الاستدلال بآیة الاعتداء
إذا تلف ا لمبیع فإن کان مثلیّاً وجب مثلـه ، أو قیمیّاً وجبت قیمتـه .
وقد استدلّ شیخ ا لطائفـة قدس سره علیـه بقولـه تعا لیٰ : «فَمَنِ اعْتَدَیٰ عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَیٰ عَلَیْکُمْ» .
قال فی «ا لخلاف» فی بیان ا لمنافع ا لمضمونـة : «وا لمثل مثلان ، مثل من حیث ا لصورة ، ومثل من حیث ا لقیمـة ، فلمّا لم یکن للمنافع مثل من حیث ا لصورة ، وجب أن یلزمـه من حیث ا لقیمـة» ثمّ ادعیٰ إجماع ا لفرقـة علیـه .
أقول : تقریب ا لضمان ـ بعد ما کان ظاهر الآیـة هو الاعتداء با لمثل ، وهو یناسب ا لتقاصّ لا ا لضمان ـ أن یقال : إنّ ا لحکم بأخذ مثل ما اعتدیٰ علیـه أو قیمتـه ، کاشف عرفاً عن کون الآخذ ذا حقّ علیـه ، فیکون ا لأخذ بهما بحقّ وتقاصّاً
لما اشتغلت ذمّـتـه بـه ، لا أخذاً مجّاناً وبلا عوض .
فیستفاد من إجازة ا لأخذ با لمثل وا لقیمـة أنّ ا لاعتداء موجب للضمان ، ولایکون محرّماً صرفاً ، ولا إجازة ا لأخذ إجازة ارتکاب محرّم فی مقابل ارتکاب ا لمتعدّی محرّماً ، ولهذا لا یفهم من الآیـة ا لکریمـة إجازة ارتکاب ا لتجاوز بأهل من ارتکب ا لتجاوز بأهلـه .
فا لظاهر من الآیـة أنّ ا لمأخوذ من مال ا لمتعدّی یصیر ملکاً للمظلوم ، ویکون ا لأخذ با لحقّ ا لثابت .
فما قیل : من أنّ الآیـة لم تدلّ علی ا لضمان ، بل تدلّ علیٰ جواز ا لتقاصّ ، فی غیر محلّـه .
وبا لجملـة : ظاهرها إجازة ا لاعتداء با لمثل ، لا زائداً علیـه ، وهو دلیل علی ا لضمان ، کما هو مبنی استدلال شیخ ا لطائفـة ، وا لطبرسی وغیرهما ـ قدّست أسرارهم ـ بها علی ا لضمان .
لکن یرد علیـه : أ نّـه لا شبهـة فی دخول ا لاعتداء با لحرب فی الآیـة ، لو لم نقل باختصاصها بـه ؛ لأجل کونها فی خلال آیات ا لجهاد ، کقولـه تعا لیٰ : «وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّیٰ یُقَاتِلُوکُمْ فِیهِ فَإِنْ قَاتَلُوکُمْ فَاقْتُلُوهُمْ» .
وقولـه تعا لیٰ : «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّیٰ لاَ تَکُونَ فِتْنَةٌ وَیَکُونَ الدِّینُ لله فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَیٰ الظَّالِمِینَ * الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ
فَمَنِ اعْتَدَیٰ عَلَیْکُمْ . . .» إلیٰ آخرها .
ثمّ قال تعا لیٰ : «وَأَنْفِقُوا فِی سَبیلِ اللّٰهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأیْدِیکُمْ إِلَی التَّهْلُکَةِ» .
فالآیـة علیٰ ما قال ا لمفسّرون ، راجعـة إلیٰ وقعـة ا لحدیبیـة ، وصدّ ا لمشرکین رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فی عام ا لست فی ذی ا لقعدة عن ا لمناسک ، ودخل فی سنـة ا لسبع فی ذی ا لقعدة للمناسک ، واعتمر وقضی ا لمناسک .
فمعنیٰ «الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ» یحتمل أن یکون أنّ ذا ا لقعدة ا لذی قضیتم مناسککم فیـه ، بإزاء ذی ا لقعدة فی ا لسنـة ا لسابقـة ا لتی فیها منعتم عنها .
ویحتمل أن یراد أنّ قتا لکم معهم فی ا لشهر ا لحرام بإزاء قتا لهم معکم فیـه .
وقولـه : «وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ» علی ا لمعنی ا لثانی ، یراد بـه ظاهراً أنّ ا لقتال فی ا لحرم ، وا لشهر ا لحرام ، وا لبلد ا لحرام قصاص ، فی مقابل حربهم معکم وهتکهم ا لحرمات ا لثلاث .
فقولـه : «فَمَنِ اعْتَدَیٰ» تفریع علیٰ ذلک ، فهو إمّا مختصّ با لحرب ، فلا دلالـة فیـه علی ا لضمان ا لمطلوب ، أو کبریٰ کلّیـة ، فلا محا لـة یکون ا لاعتداء با لحرب داخلاً فیها ، ولایمکن إخراج ا لمورد عنها وتخصیصها بمورد ا لما لیّات .
ومع دخول ا لحرب وکونها مورد الآیـة ، لایمکن إرادة ا لمثلیّـة فی ا لمعتدیٰ بـه ؛ بأن یراد أنّ ا لمقاتلین إذا قتلوا منکم عدداً معلوماً ، اقتلوا منهم بهذا ا لعدد خاصاً ، وإذا أصاب سهم واحد منهم عضواً خاصّاً منکم ، لایجوز لکم ا لتعدّی عن ذلک ا لعضو ، وهذا واضح ، فلا یراد با لمثل فی مورد ورود الآیـة ا لمماثلـة فی
مقدار ا لاعتداء .
بل ا لظاهر أنّ ا لمراد منـه أنّ ا لکفّار إن اعتدوا علیکم ، فاعتدوا علیهم کما أ نّهم اعتدوا علیکم ، فإذا لم یکن ا لمثل فی موردها ، کذلک لایمکن استفادة ضمان ا لمثل فی غیر موردها بإطلاقها .
وا لمثلیّـة فی أصل ا لاعتداء لاتفید فی إثبات ا لمطلوب ، بل ا لقرینـة ا لمذکورة ، أی عدم تقدیر ا لمقابلـة با لمثل ، وجواز ا لتجاوز عنـه ، قائمـة علیٰ عدم دخول ا لما لیّات فیها ، فهی إمّا مختصّـة با لحرب ، أو شاملـة لما هو نظیرها ، کمدافعـة ا للص وا لمهاجم .