الدلیل الثالث: آیة التجارة
ویستدلّ بقولـه تعا لیٰ : «لاَ تَأْ کُلُوا أمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أنْ تکُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْکُمْ» .
ویمکن تقریب دلالـة الآیـة علی ا لمقصود ـ أی صحّـة ا لبیع ـ بما تقدّم فی الآیـة ا لسابقـة ، فیقال : ا لظاهر أنّ اسم ا لفعل ا لناقص هو «ا لأموال» و «تِجَارَةً» سادّة مسدّ ا لخبر .
وا لمعنیٰ : لاتأکلوا أموا لکم بینکم با لأسباب وا لطرق ا لباطلـة ، کا لقمار وا لسرقـة وا لخیانـة ونحوها ، إلاّ أن تکون ا لأموال أموال تجارة ؛ أی حاصلـة بها ، فأحلّ ا لأموال ا لحاصلـة بها .
وهو ملازم لصحّـتها عرفاً ؛ فإنّ ا لأموال ا لحاصلـة بها هی ما صارت متبادلـة بوسیلتها کا لبیع ونحوه ، وحلّیـة ا لأکل أثر لهذا ا لتبادل ا لما لکی ا لمترتّب علیـه قهراً ، لابجعل ا لمتعاملین .
ولمّا کان ا لترخیص ا لاستقلالی ا لتعبّدی ـ غیر ا لمربوط بتبادل ا لما لکین ـ بعیداً جدّاً ، بل خلاف ا لواقع جزماً ؛ إذ یکون من قبیل وقوع ما لم یقصدا ، وعدم وقوع ما قصدا ، ویرجع ا لأمر إلیٰ أنّ تحصیل ا لمال بطریق ا لتجارة عن تراضٍ لا أثر لـه ، وتکون ا لتجارة مقارنـة لتحلیل ا لشارع ، وهو خلاف ظاهر الآیـة أو نصّها ، وخلاف فهم ا لعقلاء ، فلا محا لـة تکون إباحـة ا لتصرّف ـ ولو فی ا لجملـة ـ دلیلاً علیٰ حصول ا لملک با لتجارة ، وتحقّق ا لأثر ا لعقلائی لدی ا لشارع ، وهو ا لمقصود .
مضافاً إلیٰ دلالـة ا لتقیید بـ «الْبَاطِلِ» علیٰ أنّ ا لتجارة ا لمقابلـة لـه حقّ وسبب ثابت عند الله ، وهو عین ا لتنفیذ وا لتصحیح ، فکما أنّ ا لأسباب ا لباطلـة ملغاة لدی ا لشارع ـ ولهذا عدّها باطلـة ـ کذلک ا لتجارة عن تراضٍ معتبرة لدیـه ؛ لأ نّها حقّ بمقتضی ا لمقابلـة ، فلا شبهـة فی دلالتها علی ا لمطلوب .
کما لاینبغی ا لإشکال فی إطلاقها ، ولا سیّما مع کون الاستثناء منقطعاً ؛ إذ لایأتی فیـه ما ربّما یقال فی بعض ا لاستثناءات ا لمتّصلـة : إنّ ا لمتکلّم فی مقام بیان
ا لمستثنیٰ منـه ، لا ا لمستثنیٰ ؛ فإنّ ذلک فی ا لمنقطع بعید ، لاسیّما فی ا لمقام ؛ إذ قیّد ا لتجارة با لتراضی منهما ، هو یؤکّد کونـه فی مقام ا لبیان ، فتأمّل .
وبا لجملـة : یظهر منها أنّ ا لأکل با لتجارة مرخّص فیـه ؛ لکونها حقّاً ثابتاً ، وطریقاً مستقیماً لتحصیل ا لأموال .
ویؤکّد إطلاقها مقابلتها با لباطل ا لذی یشعر با لعلّیـة ، بل یدلّ علیـه لدی ا لعرف ، فیفهم من ا لمقابلـة أنّ ا لتجارة عن تراضٍ ـ لکونها حقّاً ـ سبب للملکیّـة ، وموجبـة لجواز ا لأکل وا لتصرّف .
ومن هنا یمکن ا لتوسعـة فی ا لسبب ا لحقّ لکلّ ما هو سبب حقّ لدی ا لعقلاء لتحصیل ا لمال ، کسائر ا لمعاوضات ا لعقلائیّـة غیر ا لبیع ، لو قلنا : بأنّ ا لمراد بـ «ا لتجارة» فی الآیـة هو ا لبیع .
