وأ مّا منع حقّ ا لبطون ا للاحقـة ، فإن قلنا : بأنّ ا لوقف تملیک فعلیّ لجمیع ا لبطون عرضاً وإن کانت ا لمنافع تدرّ علیهم طبقـة بعد طبقـة ، ولا مانع فی ما لکیّـة ا لطبقات ا لمتأخّرة للعین ا لموقوفـة مسلوبـة ا لمنافع إلیٰ زمان وجودهم ، کا لعین ا لمستأجرة إذا بیعت ، فا لبطلان لأجل کون ا لعین مشترکـة بین ا لحاضرین وغیرهم ، فلایجوز بیع ا لجمیع ، ولابیع ملک ا لحاضر مشاعاً للجها لـة با لمقدار ا لمشاع .
إلاّ أن یقال : بصحّـة بیع ا لجمیع ؛ دفعاً للجها لـة ، ویکون با لنسبـة إلی ا لطبقات ا لمتأخّرة فضولیّاً ، وا لفرض أنّ جمیع ا لمنافع للطبقـة ا لحاضرة عند وجودهم ، وجواز أنحاء ا لتصرّفات ا لانتفاعیّـة فی ا لعین ، کالإجارة ، وتسلیم ا لعین
إلی ا لمستأجر لاستیفاء ا لمنافع ، فلهم بیعها وتسلیمها ، وبعد تلک ا لطبقـة إن أجازت ا لمتأخّرة صحّ با لنسبـة إلیهم ، وإلاّ بطل . . . وهکذا .
وإن قلنا : بأنّ ا لوقف تملیک للبطون ا لموجودة فعلاً ، وللبطون ا لمتأخّرة بعد انقراض ا لبطن ا لموجود ـ أی تملیک طبقـة بعد طبقـة ـ فلا مانع من صحّـة ا لبیع علیٰ فرض صحّـة ا لبیع ا لمحدود إلی انقراض ا لطبقـة ا لحاضرة ؛ بأن یقال : کما یصحّ ا لتملیک ا لمحدود فی ا لوقف ، یصحّ بیعـه کذلک .
ولو لم یصحّ ا لبیع ؛ لذلک أو للغرر ، یمکن ا لنقل بمثل ا لصلح أو ا لبیع بلا حدّ ، مع اشتراط ا لانفساخ عند انقراض ا لطبقـة .
ولو قلنا : ببطلانـه أیضاً ؛ لأدائـه إلی ا لغرر ، یمکن ا لبیع بلا شرط وحدّ ، فیکون فضولیّاً با لنسبـة إلی ا لطبقـة ا لمتأخّرة ، هذا إذا قلنا : بإمکان تملیک ا لمعدوم .
وأ مّا إن قلنا : بأنّ تملیک ا لمعدوم غیر ممکن کما لکیّتـه ، فإنّ ا لمعدوم لایمکن ا لإشارة إلیـه ، ولا جعلـه طرف ا لإضافـة ، وإنّما ا لوقف إنشاء تملیک متعلّق بعنوان ا لطبقات ، کعنوان «ا لذرّیـة» أو عنوان «طبقـة بعد طبقـة» فا لتملیک ـ علی ا لقول بـه ـ لعنوان واحد منطبق علیٰ کلّ طبقـة فی حال وجودها ، أو لعناوین عدیدة حسب ا لطبقات .
