأوّلی ، وانطباقه علیه فی الخارج ـ مع فساده فی نفسه ـ لیس بمفید .
وإن اُرید منه المعنی الذی یذکر فی باب المقدّمة بأنّه إذا تعلّقت إرادة تشریعیة بشیء فمع الالتفات إلی ترکه تتعلّق إرادة تشریعیة علی ترک ترکه ، یرد علیه ما أوضحناه فی بابها من أنّا لا نتصوّر لهذه الإرادة غایة ولا مبادئ .
وتوضیحه : أنّه بعد تعلّق الإرادة التشریعیة الإلزامیة بشیء لا معنی لتعلّق إرادة اُخری علی ترک ترکه ؛ لعدم تحقّق مبادئ الإرادة وغایتها ؛ فإنّ غایتها التوصّل إلی المبعوث إلیه ، ومع إرادة الفعل والبعث إلیه لا معنی لبعث إلزامی آخر إلی ترک ترکه ، فلا غایة للإرادة التشریعیة .
وقد تقدّم : أنّ القول بأنّ تعلّق الإرادة بالمقدّمة قهری لازمه تعلّقها بشیء بلا ملاک وهو ممتنع ، ویجری مثله فی المقام أیضاً .
فتلخّص : أنّ الأمر بالشیء لایقتضی النهی عن ضدّه العامّ ولا الخاصّ ، من جهة مقدّمیة الترک ، فتدبّر .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 421