ولعلّ نکتـة تخصیصـه با لذکر علیٰ هذا ا لفرض ، کونـه ا لسبب ا لغا لبی لتحصیل ا لأموال ، لا لخصوصیّـة فیـه ، ولهذا یمکن دعویٰ إلغاء ا لخصوصیّـة عرفاً منـه ، وإسراء ا لحکم إلیٰ کلّ غیر باطل ، ولو لم تفهم ا لعلّیـة من ا لباطل وبا لمقابلـة للحقّ .
لکنّ ا لظاهر عدم اختصاص «ا لتجارة» با لبیع ، بل تشمل سائر ا لمکاسب ، کا لصلح ، وا لإجارة وغیرهما ، بل یمکن ا لتوسعـة علیٰ فرض ا لعلّیـة لکلّ سبب حقّ ولو لم یکن من قبیل ا لمعاملات ، کا لحیازة ، وا لصید ونحوهما وإن قلنا : بعدم صدق «ا لتجارة» علیها ، کما أنّ «ا لباطل» أعمّ من ا لمعاملـة ا لباطلـة وغیرها کا لبخس (کا لنجش خ ل) وا لقمار وا لظلم ، کما هو ا لمروی عن أبی جعفر علیه السلام .
بل یمکن ا لتوسعـة لغیر ا لأموال ، فیقال : إنّ ا لمفهوم منها سلب سببیّـة کلّ
سبب باطل ، وإثبات سببیّـة کلّ سبب حقّ للمسبّبات مطلقاً ، فتشمل ا لنکاح ؛ فإنّـه سبب حقّ ، لکن هذا ا لاحتمال لایوافقـه ا لعرف .
وبا لجملـة : استفادة صحّـة جمیع ا لمعاملات با لمعنی ا لأخصّ ـ کا لبیع ، وا لصلح ، وا لإجارة ونحوها ـ منها بلا إشکال ، واستفادة صحّـة نحو ا لوصیّـة وا لوقف وا لحیازة محتملـة .
هذا کلّـه بناءً علیٰ أنّ ا لمراد بـ «ا لبَاطِلِ» هو ا لمعنی ا لعقلائی وا لعرفی ، کما هو ظاهر کلّ عنوان اُخذ فی موضوع ا لأحکام .
وأمّا لو اُرید بـه ما هو بغیر ا لوجـه ا لشرعی ، ومن مقابلـه ما هو با لوجـه ا لشرعی کما قال بـه ا لأردبیلی قدس سره ، فیسقط ا لاستدلال بها علی ا لبیع فضلاً عن غیره ؛ لأ نّـه مع ا لشکّ فی اعتبار شیء فیـه تصیر ا لشبهـة مصداقیّـة ، لکنّـه احتمال ضعیف .
لایقال : إنّ فی ا لمروی عن أبی جعفر علیه السلام عدّ ا لربا من أکل ا لمال با لباطل ، فلابدّ أن یکون ا لمراد منـه با لباطل شرعاً کما قال ا لأردبیلی قدس سره .
فإنّـه یقال علیٰ فرض ثبوت ا لروایـة وعدم کون ا لربا أو بعض مراتبـه من ا لباطل عرفاً لابدّ من حملها علی ا لباطل حکماً لا موضوعاً .
وبعبارة اُخریٰ : ا لمراد ا لإلحاق ا لحکمی ، ولایظهر من ا لروایـة أنّ ا لمراد بـ «ا لبَاطِلِ» فی الآیـة هو ا لباطل ا لشرعی ، ولهذا لایزال ا لأصحاب یتمسّکون بإطلاق الآیـة ا لکریمـة لرفع بعض ا لشکوک .
ثمّ إنّ الآیـة ـ علیٰ جمیع الاحتما لات ـ تدلّ علی ا لمقصود ؛ أی سواء قُرئت «ا لتجارة» مرفوعـة حتّیٰ یکون ا لکون تامّاً ، أم منصوبـة ویکون اسمـه «تجارة»
مقدّرة ، أم یرجع ا لضمیر إلیٰ «ا لأموال» ، و «تِجَارَةً» خبره ؛ بدعویٰ أنّ ا لأموال نفس ا لتجارة ، أم بتقدیر «ا لأموال» وسدّ «ا لتجارة» مسدّها .
وسواء کان ا لاستثناء متّصلاً أم منقطعاً ، وسواء فهم من قولـه : «بِا لبَاطِلِ» ا لعلّیـة ومن مقابلـه کذلک ، أم لا ، ومن غیر فرق بین أن یکون ا لمراد من «ا لأکل» عنوانـه ، أو یکون کنایـة عن ا لتصرّف إجمالاً ، أو عن جمیع ا لتصرّفات ، أو کنایـة عن ا لتملّک ، وا لتقریب فی ا لجمیع ما تقدّم .