تزییف الوجه الثانی بعدم تمامیة الاُمور المتوقّفة علیها
والجواب عن الأوّل : ما حقّقناه من أنّ نقیض کلّ شیء رفعه ، لا إثبات هذا الرفع ، فنقیض قولنا «یصدق علیه السواد» هو أنّه «لا یصدق علیه السواد» ، لا أنّه یصدق علیه عدم السواد ، وکم فرق بین السالبة المحصّلة وبین الموجبة المعدولة ، أو الموجبة السالبة المحمول ! کما إذا قلت «یصدق علیه أنّه لیس بسواد» .
والحاصل : أنّ نقیض صدق إحدی العینین علی الاُخری عدم صدقها علیها علی نعت السلب التحصیلی لا الإیجاب العدولی ، وإلاّ لزم ارتفاع النقیضین ؛ لأنّ العین ـ أعنی الموجبة المحصّلة ـ والنقیض المتخیّل ـ أعنی الموجبة المعدولة ـ کلتاهما کاذبتان ؛ إذ الموجبة المعدولة کالموجبة المحصّلة مفادها إثبات نعت لموضوع ، ویمتنع أن یکون العدم صادقاً علی الوجود ومتلازماً له . کیف ، وأنّه لا شیئیة له حتّی یکون ملازماً لشیء .
أضف إلیه : أنّ التلازم فی الوجود یقتضی عروض الوجود للمتلازمین ، فیلزم اجتماع النقیضین . فالغلط ناشٍ من عدم اعتبار الحیثیات وتقدیم الحمل علی السلب ، وعدم التفریق بین السوالب المحصّلة والموجبات المعدولة .
فإن قلت : یلزم منه بطلان الموجبة المعدولة ؛ إذ ما من معدولة إلاّ وفیها إثبات وصف عدمی لموضوع موجود ، فما معنی الاتّصاف بصفة هی بطلان محض ؟ وقس علیه إذا کان المحمول العدمی ملازماً معه .
قلت : إنّه یعتبر فی المعدولات أن یکون للموضوعات شأنیة واستعداد ،
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 423 فتکون القضیة المعدولة حاکیة عن حیثیة بها یکون للموضوع شأنیة الاتّصاف وقوّة الفعلیة ، ولهذا یصحّ قولک «زید لا بصیر» ، ولا یصحّ «الجدار لابصیر» . فلیس الاعتبار فی المعدولات إثبات أمر عدمی للموضوع ، بل الاعتبار فیها هو ثبوت شأنیة للموضوع مع فقدان فعلیتها ، فلا یلزم إثبات السلب کما توهّم .
وأمّا عن الثانی : فلأنّ عدم الخلوّ إنّما هو فی الوقائع الثابتة التی یکون للأمر والزجر فیها معنی محصّل ، وأمّا العدم فهو أنزل من أن یلحق بالوقائع ؛ فإنّه بطلان محض ، ولذا لابدّ من تأویل المواضع التی توهّم تعلّق التکلیف فیها بالترک ، کوجوب تروک الإحرام وتروک المفطرات .
علی أنّ عدم خلوّ الواقعة عن حکم لم یدلّ علیه دلیل ـ لو لم یدلّ علی خلافه ـ إذ الإباحة المسبّبة عن اقتضاء التساوی إباحة شرعیة وتعدّ من الأحکام .
وأمّا إذا فرضنا عدم اقتضاء للواقعة أصلاً فلابدّ وأن لایکون لها حکم شرعی ؛ إذ جعل الإباحة بلا ملاک لغو ، فینطبق علی الإباحة العقلیة قهراً ، ویخلو عن الجواز الشرعی ، ولیکن المقام من نظائره . هذا ، مع أنّه لو سلّم ذلک لایلزم ما ذکر ، کما لا یخفی .
وأمّا عن الثالث : فقدّمنا الجواب عنه مفصّلاً ، والخطب بعد سهل .
وقد یقال بعدم الاقتضاء فی الأضداد الوجودیة إلاّ فی الضدّین اللذین لا ثالث لهما ، کالحرکة والسکون ؛ لأنّ عدم السکون وإن لم یکن عین الحرکة إلاّ أنّ العرف لایری فرقاً بین أن یقول «تحرّک» وبین أن یقول «لاتسکن» .
وفیه : أنّه إن أراد أنّ مفاد الأمر عین مفاد النهی فهوأمر غریب ؛ إذ أیّ شخص
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 424 لا یفرّق بین المفادین ؟ وأیّ متسامح یری أنّ الحیثیة الوجودیة عین العدمیة ؟
وإن أراد أنّه ینتقل من الأمر إلی النهی عن الضدّ ففیه : أنّ مجرّد الانتقال الذی لیس إلاّ صرف تصوّر الشیء لایوجب کون السکون منهیاً عنه ؛ إذ هو یحتاج إلی إنشاء الزجر ، وهو مترتّب علی مقدّمات لاتحصل بالتصوّر .
وإن أراد أنّ المولی ینتقل بعد الأمر إلی حالة اُخری ، فیستقلّ بإنشاء الزجر فهو أوضح فساداً .
واعلم : أنّ الدلیلین المتقدّمین إنّما یعدّان دلیلین مستقلّین إذا قلنا بوجوب مطلق المقدّمة ، وأمّا علی القول بوجوب الموصلة منها فالدلیل الثانی ـ أعنی اتّحاد المتلازمین فی الحکم ـ من متمّمات الدلیل الأوّل .
وقد عرفت أنّ الدلیل الأوّل مؤلّف من مقدّمات ثلاث : اُولاها مقدّمیة ترک الضدّ لفعل الضدّ الآخر ، وثانیتها کون مقدّمة الواجب واجبة ، وثالثتها أنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه العامّ .
فعلی وجوب مطلق المقدّمة فالواجب من باب المقدّمة هو ترک الصلاة ، وضدّه العامّ بالمعنی الذی عرفت هو فعلها ، فیتمّ الاستدلال ؛ لأنّ ترک الصلاة واجب بملاک المقدّمیة ، ومهما وجب شیء حرم ضدّه ، کالصلاة فی المورد .
وأمّا علی القول بوجوب الموصلة فالمأمور به هو الترک المقیّد بالإیصال ، ولیس نقیضه إلاّ رفع هذا الترک أو ترک هذا الترک ، فإذا وجب الترک الموصل حرم رفع هذا الترک الموصل ، وهو لیس عین فعل الصلاة ، بل یلازمها إذا تحقّق فی ضمنها ، لا فی ضمن الترک المجرّد ، فلا یلزم حرمة الفعل إلاّ مع تمامیة دلیل الاستلزام ؛ فإذن یتّحد الدلیلان ویتوحّد الاثنان .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 425