توهّم ابتناء الالتزام بفروع فقهیة علی تمامیة الترتب ودفعه
فإن قیل : إنّ هنا فروعاً فقهیة ، لا محیص للفقیه عن الالتزام بها ، مع أنّها تکون من الخطاب الترتّبی :
منها : ما لو فرض حرمة الإقامة علی المسافر من أوّل الفجر إلی الزوال ، فلو
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 474 فرض أنّه عصی هذا الخطاب وأقام فلا إشکال فی وجوب الصوم علیه ، فیکون فی الآن الأوّل الحقیقی من الفجر قد توجّه إلیه کلّ من حرمة الإقامة ووجوب الصوم ، لکن مترتّباً ؛ یعنی أنّ وجوب الصوم یکون مترتّباً علی عصیان حرمة الإقامة ، ففی حال الإقامة یجب علیه الصوم ، مع حرمة الإقامة بالخطاب الترتّبی .
ومنها : لو فرض وجوب الإقامة علی المسافر من أوّل الزوال ، فیکون وجوب القصر علیه مترتّباً علی عصیان وجوب الإقامة ؛ حیث إنّه لو عصی ولم یقصد الإقامة توجّه علیه خطاب القصر ، وکذا لو فرض حرمة الإقامة ؛ فإنّ وجوب التمام مترتّب علی عصیان حرمة الإقامة .
ومنها : وجوب الخمس المترتّب علی عصیان خطاب أداء الدین ، إذا لم یکن الدین من عامّ الربح ، إلی غیر ذلک .
قلنا : هذه الفروع استشهد بها بعض الأعاظم علی ما فی تقریراته ، إلاّ أنّ عبائر مقرّره مختلفة ؛ فتارة جعل العصیان موضوعاً لحکم المهمّ ، واُخری أخذ الموضوع نفس الإقامة وقصدها .
وعلی أیّ حال : لایجدیه شیئاً :
أمّا الأوّل : فلأنّ العصیان لو کان شرطاً بوجوده الخارجی یوجب سقوط أمر وحدوث أمر آخر بعد سقوطه فی موضوع آخر ؛ سواء قلنا إنّ العصیان بنفسه یوجب سقوط الأمر ، أم قلنا إنّه ملازم لارتفاع الموضوع . وکیف کان فالأمر الأوّل قد زال وانعدم ثمّ حدث الآخر ، وهذا خروج من بحث الترتّب .
وإن شئت قلت : إنّ الخطابات المرتّبة علی عصیان خطابات آخر تکون فعلیتها بعد تحقّق العصیان ، وبتحقّق العصیان خارجاً سقطت تلک الخطابات ، فلا یعقل تعلّق خطاب الصوم المرتّب علی عصیان الإقامة إلی الزوال فی الجزء الأوّل
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 475 الحقیقی من الفجر ؛ فإنّ أوّل الفجر لم یکن ظرف العصیان ، ومع عدم تحقّقه لایعقل فعلیة المشروط به . وقس علیه الحال فی سائر الفروع .
أضف إلی ذلک : أنّه لو کان شرطاً بوجوده الخارجی فإمّا أن نقول : إنّ لحرمة الإقامة عصیاناً واحداً ، فلا یتحقّق العصیان إلاّ بمضیّ تمام الزمان ، أو نقول له عصیانات بانحلال أجزائها . فالعصیان الأوّل لا یتحقّق إلاّ بمضیّ آنٍ من أوّل الفجر ویحدث بعده الأمر بالصوم ، ومعه کیف یصحّ الصوم ، مع أنّ الجزء الأوّل من الفجر فاقد للأمر . هذا إذا کان الشرط عصیان خطاب الجزء الأوّل .
وأمّا إذا کان عصیان الخطابات جمیعاً فالأمر أوضح والفساد أفحش .
فإن قلت : لعلّ مراده من العصیان المأخوذ شرطاً لوجوب الصوم هو العنوان الانتزاعی ، کالذی یعصی أو نحوه ، فیکون من باب الترتّب .