وعلی ا لقول ا لمنصور : من أنّ ا لوقف لیس تملیکاً ، فالإیقاف لعنوان واحد ، أو عناوین عدیدة ، کلّ فی حال وجود ا لطبقـة ، ولایکون ـ علی ا لفروض ـ لأفراد ا لطبقات ا لموجودة وا لمعدومـة حقّ متعلّق با لعین ا لموقوفـة ، وإنّما هم مصرف ا لمنافع ، کا لفقراء وا لسادة فی ا لزکاة وا لخمس علی احتمال موافق للاعتبار ، فهل
ملکیّـة ا لعنوان أو ا لوقف علیـه مانع عن ا لبیع ؟
أو أنّ عدم ا لجواز لیس للحقّ ، بل لأنّ ا لطبقـة ا لحاضرة غیر ما لکـة للعین ؟
وهنا احتمال آخر فی ا لوقف مطلقاً ، وهو أ نّـه فکّ ملک ، وجعل شیء محبوساً وموقوفاً ؛ لتدرّ منافعـه علی ا لموقوف علیهم ، لابمعنیٰ إیقافها علیهم کما فی ا لاحتمال ا لمنصور ، بل بمعنی ا لإیقاف وا لحبس بلا إضافـة ، وجعل ا لمنافع للطبقات وتسبیلها علیهم ، وإنّما یقال : «إنّهم ا لموقوف علیهم» لأجل هذا ا لدرّ ، لا لأجل ا لإیقاف علیهم .
وإن شئت قلت : لأجل ا لإیقاف لهم ؛ بأن تکون «ا للام» غایـة ، فتکون ماهیّـة ا لوقف حبس ا لعین عن ا لنقل ، وتسبیل ا لمنافع ، فتکون ا لطبقات موقوفاً لهم ، لا علیهم .
وهذا ا لاحتمال أقویٰ من سائر ا لاحتمالات بعد ا لاحتمال ا لمنصور ، ا لموافق لاعتبار ا لوقف فی جمیع ا لموارد ، وعلیـه یکون عدم ا لنقل مقتضیٰ ماهیّـة ا لوقف ، کما أفاده صاحب «ا لجواهر» قدس سره تبعاً لغیره ، فیکون عدم جواز ا لبیع ؛ لاقتضاء ماهیّـة ا لوقف ، لا لأجل تعلّق حقّ ا لموقوف لهم با لعین .
ویمکن أن یقال : إنّ هذا ا لجعل کافٍ فی ا لمنع ؛ بمعنیٰ أنّ ا لطبقـة ا للاحقـة ا لتی تصیر ا لمنافع لهم ، یکون لهم حقّ ا لانتفاع فی ظرفهم ، وهذا کافٍ فی ا لمنع ، نظیر وصیّتـه بعین بعد سنـة من موتـه لزید ، فإنّها تصیر ملکاً للورثـة ، ولهم منافعها ، لکن لیس لهم إتلافها ونقلها ؛ فإنّ نفس ا لجعل لـه فی ظرفـه مانع عنـه .
وکیف کان : مانعیّـة حقّ ا لبطون ا للاحقـة ، مبنیّـة علیٰ بعض ا لاحتمالات
غیر ا لصحیحـة ، بل غیر ا لمعقولـة ؛ من کون ا لوقف ملکاً للمعدوم ، أو حقّاً لـه ، ویکون ا لمعدوم ما لکاً وذا حقّ ، وهو أمر غیر معقول ؛ لأنّ ثبوت شیء لشیء ، فرع ثبوت ا لمثبت لـه ولو کان ثبوت أمر اعتباریّ ؛ فإنّ کون ا لثابت اعتباریّاً ، لاینافی أن یکون ا لثبوت حقیقیّاً ، فا لملکیّـة صفـة حقیقیّـة للأعیان ، وإن کانت نفسها اعتباریّـة ، ففرق بین کون شیء ملکاً لأحد اعتباراً ، وبین کونـه ملکاً لـه حقیقـة .
مع أنّ اعتبار ا لشیء للأعدام بما هی ، أیضاً محال ؛ فإنّ ا لاعتبار لها متقوّم با لتصوّر وا لإشارة ا لعقلیّـة ، وا لتصدیق بکون الاعتبار ثابتاً لها ولو ثبوتاً اعتباریّاً ، وکلّ ذلک ممتنع فی ا لأعدام ، وما یتصوّر منها إنّما هی عناوین وجودیّـة ذهناً ، لایعقل کاشفیّتها عن ا لأعدام ، ولا منکشفیّتها بها .
