التنبیه الثانی تحقّق المعاطاة بإعطاء طرف واحد
کما تتحقّق ا لمعاطاة بتعاطی ا لطرفین ، کذلک تتحقّق بإعطاء طرف واحد ؛ بحیث یکون إعطاه وأخذه کا لتعاطی موجبین لتحقّقها .
وقد یقال بعدم تعقّل توقّف ا لمعاطاة ا لمقصود بها ا لمبادلـة علی ا لعطاء من ا لطرفین ، بل لابدّ فی تحقّقها من ا لإعطاء وا لأخذ لطرف واحد ؛ لأنّ الآخذ إن أخذ ا لعین ـ ا لمنشأ بإعطائها ا لتملیک ـ منشئاً بـه ا لقبول لما ملّکـه ا لمعطی ، تتمّ بـه ا لمعاملـة ، ویکون إعطاء ا لثمن بعدها وفاءً ، وإن لم یکن منشئاً لقبول ما ملّکـه ا لأوّل ، لم یجد إعطاؤه ولو بقصد ا لمعاوضـة ؛ لأنّ ا لإعطاءین ا لمستقلّین کا لإیجابین کذلک فی عدم انعقاد ا لمعاملـة بهما ، وکان کلّ منهما ناقصاً بلا قبول ، فا لعطاءان من ا لجانبین تملیکان مستقلاّن ، لاتملیک واحد معاوضی .
وفیـه : مضافاً إلیٰ إمکان أن یقال : إنّ ماهیّـة ا لبیع مبادلـة مال بمال ، وهی قد تتحقّق با لإیجاب وا لقبول ، وقد تتحقّق بإنشاء ا لمبادلـة وا لمعاوضـة بین
ا لما لین ، من غیر احتیاج إلی ا لقبول بعنوانـه ، فلو أنشأ وکیل ا لمتعاملین ا لتبادل بین ا لما لین فقال : «بادلت بینهما» تقع ا لمبادلـة ، وهی ماهیّـة ا لبیع ا لمتحقّقـة بسبب آخر أیضاً ، وهو ا لإیجاب وا لقبول .
وبا لجملـة : لیس ا لإیجاب وا لقبول بعنوانهما مقوّمین لماهیّـة ا لبیع ، بل هما من أسباب تحقّقها ، کما أنّ إنشاء ا لمبادلـة بما ذکر من أسبابـه .
بل لو قال أحد طرفی ا لمعاملـة : «بادلت عینی بعینک» وقال الآخر : «بادلت أیضاً عینی بعینک» فا لظاهر تحقّق ا لبیع وصحّـتـه ؛ لأنّ ماهیّـة ا لمبادلـة تحقّقت عرفاً بإیقاعهما .
بل ا لبیع وا لشراء با لنحو ا لمتعارف إنّما حدثا بعد تعارف ا لأثمان ، وإلاّ فا لتبادل بین ا لأعیان لم یکن ـ نوعاً ـ با لبیع وا لشراء ، بل با لمعاوضـة وا لمبادلـة .
وتوهّم : «أنّ ماهیّـة ا لبیع متقوّمـة با لإیجاب وا لقبول» ناشٍ من تعارف ا لأثمان فی هذه ا لأعصار ، مع أنّ ا لمبادلـة بین ا لأعیان شائعـة ، ولاسیّما فی ا لقریٰ وا لبلاد ا لصغار جدّاً ، ولیست تلک ا لمبادلـة إلاّ بیعاً ، ولیست «ا لمبادلـة» عنواناً ، و«ا لبیع» عنواناً آخر ، فا لبیع مبادلـة مال بمال کما مرّ ، بل یصدق علیـه : «تملیک ا لعین با لعوض» أیضاً .
فا لقول «بأنّ إعطاء شیءٍ فی مقابل إعطاء آخر ، لیس معاملـة ؛ لکونهما تملیکین مستقلّین» لیس علیٰ ما ینبغی ؛ لأنّ إنشاء تملیک بإزاء تملیک إذا تحقّق من ا لمتعاملین یکون کلّ منهما مربوطاً بالآخر ، لا مستقلاًّ بلا ربط بینهما ، ولو اُرید
من ا لربط ا لربط ا لمطاوعی ، فلا دلیل علی اعتباره .
کما أنّ توهّم : «کون ا لمعاوضـة وا لمبادلـة معاملةً مستقلّةً ، ولیست ببیع» فاسد .
نعم ، یمکن أن یقال : إنّـه لایصدق علیها «ا لبیع» ا لمقابل للشراء ، وهو لایضرّ .
فمضافاً إلیٰ ما ذکر : أنّ ا لأخذ یمکن أن یقصد بـه ا لقبول تارةً ، فتتمّ ا لمعاملـة بـه ، ویمکن أن یقصد بـه تحقّق ا لإیقاع ا لعملی ا لخارجی ، فلایکون قبولاً ، فکما یصحّ ا لإعطاء قاصداً بـه ا لإیجاب ، یصحّ ا لإعطاء بعد ا لإعطاء قاصداً بـه قبول ا لإیجاب ا لعملی .
بل یمکن أن یقال : إنّ ا لإیجاب ا للفظی فی ا لبیع با لصیغـة إذا وقع عقیب إیجاب ، فقال ا لبائع : «بعتک داری بأ لف» وقال الآخر : «بعتک ا لألف بدارک» یکون ا لإیجاب ا لثانی قبولاً با لحمل ا لشائع ، فیصدق علیـه : «ا لإیجاب» باعتبار ، و«قبول ا لإیجاب ا لأوّل» باعتبار ، وکذا ا لحال فی ا لمعاطاة ا لمقصود با لإعطاء ا لثانی قبول ما أوجبـه ا لأوّل بإعطائـه ، فتدبّر .
فلا إشکال فی وقوع ا لمعاطاة بإعطاء ا لطرفین ، کما لا إشکال فی وقوعها بإعطاء طرف واحد وأخذه بعنوان «ا لقبول» .