قلت : قد مضی فی المقدّمة الثالثة التصریح بأنّه شرط بوجوده الخارجی ؛ وإن عدل عنه فی الأثناء إلی التلبّس بالعصیان ، وقد مضی سابقاً فساد کون الشرط هو الأمر الانتزاعی ، وهو لازم هنا أیضاً .
ثمّ إنّه یرد علیه : أنّ الاستدلال بهذه الفروع من جهة أنّ أدلّ الدلیل علی إمکان الشیء وقوعه ، وأنّه لا محیص للفقیه عن الالتزام بها .
مع أنّ ما وقع فی الشریعة الغرّاء غیر ذلک ؛ لأنّ خطاب الصوم والإتمام والقصر لم یترتّب علی عصیان حرمة الإقامة أو وجوبها ، بل علی شهود الشهر وعزم الإقامة . فحینئذٍ لو عزم الإقامة قبل الفجر ، وصار عاصیاً بنحو الشرط المتأخّر کیف یعقل إیجاب الخروج وإیجاب الصوم علیه معاً ؟ للزوم طلب الضدّین ،
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 476 وکذا الأمر بالصلاة تماماً والخروج من محلّ الإقامة ؛ لأنّه أمر بالضدّین .
وأمّا الثانی ـ أعنی ما إذا کان مترتّباً علی عزم الإقامة أو ذات الإقامة ـ فإنّ شیئاً منهما لیس متأخّراً عن تلک الخطابات التحریمیة ؛ فإنّ المتأخّر عن الأمر والنهی ـ بعد التسلیم ـ عصیانهما دون ذات الإقامة وعزمها لأنّ الإقامة وکذلک العزم بما هی فعل للمکلّف لایعقل أن یکون حیثیة ذاتها منشأً لانتزاع العصیان عنها ، وإلاّ لصحّ انتزاعه مع عدم الحرمة ، بل ینتزع منها لأجل حیثیة زائدة علی ذاتها باعتبار کونها مصداقاً عرضیاً لمخالفة المأمور به أو المنهی عنه .
فتلخّص : أنّ ما هو الموضوع ـ وهو ذات الإقامة أو عزمها ـ لیس متأخّراً عن الأمر والنهی ؛ لعدم ملاک التأخّر فیهما ؛ وإن کان ینطبق علیه بالعرض ما هو المتأخّر ـ أعنی العصیان ـ ولکن ما هو متأخّر عن الأمر والنهی لیس بموضوع .
علی أنّک قد عرفت : أنّه لو کان الموضوع هو الإقامة لایعقل بقاء النهی عن الإقامة ووجوب الصوم ، کما مرّ .
هذا کلّه ، مع الغضّ عن أنّ الإقامة بعنوانها لم تصر واجبة ولا محرّمة فی حال ، بعد عدم ورود نهی عنها أو أمر بها ولا بعناوین اُخر ، کالنذر والعهد والقسم وغیرها ، فلا تصیر محرّمة ولا واجبة ، کما مرّ نظائر ذلک من أنّ الواجب فیها هو عنوان الوفاء بها لا عناوین اُخر ، کالإقامة وغیرها ممّا تعلّقت بها تلک العناوین .
وبذلک یظهر النظر فی وجوب الخمس المترتّب علی عصیان أداء الدین ؛ إذ لم یترتّب علیه ذلک فی آیة ولا روایة ، بل لا معنی للاستشهاد به علی مسألة الترتّب ؛ لأنّ وجوب الخمس دائر مدار موضوعه ـ أعنی الغنیمة أو الفائدة الزائدة عن مؤونة السنة ـ فلو أدّی دینه فقد ارتفع الموضوع ، فلا یتعلّق به الخمس ، فإیفاء الدین رافع لموضوع الخمس لا أنّ خطابه مترتّب علی عصیانه .
کتابتهذیب الاصول (ج.۱): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 477