الدلیل الخامس: آیة القنطار والإفضاء
وربّما یستدلّ للمطلوب بقولـه تعا لیٰ : «وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَکَانَ زَوْجٍ وَآتَیْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شیئاً أَتَأخُذُونَهُ بُهْتَاناً وإِثْماً مبیناً * وَکَیْفَ تَأْخُذونَهُ وَقَدْ أفضَیٰ بَعْضُکُمْ إِلَیٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْکُمْ مِیثَاقاً غَلیظاً» کما حکی عن بعض أجلّـة ا لعصر قدس سره .
ویمکن ا لاستدلال بالآیـة الاُولیٰ لصحّـة عقد ا لنکاح ولزومـه ؛ بدعویٰ أنّ
ا لمراد بإیتاء ا لقنطار إیتاؤه مهراً ، وعدم جواز ا لأخذ لأجل صحّـتـه ولزومـه ، ولازمهما صحّـة ا لعقد ا لمشتمل علیـه ولزومـه ، وبإ لغاء ا لخصوصیّـة یسری ا لحکم إلیٰ سائرا لعقود .
وبالآیـة ا لثانیـة ؛ بأن یقال : إنّ قولـه : «وَقَدْ أَفْضَیٰ . . .» إلیٰ آخره ، کنایـة عن ا لجماع ، کما قال بـه عدّة من ا لمفسّرین ووردت بـه روایات أو عن ا لخلوة وإلقاء ا لستر کما عن بعض آخر ووردت بـه ا لروایـة أیضاً .
وعلیٰ أیّ حال : یکون هو علّـة مستقلّـة للتعجّب من أخذ ا لمهر ، وقولـه : «وَأَخَذْنَ مِنْکُمْ مِیثَاقاً غَلِیظاً» علّـة مستقلّـة اُخریٰ ، فتدلّ علیٰ أنّ أخذ ا لمیثاق ا لغلیظ علّـة للصحّـة وا للزوم ، فیسری ا لحکم إلیٰ کلّ عقد ؛ لأنّ ا لمراد بـ «ا لمیثاق ا لغلیظ» هو ألفاظ عقد ا لنکاح ، أو قرار ا لنکاح وعقده .
ولک أن تقول : إنّ ا لمراد بقولـه : «وَقَدْ أفْضَیٰ بَعْضُکُمْ إِلَیٰ بَعْضٍ» هو ا لمراودات وا لمواصلات ا لتی تکون قبل عقد ا لنکاح ، ویکون ذلک توطئـة لبیان ا لعلّـة وهی أخذ ا لمیثاق ا لغلیظ ، فلیس فی ا لمقام إلاّ علّـة واحدة ، فتتمّ ا لدلالـة بعموم ا لعلّـة .
هذا غایـة ما یمکن ا لاستدلال بـه ، لکنّک خبیر بوهنـه :
أمّا دعویٰ إلغاء ا لخصوصیّـة عن عقد ا لنکاح ، وا لإسراء إلیٰ کلّ عقد ، فهی ممنوعـة جدّاً ؛ لأنّ لعقد ا لنکاح فی جمیع ا لملل خصوصیّـة لیست لغیرها .
مضافاً إلیٰ أنّ ا لظاهر أنّ الآیـة ا لثانیـة مفسّرة للاُولی ، ومبیّنـة لوجـه عدم جواز ا لأخذ ، فلاتکون الاُولیٰ مستقلّـة ا لدلالـة .
وأمّا ا لثانیـة ، فمضافاً إلیٰ أنّ قولـه : «وَقَدْ أَفْضَیٰ» کنایـة ـ ظاهراً ـ عن ا لجماع ویکون ا لظاهر منها أنّ علّـة ا لتعجّب ا لإفضاء وأخذ ا لمیثاق ا لغلیظ مجموعاً ، لا کلّ مستقلاًّ ، کما أنّ ا لأمر کذلک فی ا لأشباه وا لنظائر .
فاحتمال استقلال کلّ منهما مدفوع با لظهور ، ا لمؤیّد بمناسبـة ا لحکم وا لموضوع ، وهی أنّ جعل ا لمهر لأجل ا لتمتّع ، لا لمحض عقد ا لزواج ، فکأ نّـه قال : «کیف تأخذون ا لمهر مع أخذ ا لمیثاق ا لغلیظ وا لتمتّع بها ، وا لتصرّف فیها ذلک ا لتصرّف ا لمهتمّ بـه ؟ !» فتدلّ الآیـة علیٰ أنّ کلّ واحد من ا لإفضاء ، ومن أخذ ا لمیثاق ا لغلیظ ، لایکفی فی عدم جواز ا لأخذ ، فلابدّ من اجتماعهما .
ومع ا لإسراء إلیٰ غیر ا لنکاح لابدّ من ا لقول : بأنّ ا لعقود فی حدّ نفسها لاتوجب عدم جواز أخذ ما یعطیٰ عوضاً ، فتدلّ علیٰ عکس ا لمطلوب .
أنّ دعویٰ أنّ «ا لمیثاق ا لغلیظ» عبارة عن نفس إیقاع ا لنکاح غیر صحیحـة ، بل ا لظاهر أنّ ا لمراد بـ «ا لغلیظ» هو ما یتعارف فی خصوص ا لنکاح ، ا لذی هو فی غایـة ا لأهمیّـة عند عامّـة الاُمم ؛ من ا لإلزامات ، والالتزامات ، وأخذ ا لعهدة وا لتغلیظ فی ا لقرار وا لجعل کما هو واضح ، فبیع باقـة من ا لخضرة بدرهم لیس من ا لمیثاق ا لغلیظ ، ولو اُطلق علیـه لکان مضحکاً .
هذا ، مع أنّ الآیـة ا لکریمـة واردة لبیان استقرار ا لمهر با لدخول ، کما علیـه ا لأصحاب وتدلّ علیـه ا لروایات ا لمعمول بها وقد ورد فی بعض ا لروایات ا لصحیحـة : «ا لمیثاق هی ا لکلمـة ا لتی عقد بها ، وأمّا قولـه «غَلِیظاً» فهو ماء
ا لرجل یفضیـه إلی امرأتـه» .
ولعلّ ا لمراد أنّ ا لعقد صار غلیظاً ، وا لعهد مشدّداً با لإفضاء .
والإنصاف : أنّ الآیـة لا دلالـة لها فی باب ا لنکاح علی ا لمقصود ، فضلاً عن غیره .