وأ مّا توهّم : کون ا لقضایا ا لحقیقیّـة من قبیل ا لحکم علی ا لأفراد ا لأعمّ من ا لموجودة وا لمعدومـة ـ إذ لو کانت قضیّـة «کلّ نار حارّة» مثلاً مقصورة علی ا لأفراد ا لموجودة لکانت خارجیّـة ، فلابدّ من شمولها للأعدام ـ ففساده أوضح من أن یخفیٰ :
أ مّا علیٰ مسلک من قال : إنّ تلک ا لقضایا بمنزلـة ا لشرطیّات فی عقد ا لوضع فواضح ؛ لأنّ ا لحکم علی ا لأفراد ا لمقدّرة ا لوجود .
وأ مّا علیٰ مسلکنا : من کون تلک ا لقضایا بتّیـة ، لاتقدیر فیها ، ولا شرط فی عقد ا لوضع ، ولا فی عقد ا لحمل ؛ فلأنّ ا لحکم علیٰ کلّ فرد من ا لنار وإن لم یکن
مقصوراً علیٰ أفراد خاصّـة ـ وإلاّ لم تکن ا لقضیّـة حقیقیّـة ـ لکن لایلزم منـه شمولـه لغیر أفراد ا لطبیعـة ، وا لأعدام لیست بنار ، ولا شیء آخر ؛ إذ مصداقیّـة ا لشیء للطبیعـة إنّما تـتحقّق با لوجود ، فعدم شمول ا لقضیّـة للأعدام لأجل عدم إمکان شمول ا لقضیّـة لغیر مصادیق ا لطبیعـة .
فقولـه : «کلّ نار حارّة» إخبار عن کلّ فرد فرد من ا لنار ، فهی إخبار عن کلّ فرد یکون ناراً ، لابمعنی ا لاشتراط وا لتعلیق ، ولابمعنی ا لشمول لما لیس بنار کالأعدام .
ثمّ لو فرض أنّ ا لوقف ملک للطبقـة ا لمتأخّرة ، أو أنّ لهم حقّاً فعلیّاً متعلّقاً بـه ، أو قلنا : بأنّ ا لوقف للعنوان ، أو ا لوقف تملیک فعلیّ للطبقـة ا لحاضرة ، ومشروط للمتأخّرة ، أو تملیک ا لعین فی قطعـة من ا لزمان لهذه ا لطبقـة ، وفی قطعـة اُخریٰ لطبقـة اُخریٰ . . . وهکذا ، لم یمنع شیء ممّا ذکر عن ا لبیع کما عرفت ، حتّیٰ علی ا لقول : بأنّ تمام ا لعین ملک للطبقـة ا لحاضرة ، وتمامها ملک للطبقـة ا لمتأخّرة ، علیٰ فرض تصوّر ذلک .
وکذا علی ا لقول : باشتراک ا لطبقات فیها فعلاً ؛ لأنّ ا لمفروض أنّ للطبقـة ا لحاضرة جمیع أنحاء ا لتصرّفات ا لانتفاعیّـة فی ا لوقف ، فلهم إجارتها ، وا لصلح علیٰ منافعها ، وا لانتفاع بها بأنحائـه إذا کان وقف منفعـة ، لا وقف انتفاع فقط .
فحینئذٍ لو باعتها ا لطبقـة ا لحاضرة ، یکون ا لبیع با لنسبـة إلیها فعلیّاً ، وبا لنسبـة إلیٰ سائر ا لطبقات فضولیّاً ، لکن یکون للمشتری جمیع ا لتصرّفات فی ا لعین ؛ فإنّها وإن کانت ملکاً لکلّ منهما ، أو مشترکـة بینهما ، لکن تکون ا لمنافع مطلقاً للطبقـة ا لحاضرة مادامت موجودة ، وا لبیع یوجب نقل ا لعین بتمامها إلی
ا لمشتری علیٰ فرض ملکیّـة ا لتمام للطبقـة ا لحاضرة ، وملکیّـة ا لتمام للمتأخّرة ، ونقل حصّـة ا لحاضرة إلیـه علیٰ فرض ا لاشتراک .
وعلیٰ أیّ حال : للمشتری ا لتصرّف فیها بأنحاء ا لتصرّفات ، حتّی ا لتصرّف ا لنقلیّ .
نعم ، لیس لـه إتلافها وإعدامها ؛ لتعلّقها با لغیر أیضاً .
فإذا انقرضت هذه ا لطبقـة ، فإن أجازت ا لطبقـة ا للاحقـة صارت ا لعین ـ با لمقدار ا لذی کان لهم ـ للمشتری ، فلـه ا لمنافع إلی انقراضهم .
وإن ردّت ا للاحقـة ، تردّ ا لعین إلیهم وإن کانت مشترکـة بینهم وبین ا لمشتری ؛ لأنّ ا لمنافع مجعولـة بحسب جعل ا لواقف للطبقـة ا لمتأخّرة فی زمانهم ، فکما أ نّها ملک لجمیع ا لطبقات مع اختصاص کلّ طبقـة بمنافعها فی زمانها ، وکانت ا لعین لسائر ا لطبقات ساقطـة ا لمنافع ، فکذلک ا لحال با لنسبـة إلی ا لمشتری .
فتحصّل من جمیع ما تقدّم : أ نّـه لا دلیل معتمد علیٰ بطلان بیع ا لوقف غیر ا لإجماع ، وارتکاز ا لمتشرّعـة من کلّ ملّـة ، بل ارتکاز ا لعقلاء ، إلاّ ما ذکرناه واخترناه : من خروج ا لوقف عن ملک ا لواقف وا لموقوف علیـه ، وأنّ اعتبار ا لوقف هو فکّ ا لملک ، لا ا لتملیک للموقوف علیـه حتّیٰ فی ا لوقف ا لخاصّ ، فلابدّ فی صحّـة بیعـه من ثبوت سلطنـة علیـه للموقوف علیـه أو لغیره .
ویمکن أن یقال : إنّ هذا ا لارتکاز ا لضروریّ للمسلمین بل لغیرهم فی ا لموقوفـات ، یوجب ظهـور ا لروایـات ا لمتقدّمـة فی ا لمنـع ، کقولـه علیه السلام : «لایجوز شراء ا لوقوف» وا لروایات ا لحاکیـة عن وقوف ا لأئمّـة علیهم السلام
وغیرها ، ولایصغیٰ إلی ا لمناقشات ا لعلمیّـة بعد تلک ا لمعهودیّـة .
إلاّ أن یقال : إنّ ما هو ا لمرتکز وا لمعهود ، عدم جواز بیع ا لوقف وشرائـه فی ا لجملـة ، لا علیٰ نحو ا لإطلاق ، فلایکون فی ا لموارد ا لمختلف فیها أو ا لمسلّم جواز بیعها مرتکزاً ، فلایکون عدم ا لجواز ـ فیما إذا وقع اختلاف شدید بین ا لموقوف علیهم ، یوجب تعطیل ا لوقف إلی ا لأبد ـ مرتکزاً معهوداً ، وکذا فیما إذا خرب بحیث لایمکن ا لانتفاع بـه ، وکذا فی غیرهما من ا لموارد ، ومع عدم معهودیّـة تلک ا لموارد ، لاتکون ا لمناقشات ا لمتقدّمـة مخا لفـة لارتکازهم .
وکیفما کان : لا إشکال فی أنّ مقتضی ا لقاعدة ، عدم جواز بیع ا لوقف مطلقاً ، ولابدّ فی ا لخروج عنها من ا لتماس دلیل .